حروب أهل الضاحية الجنوبية

من آثار عدوان تموز 2006
من آثار عدوان تموز 2006


-------------------------------------------

تبدو الضاحية الجنوبية عن قرب وكأنها تعيش حالة من التناقضات الاجتماعية والثقافية والسياسية ففي حين ان اعمال البناء والترميم لا تزال مستمرة لازالة اثار حروب تموز 2006، والتي تنفذها شركة "وعد"، فإن الضاحية تعيش من جهة اخرى اجواء الاستعداد لحرب عسكرية جديدة مقبلة لا محالة وذلك للرد على نتائج حرب تموز.

وبين حرب لم يتم الانتهاء من ازالة آثارها حتى اليوم، وحرب مقبلة قد تأتي في اي وقت من الاوقات، فان الضاحية الجنوبية تشهد حراكا وحيوية هائلة متعددة الاتجاه. فعلى الصعيد الاجتماعي هناك صراع بين الفوضى والتنظيم والرعاية. وفي الواقع الثقافي مؤشرات جديدة لم تكن حاضرة سابقا وخصوصا الاهتمام بالفنون التشكيلية والموسيقية المنطلقة من البعد الديني. وفي الجانب الترفيهي وبعد فورة المطاعم والمقاهي النوعية نُطل على اشكال جديدة من التسلية من خلال اندية البولينغ والبلياردو. اما على الصعيد الاسلامي فلا تزال ارتدادات رحيل المرجع السيد محمد حسين فضل الله تطل على الواقع السياسي والديني.

فكيف يعيش اهل الضاحية الجنوبية اليوم؟ وكيف يجمعون بين مباهج الحياة المتنوعة والهموم والمشاكل السياسية والامنية والمعيشية؟ وماذا يفعل "حزب الله" لمعالجة الواقع الاجتماعي المتدهور؟

بين حرب لم تنته وحرب آتية

من يمر في شوارع الضاحية الجنوبية يلحظ بوضوح ورشة الاعمار المستمرة التي تتولى تنفيذها شركة "وعد" والتي نجحت حتى الان بانجاز اعادة بناء حوالى 80 % من الابنية التي دمرت في حرب تموز 2006 وقد اعيد بناؤها بحلة جديدة وتم تنفيذ شعار "نعمرها اجمل مما كانت"، ويتوقع مدير شركة "وعد" المهندس حسن جشي ان يتم الانتهاء من اعادة اعمار الضاحية في العام 2011، ويؤكد ان الضاحية ستلبس آنذاك حلة جديدة على صعيد الشوارع والحدائق والتنظيم المدني، لكن السؤال الذي يتبادر الى ذهن الكثيرين من ابناء الضاحية وتتم مناقشته في ندوات وحوارات بحثية مغلقة" هل ستندلع الحرب الجديدة قبل الانتهاء من اعمار الضاحية؟". ليس هناك جواب حاسم في هذا المجال، لكن المطلّع على ما يجري خلف المشهد الاعماري للضاحية، يكتشف ان هناك استعدادات مستمرة للحرب الجديدة "الآتية لا محالة" حسبما يتحدث مختصون عسكريون ومسؤولون في "حزب الله"، لأن اسرائيل لا بد ان تنتقم من فشلها في حرب تموز 2006. لكن الحرب المقبلة اذا اندلعت لن تكون حربا تقليدية بل هي ستغير خريطة المنطقة كلها حسبما يعبر الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله في اكثر من خطاب له.

مباهج الحياة

وفي انتظار الحرب الجديدة فان أهل الضاحية الجنوبية لا يقضون اوقاتهم انتظارا او قلقا او خوفا، بل هم في بحث مستمر عن اشكال جديدة من مباهج الحياة والترفيه. فرغم كل المشاكل الاجتماعية وانقطاع الكهرباء وعدم توفير مياه الشرب، فإن موجة اقامة المطاعم والمقاهي واماكن التسلية لا تزال مستمرة في العديد من المناطق وخصوصا في اوتستراد الشهيد هادي نصر الله، ومنطقة الكفاءات وعلى طريق المطار القديم والجديد، كما ان الابنية الفخمة تزداد انتشارا في حارة حريك وحي الاميركان وشارع الجاموس ومنطقة بئر حسن حيث وصل سعر الشقة الى اكثر من نصف مليون دولار اميركي. اما الجديد في مباهج الحياة فهو افتتاح نادٍ متخصص للبلياردو والبولينغ على طريق المطار الجديد تحت إسم "غولدن هول" والذي يجمع بين اناقة البناء وحداثة الالعاب والترفيه.

وفي موازة ذلك فان الحفلات الموسيقية وعروض السينما مستمرة في قاعة "رسالات" قرب السفارة الكويتية والتي ترعى معظمها اما السفارة الايرانية او جمعية رسالات للفنون التشكيلية والسينمائية. والحدث الاهم الذي شهدته الضاحية كان الحفل الموسيقي الانشادي في ذكرى ولادة الامام المهدي (15 شعبان) والذي جمع الموسيقار نداء ابو مراد وفرقته مع مدير معهد المعارف الحكمية الشيخ شفيق جرادي في حفل خاص يجمع الموسيقى والادعية وتلاوة القرآن في مشهد لم تألفه الضاحية الجنوبية منذ سنوات طويلة.

"حزب الله" والحرب الثقافية

وفي مواجهة المشكلات الاجتماعية والثقافية المتزايدة في الضاحية بسبب الفوضى وضعف حضور الدولة يخوض "حزب الله" حربا مستمرة لتعزيز "التنظيم المدني" ونشر القيم الاجتماعية والاسرية. فبعد الحملة التي اطلقها تحت عنوان "النظام العام من الايمان" من اجل دعوة الناس للالتزام بالقوانين وعدم مخالفتها والتي لم تحقق نتائج فعلية حتى الان، بدأ الحزب حملة تثقيفية جديدة تحت عنوان "اسرتي سعادتي" وهي الهادفة للدعوة لاحترام التقاليد الاجتماعية والعائلية، ويقوم الحزب بانشاء جمعيات ومؤسسات عدة تعنى بدراسة الاوضاع الاجتماعية والتربوية من اجل مواجهة ظواهر الانحراف عند الشباب ومعالجة مشاكل الطلاق والابتعاد عن السلوك الاجتماعي الجيد. وقد تم تشكيل لجان عدة والقيام بابحاث معمقة لفهم الاسباب التي تؤدي الى الابتعاد عن الالتزام بالسلوكات الدينية رغم الالتزام بالقرارات الحزبية والسياسية.

لكن هذه الحملات المكثفة التي يقوم بها الحزب لحفظ النظام العام وحماية التقاليد والاعراف الاجتماعية لم تنجح حتى الآن في منع مظاهر الفوضى في الضاحية سواء على صعيد خرق قوانين السير او البناء غير المرخص او التظاهرات ضد تقنين الكهرباء او المشاكل العائلية والخلافات بين العائلات وكثرة استعمال السلاح لفض الخلافات، ويبدو ان الضاحية تحتاج لهيئة طوارئ غير تقليدية لكي تستطيع مواجهة ما تعانيه من مشاكل وتلك مسؤولية تتعدى قدرة الاحزاب او البلديات او الهيئات الاجتماعية. انها تتطلب حضور الدولة بشكل اقوى قبل كل شيء.

فضل الله الغائب الحاضر

وفي الوجه الآخر لواقع الضاحية الجنوبية فان رحيل المرجع السيد محمد حسين فضل الله لا يزال يلقي بآثاره على الواقع السياسي والثقافي والاجتماعي، فرغم مضي حوالى الشهرين على رحيله فإن حضوره لا يزال قويا. ففي مسجد الحسنين حيث كان يؤم المصلين، يزداد الزوار لضريحه لتلاوة الايات القرآنية ومجالس العزاء، كما ان صوته لا يزال مرتفعا بين الصلاتين لقراءة الادعية وتوجيه النصائح، اضافة الى كلماته المؤثرة وصوره المنتشرة في شوارع الضاحية. ومع ان نجله السيد علي يواظب يوميا على اقامة الصلوات والادعية في مسجد الحسنين وعلى استقبال المراجعات في منزله في حارة حريك، فإن حضور "السيد الأب" لا يزال طاغيا في كل تفصيل من تفاصيل الحياة اليومية في الضاحية الجنوبية والناس تتذكره دائما في كل محطة من المحطات السياسية والاجتماعية، ومؤسساته المتنوعة تواصل عملها ومقلدوه لا يزالون يبحثون عن فتاواه وكتبه.

وفي انتظار ما ستؤول اليه اوضاع الضاحية الجنوبية سلما او حربا، تنظيما او فوضى، معركة سياسية جديدة او توافقا على معالجة الازمات وترددات المحكمة الدولية، فان ابناء الضاحية يفتقدون دوما ذلك الصوت المتميز الداعي لحماية السلم الاهلي ومنع الاعتداء على الاملاك العامة والباحث دوما عن مساحة للحوار والتلاقي مع الآخر.

الى أين؟

لكن الى أين تسير الضاحية الجنوبية واهلها اليوم؟ خلف الامواج البشرية المنتشرة في شوارع الضاحية، ورغم ضجيج الابنية المرتفعة مجددا، وفي موازاة الاحتفالات الشعبية الضخمة التي يقيمها "حزب الله" في مناسبات شتى، فإن هناك اسئلة عديدة تموج في اعماق ابناء الضاحية والسؤال الأهم: الى أين؟ هل نحن مقبلون على حرب جديدة داخلية او خارجية؟ اين سيذهب الناس اذا اندلعت الحرب؟ ما هي صورة الدمار التي ستتشكل وهل سيكون اقسى من دمار حرب 2006؟

انه الصراع المستمر بين ارادة الحياة والخوف من المستقبل، انها الضاحية الجنوبية المليئة بالتناقضات وصور الحياة المتنوعة، فمن يستطيع ان يفهم ماذا يجري هناك خلف الابواب الموصودة او مع ارتفاع دخان النراجيل المنشترة في المقاهي والمطاعم وفي الاحياء؟

قاسم قصير – حارة حريك

تعليقات: