خصوم كريدي يتهمونه بتجاوز صلاحياته.. والمدافعون عنه يعتبرونه «فرصة»..
لا يجد رئيس الجمهورية ميشال سليمان والعماد ميشال عون، رئيس أكبر كتلة مسيحية، داعياً للجلوس وجهاً لوجه خارج إطار جلسات طاولة الحوار. مبادرة «فخامة الرئيس» الى عقد لقاءات مكثّفة مع القادة السياسيين لتخفيف احتقانات الداخل عشية القرار الظني الموعود، فرض جلوس «الجنرالين» في قصر بعبدا لتبادل القراءات السياسية حيال خطورة المرحلة المقبلة. عند هذا الحد يبدو التنسيق بين المقام الماروني الأول، والزعيم الماروني الأول متوافراً في حده الأدنى... بإرادة واضحة من الطرفين.
لكن هامش «الحساسية» عند المرجعيتين يتظهّر بوضوح خلف الكواليس. «جنرال الرابية» ليس بوارد التغاضي عن رسائل سليمان المبطّنة في الانتخابات النيابية والبلدية، وسيّد القصر لا يمكن ان يفهم الحراك العوني في كسروان والمناطق المسيحية و«الاختراق» المبرمج للرهبانيات، إلا في إطار الاستعداد المبكّر لخوض استحقاق 2013، في الوقت الذي تكون فيه «حقبة سليمان» على أبواب نهاية الولاية الرئاسية وفي أوجّ الاستنفار لشدّ عصب النبض المسيحي لحساب بعبدا.
«عموميات» الصراع المفتوح، المكتوم الصوت، بين سليمان وعون لا يحجب أهمية «التفاصيل»، و«إبريق زيت» كازينو لبنان نموذجاً. ففي الآونة الأخيرة، اتخذت الأمور بين الرابية وبعبدا، منحى تصاعديا وان كان الطرفان يتحفّظان حتى الآن على الإقرار بهذا الواقع. أكثر من ذلك، تؤكد مصادر عليمة ان التوتر بين «الجنرالين» بشأن أمور وشجون الكازينو لن يقف عند حد طرد الموظف زيوس خوري والاعتصام التضامني لنقابات موظّفي الكازينو معه، فتقرير شركة التدقيق المحاسبي «ديلويت اند تاتش» سيفتح الطريق أمام تعيينات جديدة في الكازينو، ستمهّد بدورها لكباش علني بين الرجلين، إذا لم تأت رياح التعيينات وفق ما تشتهيه سفن «الجنرال البرتقالي». المصادر نفسها، تشير الى ان «أسلوب» رئيس مجلس إدارة الكازينو المحسوب على رئيس الجمهورية، في العمل وفي طريقة التعاطي مع نواب كسـروان وجبيل من طالبي الخدمات، تستفزّ العماد عون.
ما الذي دفع النائب عون الى تخصيص فقرة من خطابه بعد أحد اجتماعات «تكتل التغيير والإصلاح» للحديث عن «التصرّف الكيفي» لرئيس مجلس الإدارة في الكازينو، والايحاء بلجوئه الى أسلوب «شرطة التأديب» في تعاطيه مع موظفي الكازينو، والطلب من بعض نواب «التكتل» تقديم سؤال للحكومة حول الموضوع؟
وصلت الى مسامع حميد كريدي «وشوشات»، من بعض مخبريه في الكازينو تفيد بأن الموظف زيوس خوري قد أطلق بحقه كلاماً غير لائق يتناول حياته الشخصية والمهنية. وخوري واحد من نحو مئتي موظف في شركة «أبيلا» المتعاقدة مع الكازينو (مساهمة أيضاً بنسة 20% وتصنّف كإدارة تقنية للكازينو) من أجل تأمين خدمات تشغيل الألعاب. ويتمتع هؤلاء الموظفون بمستوى تعليمي جيد، ويفرض عليهم قبل التقدم الى الامتحانات التي تجريها «أبيلا» حيازة شهادة «ليسانس» واتقان اللغة الانكليزية وخبرة في علم الحساب والأرقام.
بادر كريدي الى استدعاء زيوس خوري الى مكتبه، ووضعه في «حالة انتظار» على مدى ساعات النهار «من دون ان يقابلني»، على حد تأكيد خوري نفسه. بعد ذلك بادر وفد من نقابة موظفي الكازينو الى زيارة النائب البرتقالي سيمون ابي رميا، طالبين منه المساعدة في رفع الغبن عن موظفي «أبيلا». أجرى نائب جبيل اتصالاً بكريدي وطلب منه موعداً للقائه، فوافق الأخير، ثم ما لبث إن أعاد الاتصال بسيمون ابي رميا ليؤكد له انه لا يريد ان يعطيه موعداً، متهماً إياه بالضغط لدفع الموظف خوري الى مغادرة مكتبه قبل ان يقابله.
شهد الاتصال الهاتفي بين الرجلين صراخاً وتبادل شتائم وتهديدا ووعيدا. محضر «المواجهة الهاتفية» رفع الى «غرفة العمليات» في الرابية، فكان القرار بالرد من عون نفسه ودعم اعتصام الموظفين المتعاقدين مع «أبيلا» بمؤازرة من نقابتي عمال وموظفي الكازينو ونقابة موظفي الألعاب، بعد قيام «أبيلا» بطرد خوري من العمل، بناءً على توجيهات من كريدي، مع الإشارة الى ان رئيسي النقابتين بطرس افرام وجاك خويري مقرّبان من «حزب الكتائب». وقد هدف الاعتصام الى الاعتراض على سلوكية كريدي، والمطالبة بتثبيت موظفي «أبيلا» الذين تنتهي عقودهم بعد نحو شهرين، وضمان حقوقهم كونهم يفتقدون الى الحماية من الصرف التعسفي أسوة بموظفي كازينو لبنان وعماله.
وفيما اعتبر العديد من موظفي الكازينو أنه لم يكن هناك من داع لتكبير حجر القضية، إلا ان كريدي أصرّ على تأديب خوري من خلال الايعاز لـ«أبيلا» بطرده، خصوصاً ان «تهمة الثرثرة» الموجّهة الى الموظف لا يعاقب عليها القانون.
يذكر ان وفداً من موظفي «أبيلا»، كان جال في الأسابيع الماضية على عدد من المراجع السياسية، مطالباً بتثبيت هؤلاء الموظفين، وقد سمعوا عبارات تطمين، لكن في اعتقاد مصادر مطلعة، فإن هذا الاشتباك الموضعي يخفي وراءه «قلوباً مليانة». فكريدي يتعاطي بميزان الذهب مع كل خدمة تطلب منه من جانب نواب «تكتل التغيير والاصلاح» وباقي النواب أيضاً. يعطون مثلاً على ذلك، استجابته لطلب عدد من النواب العونيين «ضمن الممكن وفي إطار المطالب المحقة».
لكن نواب كسروان وجبيل عموماً، وفق المعلومات المتداولة، لا يلقون التجاوب المطلوب من جانب كريدي. يعترض النائب سيمون أبي رميا على هذا القول ويرد «أنا شخصياً لم أطلب يوماً خدمة من كريدي. وقد التقيته لمرة واحدة فقط. لكن تصّرفه مع الموظف خوري ينمّ عن كيدية، وعن تأثر كبير بأسلوب المخابرات»، نافياً ان يكون لهذه المسألة «أي خلفية سياسية بشأن مسار العلاقة بين الرئيس سليمان والعماد عون». وقال ابي رميا «بعد الحديث الهاتفي بيننا، على كريدي الاعتذار لي لأنه وجّه الإهانات الى نائب في البرلمان». وسأل ابي رميا رئيس الجمهورية «إذا كان يقبل بهذه التصرفات غير المسؤولة من جانب موظف محسوب عليه، والذي يتصرّف من منطلق ما يصل الى أذنيه حول القيل والقال، متجاوزاً القانون».
ويقول معنيون في الكازينو، ان كل ذلك يخفي صراعاً أكبر يتخطى الشق السياسي ليصل الى مسألة تقاسم «قالب الجبنة» الدسم. والجميع في قفص الاتهام طالما ان لا أحد من الزعماء السياسيين منزّه عن ذهنية الغرف من «بئر الذهب» في الكازينو. أما منابع الاستفادة «الشرعية» التي لا يضبطها القانون، فلا تعدّ ولا تحصى، من العقود مع الشركات الى التلزيمات وأرباح صالات اللعب، والعروض الآتية من الخارج...
لكريدي خصوم ومريدون. الفريق الأول، يرى أنه أحياناً يتجاوز صلاحياته عندما لا يعود الى مجلس الإدارة في مسائل مهمة، كما حصل مؤخراً حين وقع عقداً بشأن العروض بمليوني دولار وأبلغ مجلس الإدارة لاحقاً بذلك، وأنه يغلّب مزاجه الشخصي على أدائه المهني، ولم يعمد حتى الساعة الى إجراء نفضة التعيينات على الرغم من إنجاز تقرير «ديلويت» في آخر تموز الماضي، وفي عهده جرت عدة اعتصامات.
أما الفريق الثاني، فيرى أنه الرجل المناسب في المكان المناسب، وأنه يشكل فرصة لا يمكن أن تتكرر. لقد ترك عمله في الخارج ومنذ وصوله عمد الى إصدار عدد قرارات بالترقية أو تسوية أوضاع، لم يتم فيها مراعاة طرف سياسي على آخر، ولم يتصرّف من خلالها على أساس أنه ممثّل الرئيس ميشال سليمان في الكازينو، كما أنه من مناصري وقف الهدر في أي مؤسسة أو إدارة، وقد استفاد من التجربة المثمرة والطويلة في مجال إدارة فنادق «هيلتون» في جنيف في حقل إدارة الكازينو. ويؤكد مقرّبون من كريدي أنه عازم على إجراء سلة تعيينات ضمن معايير عالية المستوى، وسيجري نفضة على قطاع الـ Entertainment، كما يسعى الى تلميع صورة الكازينو خصوصاً من خلال نوعية العروض الخارجية Shows
اشارة أخيرة الى أن «السفير» اتصلت أكثر من مرة بكريدي طلبا لموعد للاستماع الى وجهة نظره وما زالت تنتظر حتى الآن جوابا.
تعليقات: