خيبة أولمرت
دراسة
في هذه الدراسة، يبيّن الكاتب أنّ الحكومة الإسرائيلية قد فشلت على أكثر من صعيد. فقد خسرت دولياً إذ خيّبت آمال الولايات المتّحدة الأميركية، وأخفقت داخلياً في مهمة الدفاع عن مواطنيها. لكنّ "الفضيحة السياسية" تتمثّل في الموافقة على القرار 1701 ونشر قوات اليونيفيل، الأمر الذي يعتبره الكاتب تنازلاً عن حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وخصوصاً أنّ قوات اليونيفيل لن تمنع حزب الله من مواصلة تسلّحه
انبرى عدد من أصدقاء أولمرت للدفاع عنه، في محاولة لتقديم «إنجازات» حققتها إسرائيل في حرب لبنان الثانية. إلاّ أن الوقائع معاكسة تماماً، وظاهرة للجميع.
فالحرب انتهت بخسارة على الصعيدين معاً: العسكري والسياسي، الخارجي والداخلي، وظاهر أيضاً للجميع مَن هو المتهم
خرج في الفترة الأخيرة عدد من مؤيّدي رئيس الحكومة أولمرت في حملة على استنتاجات لجنة فينوغراد. على سبيل المثال، في صحيفة «معاريف» خرج طومي لبيد للدفاع أسبوعياً عن قرارات رئيس الحكومة وإنجازاته. حتى الكاتب أمنون دنكنر، المحرر الرئيسي، اعتقد في مقالة تحت عنوان «هستيريا» (11 أيار) أن النقاش في نتائج الحرب أظهر «الهستيريا، الصراخ والتراشق»، «الصياح»، «هدير المعركة». وبحسب رأيه، فإن هذا الأسلوب «يهدد بجرفنا جميعاً في موجة ضخمة من السخط. وهي لا تنفع أحداً». وقال إنه يتحدث «بصوت واحد» و«بالمنطق»، ويأمل حصول حالة «وعي» بأن ثمّة بالفعل «إنجازات للحرب».
تآكل الردع
على المستوى الدولي يظهر إخفاقان أساسيان، أولاً، إسرائيل خيّبت أمل الولايات المتحدة التي دعمتها ودعمت الحرب. أولمرت يرى في الإدارة الأميركية «بطة عرجاء» (وهو الذي تقترب فترة ولايته من نهايتها، مثل بوش نفسه)، واشنطن تمتنع عن الزيارات وتبدي عدم اكتراث بما يحصل عندنا. فالأميركيون أملوا مع بداية الحرب تحقيق إنجاز سريع يحسّن صورة الردع مقابل سوريا (وربما حتى في حرب خاطفة عليها)، التي ترعاها إيران والمتورطة باستمرار في العراق، لكنهم حصلوا فقط على جمود طويل مقابل الذراع الإيرانية، حزب الله. ومن حقق الردع هما بالضبط إيران وحزب الله، وذلك بفضل قدرة المنظمة الصغيرة على شل شمال دولة إسرائيل طوال فترة الحرب واستخدام قسم كبير من الجيش الإسرائيلي من دون أن يتم القضاء عليها. بالإضافة إلى ذلك فقد تعزز الموقع السياسي لحسن نصر الله في لبنان، كما أثبتت التظاهرات الوطنية الضخمة التي نظمها ضد الحكومة هناك، وكذلك موقعه في العالم العربي، بعدما ظهر في جميع وسائل الإعلام العربية بطلاً قومياً نجح حيث فشلت الجيوش العربية.
انتشار اليونيفيل المقيّد
ثانياً، وهو أمر أكثر خطورة، اضطرت إسرائيل للموافقة على قرار الأمم المتحدة 1701، بفرض قوة عسكرية متعددة الجنسية عليها في لبنان. لقد عارضت دوماً جميع حكومات إسرائيل انتشار قوات دولية مسلحة تضع قيوداً على حدودها. المؤيدون الوحيدون لمثل هذه الفكرة التي تعني تنازلاً عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، كانوا في حزب ميرتس واليسار. باستثناء القوة المتعددة الجنسية، فإن القرار 1701 لم يقدم أي شيء جوهري جديد مقارنة بقرارات الأمم المتحدة الكثيرة السابقة في موضوع لبنان (بينها 425، 426، 520، 1559، 1655، 1680، ويمكن أيضاً الإشارة إلى اتفاق الطائف وتفاهم «عناقيد الغضب»)، ولذلك فإن القوة على الحدود أساس التغيير في الوضع الدولي.
وقد اتّضح من البداية أن القوة المتعددة الجنسية لا تمنع حزب الله من التسلّح... ودورها الحقيقي منع إسرائيل من الهجوم. في الجولة التالية سيطلق عناصر حزب الله النار بالقرب من القوة المتعددة الجنسية وإسرائيل ستضطر إلى الامتناع عن الرد وإلّا عرّضت حياة الجنود الألمان، الفرنسيين، الإندونيسيين وآخرين للخطر. وسبق أن أُطلقت النار (تقريباً) على طائرات الجيش الإسرائيلي من الفرنسيين والألمان في أكثر من حادثة (هذا ما ورد في النص العبري). إذا كان الأمر كذلك، بخلاف الإجماع الإعلامي المنحاز، فالقرار 1701 هو من ناحية المصلحة الإسرائيلية فضيحة سياسية داخلية وخارجية. للمرة الأولى توافق الحكومة على نزع حق الرد الإسرائيلي. ولقد بدأنا بدفع ثمن إخراج الإصبع من سد التدخل العسكري الدولي. على سبيل المثال، عندما يعود العالم إلى الاهتمام بالفلسطينيين، ستطلب الأمم المتحدة تطبيق هذا النموذج أيضاً على يهودا والسامرة، والجيش الإسرائيلي سيخسر قدرة السيطرة والرد.
خسرنا المعركة
من الناحية العسكرية، فإن إسرائيل، في حرب طويلة وفي ظل تفوّقها الكبير من ناحية القوات والتكنولوجيا، وفي مقابل منظمة مخرّبين هزيلة وبحجم لواء، قد حققت القليل في الميدان، وأوقعت القليل من الخسائر لدى العدو، ولم تصل إلى أهداف معيّنة، وفشلت في الدفاع عن مواطني الدولة أكثر من أي عملية سابقة جرت في تاريخ إسرائيل. هذا الفشل برز لأعدائنا، ومن الواضح أنه قلب الساعة الرمليّة استعداداً للحرب المقبلة. النقاش مع محامي الدفاع عن أولمرت في هذه المسألة لا فائدة منه، لأن أولمرت نفسه اعترف على نحو قاطع في شهادته وباتهامه لحالوتس والجيش الإسرائيلي بعدم التزام الأهداف التي تم تحديدها، وأنه جرى تضليله بخصوص قدرات الجيش الإسرائيلي. موقع الجيش الإسرائيلي في الموضوع واضح من أفعاله، فهو يحاول تحسين الإهمال استعداداً للحرب التي تحوّلت، بحسب تقديره، إلى أمر حقيقي. إذا كان هذا هو الواقع فثمّة فقط إنجاز واحد للحرب، وهو الانسحاب التكتيكي لحزب الله من الحدود إلى مسافة بضع مئات من الأمتار نحو الداخل، الأمر الذي منح شعوراً جيداً للمواطنين المحاذين للحدود، لكن ليس له مدلول استراتيجي. من الناحية الاستراتيجية يواصل حزب الله البناء، التحصّن، التسلّح (سبق أن حدّدت الاستخبارات أن قدراته زادت على التي كانت له قبل الحرب) وتأهيل عناصره.
جبهة داخلية مكشوفة ومتروكة
لا شك في أن أخطر فشل للحكومة كان على الساحة الداخلية الإسرائيلية: الاهتمام بالجبهة الداخلية. لولا تدخل أشخاص جيدين، وجمعيات ومتطوعين، لكان عشرات الآلاف من المواطنين في الشمال في ضائقة على مستوى الحماية، والمياه، والتموين والصحة. الحكومة لم تقم بشيء ولا في مرحلة، وتركتهم لمصيرهم تحت رحمة الصواريخ في حجم لا سابق له. في حرب الخليج سقط في إسرائيل بضع عشرات من صواريخ السكود وألحقت أضراراً قليلة، لكن الحكومة وجدت أنه من الأفضل تشغيل أجهزة الطوارئ. كان يسقط هنا مئتا صاروخ كل يوم، وهو أكبر هجوم صاروخي منذ إنشاء دولة إسرائيل، ويُقتل العشرات من المدنيين، ومع ذلك فإن حكومة إسرائيل قررت أن الأمر لا يستدعي حالة طوارئ. نامت، تثاءبت، وتحدثت عن دفع ثمن «أقل ممّا تتوقعه السيناريوهات»، وأثبتت أنها غير مؤهلة للوظيفة الملقاة على عاتقها. بسبب هذا الإخفاق وحده كان على أي حكومة أن تستقيل، لأن قرار تشغيل أجهزة الطوارئ، المستعدّة والجاهزة للأمر، كان سهلاً وبسيطاً، وخلال الحرب ينبغي أن يكون الأمر واضحاً جداً لأي شخص متّزن الفكر.
في نظرة واقعية ورصينة، من الصعب العثور على «الإنجاز الضخم» للحرب. تماماً مثل تحليلات دنكنر وأمثاله التي تعاني تجاهل الحقائق، والتي تخاطب القلب بدل المعطيات الملموسة، والإحساس بدل التفكير والاتّزان. لا إنجاز واقعياً للحرب، وفي أغلب الأطر يبرز فشل ذو انعكاسات خطيرة، سيلاحقنا في السنوات المقبلة. تجاهل ذلك معناه دفن الرأس في الوحل كالنعامة. ومع ذلك كله فقد صدق دنكنر في موضوع واحد، بقوله: لا مشكلة جوهرية مع عملية اتخاذ القرارات، إلاّ أن من غير الممكن النفي جدياً أن هناك مشكلة جوهرية كامنة في متخذي القرارات أنفسهم.
تعليقات: