بيروت منزوعة الجواسيس والدسائس


تسابق سياسيو وإعلاميو فريق 14 آذار لتوظيف حادثة برج أبي حيدر لمصلحة أجندتهم السياسية المشبوهة، فكما جعلوا من الاغتيالات السياسية التي أعقبت صدور القرار الدولي 1559 بوابة للانخراط بالمؤامرة الإسرائيلية الدولية لمحاصرة سوريا وعزلها لعدم تعاونها في تثبيت الاحتلال المتعدد الجنسيات للعراق، ها هم اليوم يجهدون من غير كلال لاصطناع عناوين خادعة وكاذبة ليتلطّوا خلفها من أجل التصويب باتجاه المقاومة وسلاحها، وكل ذلك من أجل التغطية على ملفات فقدوا زمام المبادرة فيها.

وإذا كانوا اليوم ينادون بشعار "بيروت منزوعة السلاح"، وهو شعار يريدون أن يصلوا به إلى التشهير بسلاح المقاومة والمس ببطولات المقاومين، فهذا الشعار ليس سوى تتمة لشعارات سابقة كان قد جرى استخدامها من غير طائل لتحقيق الأهداف ذاتها، فالكل يذكر شعار حب الحياة الذي ابتدعوه من أجل أن نحب "إسرائيل" ونتسامح مع عدوانيتها ونسكت عن أطماعها وإلا نكون من أهل ثقافة حب الموت وكارهي الحياة.

والكل يذكر شعار بناء الدولة، وهو شعار يقوم تحقيقه عندهم على بعد واحد فقط ودون أي زيادة أو نقصان، وهو قرار الحرب والسلم بيد الدولة، والهدف منه إبطال دور المقاومة وتجييره لمجلس الوزراء الذي عليه أن يجد تسوية بين من يدعون إلى التصدي للعدو بحفلات الشاي وبين من يصرون على النار بالنار.

وكان الهدف ذاته أي سلاح المقاومة عندما نشروا بشكل نابٍ ومهين ثقافة الأنتي الشيعية، وبث المخاوف بين أبناء الطوائف الأخرى من الطائفة الشيعية، على قاعدة أن سلاح المقاومة هو سلاح أهلي هدفه تحقيق المثالثة وضرب معادلة المناصفة في الحكم، وقد انطلت هذه الكذبة على البعض فأخذ على عاتقه ودون أن يعي ما هو بفاعل تنفيذ مهمة إسرائيلية صرفة عبر إشغال المقاومة بالخلافات الداخلية ومحاولة جرها إلى حقول ومسارح التباغض والتنابذ الطائفي والمذهبي، وكان هناك لفتة إسرائيلية باتجاه قوى 14 آذار هي بمثابة إشادة ضمنية لهم على "ذكائهم" في تلوين صراع المقاومة مع العدو بألوان الصراعات المذهبية والطائفية كما يستشف من تقرير فينوغراد.

وكان الهدف أيضا سلاح المقاومة عندما خافوا زورا على جينات اللبناني من التفريس (جعلها فارسية) أو عندما حذروا عشية الانتخابات الماضية (عندما تحدث البطريرك صفير في يوم الصمت الانتخابي خلافا للقانون ومنطق بناء الدولة) من الأخطار التي تتهدد عروبة لبنان في حال فازت اللوائح المؤيدة للمقاومة.

واليوم وبعد حادثة برج أبي حيدر التي لم تنجل فصولها وملابساتها النهائية، سارع الفريق نفسه إلى طرح شعار "بيروت منزوعة السلاح"، وهو بالمناسبة شعار مخادع ومنافق، يريد أن يظهر أن العاصمة تعاني من مشكلة أمنية هي السلاح الذي تفشى بين ناسها بسبب وجود مثل هذا السلاح مع المقاومة، وبالتالي تحميل المقاومة نفسها مسؤولية الحوادث الأمنية التي تقع لدواع مختلفة، وأيضا اعتبار استمرارها مشجعا للفوضى وسببا في تنكيد عيش سكان العاصمة وترويعهم.

طبعا، هناك مشكلة أمنية في بيروت، وأيضا هناك من يسعي بيديه ورجليه لإيجاد هذه المشكلة ليقول عن سلاح المقاومة ما قاله، كل مدن العالم تمتلك ما هو أكثر من السلاح الموجود في بيروت، حتى المدن الأميركية التي يتخذها فريق 14 آذار نموذجا تقع فيها أحداث أمنية تفوق ضحاياها بأضعاف ما حدث في برج أبي حيدر، لكن هناك يصوبون على لب المشكلة وليس كما يفعل هذا الفريق فيمتطي ظهر حادثة معينة ليصل إلى هدف مشبوه لا يجرؤ على إعلانه أو تسميته.

لا جدال، بأنه يجب اتخاذ الإجراءات لعدم معاودة مثل حادثة برج أبي حيدر، ويجب مصارحة الناس أن التوجس منها أو تضخيمها ليس مرده السلاح الموجود بين البيروتيين، وإنما وجود مشروع إسرائيلي أميركي في البلد يرى في الفتنة المذهبية فرصة في إمراره، ويعمل على تحقيق هذه الفرصة إضافة إلى الأجهزة الأمنية في هذين البلدين، العديد من الأجهزة الاستخبارية التي تتبع لبلدان عربية وأوربية، وقد تمكنت هذه الأجهزة من اختراق كامل النسيج اللبناني وهي قادرة على التلاعب بالأمن في العاصمة وغيرها والبلد كله، كما أنها جاهزة للاستثمار في أي حادث أمني ولو بسيطا ما دام هناك من في السلطة أو في السياسة مصرا على فتح أبواب البلاد على مصراعيها أمام الفتن والاضطرابات.

كان بالإمكان أخذ شعار بيروت منزوعة السلاح على محمل النية الطيبة، لكن ما الفائدة من هذا الكلام، ما دام البعض لا يريد عاصمة منزوعة من مشاريع العرقنة والصوملة، أو لا يقبل بعاصمة منزوعة الجواسيس وحياكة الدسائس ضد بعض أبنائها أو ضد اشقائها

تعليقات: