المقترح الأخير للنهوض باقتصاد الاتحاد الأوروبي

يكثر الحديث في بروكسل حول تقرير ضخم بشأن مستقبل التنافسية الأوروبية من إعداد ماريو دراغي بوصفه الرئيس السابق للبنك المركزي، وبينما ينادي التقرير بإصلاحات اقتصادية جذرية لتجنب الموت البطيء للاقتصاد الأوروبي، ويتضمن رسائل عامة ومئات التوصيات المُفصلة، يرى البعض أن التقرير تنقصه الأفكار الجريئة.

نقطة البداية لهذا التقرير المؤلف من 400 صفحة هي ضعف الابتكار في الاتحاد الأوروبي، إذ يُبرز الحالة المؤسفة لصناعات التكنولوجيا الأوروبية المتقدمة. يعترف دراغي بأن الشركات الأوروبية وقعت في فخ التكنولوجيا المتوسطة، فالاعتماد على صناعات التقانة المتوسطة مثل السيارات توفر عادة إمكانيات نمو أقل بكثير من نظيراتها في التكنولوجيا المتقدمة.

تعمل معظم الشركات الكبرى في الاتحاد الأوروبي في قطاعات التكنولوجيا المتوسطة، وتظل تنشط في تلك المجالات لأنها تعد الدخول في قطاعات جديدة أمرًا محفوفًا بالمخاطر. ما يؤدي إلى ضعف الابتكارات الخلاقة في أوروبا، وذلك مقارنة بالولايات المتحدة.

يقترح دراغي عدة خطوات صغيرة لكنها مهمة من شأنها تعزيز الابتكار، مثل إنشاء نسخة أوروبية من هيئة البحث والتطوير الأمريكية لوكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة (داربا)، التي يُنسب إليها تبني ابتكارات هامة (مثل الإنترنت) وتعزيزها.

المنافسة الصينية

يحمل التقرير رسائل مثيرة للارتباك، خاصة فيما يتعلق بدور المنافسة، إذ إنه يوصي بجرأة وشجاعة بالتخلي عن قطاعات مثل صناعة الألواح الشمسية، لأن الصين تمتلك امتيازات عالية من ناحية الكلفة، حتى ولو كان الدعم الحكومي مرد تلك الامتيازات.

لكنه يعد صناعة السيارات مهمة جدًا ولا ينبغي تعريضها للمنافسة الصينية بلا قيود، ولذلك ينصح بمجموعة من التعريفات الجمركية لحماية صناعة الاتحاد الأوروبي. ونظرًا لأن الاتحاد الأوروبي يسمح للألواح الشمسية الصينية بالهيمنة على أسواقه ويفرض تعريفات جمركية على السيارات الكهربائية الصينية، يصعب عد هذا الموقف ثوريًّا، فإن ذلك يحدث فعلًا.

أما الفكرة الجديدة والمحيرة نوعًا ما، فهي أن الاتحاد الأوروبي عليه أن يفرض على المستثمرين الصينيين في هذا المجال نقل التكنولوجيا لدى فشل التعريفات الجمركية في حماية قطاع السيارات الالكترونية الأوروبية، وذلك من شأنه أن يضع الاتحاد الأوروبي على قدم المساواة مع البلدان النامية، علمًا بأن هذا هو النهج الذي تتبناه الصين منذ فترة طويلة وانتقده الاتحاد الأوروبي. لقد أجبرت الصين شركات الاتحاد الأوروبي على الكشف عن تقنياتها، وقد استعملتها الشركات الصينية بعد ذلك للمنافسة.

يذكر التقرير أيضًا المنافسة أكثر من 150 مرة ويؤكد أهميتها للنمو والابتكار، لكنه يوصي بعد ذلك بتعليق قواعد المنافسة حتى عندما يخلق الاندماج وضعًا مهيمنًا في السوق إذا وعدت الشركات بالاستثمار في الابتكار.

تبدو هذه السياسة منطقية للوهلة الأولى، لكن قد يتساءل المرء كيف يمكن قياس المنافع التي ستجنيها شركة كبيرة مهيمنة من الابتكار، وكيف يمكن مراقبة أية وعود بزيادة الإنفاق على الابتكار؟

من أبرز العناوين الرئيسية هو الإنفاق الإضافي السنوي البالغ 800 مليار يورو (ما يعادل 675 مليار جنيه إسترليني) الذي يرى دراغي أنه ضروري لتحقيق أهداف التقرير. لكن الوثيقة تخصص بضع فقرات فقط وجدولًا قصيرًا للحديث عن هذا المبلغ اللافت للانتباه. ومن بين 800 مليار يورو، يرتبط 450 مليار يورو بالانتقال الأخضر، بينما يخصص معظم المبلغ المتبقي للابتكار والرقمنة.

يقول التقرير فقط إن هذه الأرقام تستند إلى تقديرات من المفوضية الأوروبية، ويزعم أيضًا أن مبلغ 800 مليار يورو -الذي يمثل أكثر من 4% من الناتج المحلي الإجمالي- ربما يكون تقديرًا منخفضًا. لكن فعليًّا لم يتطرق النقاش العام إلى هذه النقطة.

من الصعب تقييم إحدى النقاط الأساسية للتقرير دون أساس متين لهذا الرقم الضخم، خصوصًا أن أوروبا تحتاج إلى هذا الاستثمار غير المسبوق للنمو. ويتساءل المراقبون عن سبب الحاجة إلى هذا المبلغ بالإضافة إلى الاستثمارات القائمة، ويتسائلون أيضًا عن المشاريع المحددة التي ينبغي تمويلها.

لكن التقرير لا يشير مباشرة إلى أن الاتحاد الأوروبي يجب أن يمول مبلغ 800 مليار يورو بالاقتراض، بل يقول فقط أن التمويل الخاص لن يكون كافيًا، والرسالة التي لفتت انتباه الجمهور بطبيعة الحال هي الرقم الكبير في العناوين الرئيسية.

ومع ذلك، لا تشير البيانات إلى أن أوروبا بحاجة إلى المزيد من الاستثمار. إذ يظهر تقرير حديث أن الاستثمار في الاتحاد الأوروبي يمثل نسبة من الناتج المحلي الخام أكبر من نسبته في الولايات المتحدة. لذلك ليس من المنطقي المطالبة بزيادة كبيرة في الاستثمار دون تحديد نوع الاستثمار المطلوب.

يتلخص الفارق الرئيسي بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في الإنفاق على البحث والتطوير، فهذا الإنفاق أكبر في الولايات المتحدة لأن شركاتها المتخصصة في التكنولوجيا الفائقة تنفق مبالغ أكبر بكثير.

ويحتوي التقرير القليل من التفاصيل بشأن كيفية جمع الاتحاد الأوروبي لمئات المليارات كي ينفقها في البحث والتطوير بهدف جعل شركاته رائدةً في قطاعات التكنولوجيا المتقدمة، وهو هدف أقره الاتحاد الأوروبي ضمنيًّا على الأقل في أجندة لشبونة سيئة الطالع. فتحت هذا الاتفاق الموقع سنة 2000، كان من المخطط أن يرتفع الإنفاق على البحث والتطوير إلى نسبة 3% من الناتج المحلي الإجمالي، لكن لم يبلغ الإنفاق هذا الهدف.

يبدو عمومًا أن تقرير دراغي لا يقدم توجهًا جديدًا راديكاليًّا لسياسات الاتحاد الأوروبي الاقتصادية، فهو يؤكد على المضي قدمًا في توجهات موجودة سلفًا تهدف إلى دعم الابتكار، وتخفيف الضوابط على المنافسة، وحماية الصناعة شيئًا فشيئًا من المنافسة الصينية، وإلى دعم الاستثمار. إن حجم الاستثمار الذي نُصح به هو الابتكار الرئيسي، ولكن هذا لا معنى له إلا إذا عرفنا ما الذي يجب إنفاق كل هذه الأموال عليه.

اقرأ أيضًا:

احتمال حدوث ركود في الاتحاد الأوروبي بعد تراجع الصادرات الألمانية

دعوات لتطبيق ضريبة الثروة في أوروبا فهل ستنجح؟

ترجمة: زياد نصر

تدقيق: نور حمود

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر

The post المقترح الأخير للنهوض باقتصاد الاتحاد الأوروبي appeared first on أنا أصدق العلم.

أنا أصدق العلم - قراءة الخبر من المصدر



كل المصادر

جريدة الأخبارروسيا اليومبي بي سيموقع التيارالوكالة الوطنية للإعلامقناة المنارموقع الضاحية الجنوبيةمجلة سيدتيGreenAreaصيدا أون لاينالجزيرةاللواءصيدا تي فيakhbar4allأرب حظهافينغتون بوستثقف نفسك24.aeقناة العالم الإخباريةسيدر نيوزموقع القوات اللبنانيةأنا أصدق العلمسبوتنيك

النشرة المستمرة