كيف أصبح العلم الأبيض رمزًا للاستسلام؟

استُخدمت الأعلام البيضاء في أثناء الحرب البونيقية الثانية عام 218 قبل الميلاد، واستخدم الكونفدراليون منشفة بيضاء للاستسلام في أباتوماتكس. فالعلم الأبيض قد يكون علامة على الاستسلام، ولكن لم يكن هو الطريقة الوحيدة التي استخدمها الناس على مدار التاريخ. إليكم نظرة على الأدوار المختلفة التي أداها العلم الأبيض في التاريخ.

يقول جيمس فيريغان بوصفه خبيرًا في عِلم الأعلام وموظفًا في جمعية علم الأعلام في أمريكا الشمالية: «قد يعني ذلك أنك ترغب في عقد مفاوضات … وقد يعني أيضًا، في خضم شيء ما، أنك تريد هدنة. وربما يكون ذلك لدفن موتاك، أي ليس مفاوضات أو استسلام، بل هدنة مؤقتة وحسب».

تعني الراية البيضاء في أبسط تفسير: (لا تهاجموني). ولقد استخدم المسؤولون العسكريون الرايات البيضاء لحماية أنفسهم في أثناء المناوشات الحادثة مع خصومهم لأسباب متنوعة. بالإضافة إلى ذلك، لقد استعمل المدنيون الراية البيضاء للإشارة إلى أنهم ليسوا مُقاتلين على الإطلاق، وأن نواياهم سِلمية.

أصول العلم الأبيض غير الواضحة

يصعب علينا العثور على نماذج مبكرة للعَلَم الأبيض بصفته رمزًا للهدنة أو الاستسلام. وبحسب ما كتبه المؤرخ الروماني ليفي، أنه خلال الحرب البونيقية الثانية (218: 201) قبل الميلاد)، قد أشار القرطاجيون إلى رغبتهم في السلام باستخدام شرائط من الصوف الأبيض وأغصان الزيتون.

وفي وقت لاحق، توجد حادثة مماثلة رواها المؤرخ الروماني تاسيتس خلال الحرب الأهلية الرومانية عام 69 قبل الميلاد في إشارة إلى عرض أحد الأطراف المتحاربة شرائط بيضاء وأغصان زيتون.

يتبيَّن لنا من هذه الأمثلة أن الناس في العصور القديمة كانوا يستخدمون القماش الأبيض (مع وجود رمز آخر بارز) من أجل طلب إنهاء القتال ولكن لماذا؟

يشرح إيد واتس بوصفه أستاذ التاريخ بجامعة كاليفورنيا في سان دييغو أن الناس في منطقة البحر الأبيض المتوسط حينها كانوا يرتدون القماش الأبيض لعبادة الآله، ومن المحتمل أن عرضها خلال فترة الحرب هي محض طريقة للتصريح: «ها نحن نضع أنفسنا تحت رحمتك، ونطلب الحماية من الآلهة».

بعد ذلك، لم يتوفر لنا أمثلة واضحة كثيرة على وجود الأعلام البيضاء بصفتها رموز سِلمية حتى حلول القرن السادس عشر.

وطبقًا لما ورد شرحه في القاموس الإنجليزي أكسفورد وقاموس ميريام ويبسترون، يرجع تاريخ أقدم استخدام معروف لمصطلح (العلم الأبيض) إلى 1578. ففي ذلك العام نشر البحار الإنجليزي جورج بيست حكايته عن محاولته العثور على الممر الشمالي الغربي على متن سفينة ديسكفري، ثم كتب عن لقائه هناك بأشخاص من منطقة الإنويت الذين أقاموا اتصالاً سلميًا مع طاقم السفينة بعرض «علم أبيض مصنوع من المثانات المربوطة بأحشاء الحيوانات وأعصابها».

وذكر الفقيه القانوني الهولندي هوغو جروتيوس العلم الأبيض في مجلده (المؤثر) الصادر عام 1625 حول قوانين الحرب والسلام. إذ كتب أن عرض العلم الأبيض كان وسيلة لطلب التفاوض والمناقشة بين الجهتين المتعارضتين.

ليس من الواضح لنا كيف أصبح العَلَم الأبيض رمزًا إلى الرغبة في التعبير عن السلام أو المفاوضات في العصر الحديث، ولكن ربما يرجع حدوث ذلك بصورة جزئية إلى التطبيق العملي. فقد كان القماش غير المصبوغ متاحًا بسهولة من ملابس الجنود وإمداداتهم، وكان مميزًا وواضحًا عن الأعلام المزخرفة التي تحملها الجيوش معهم.

في نهاية القرن التاسع عشر، أصبح العلم الأبيض رمزًا عسكريًا يمكن التعرف عليه في كثير من أنحاء العالم، وأدى دورًا محوريًا في أعقاب الحرب الأهلية الأمريكية.

العلم الأبيض يصبح أكثر رسمية

في يوم 9 أبريل 1865، قرر روبرت إدوارد لي الاستسلام لأوليسيس إس. جرانت في معركة محكمة أبوماتوكس، اذ أرسل لي حينها ضابطًا كونفدراليًا وراء خطوط الاتحاد لكي يطلب وقف إطلاق النار حتى يتمكن الطرفان من التحدث، ومن أجل وصول الرسالة، حمل الضابط الكونفدرالي منشفة مائدة معه بصفته علمًا أبيض عشوائيًا وغير مجهَّز.

من المحتمل أن الكونفدراليين اختاروا منشفة المائدة -الموجودة الآن في المتحف الوطني الأمريكي للتاريخ في واشنطن العاصمة- لأنها هي ما كانت متاحة في تلك اللحظة.

بحلول ذلك الوقت، كان العلم الأبيض قد أصبح شكلًا معروفًا في عمليات التواصل العسكري. ولكن لم يكن من الضروري أن تذهب الجيوش إلى المعركة وفي حوزتها هذا العلم المحدد مسبقًا للهدنة حين الحاجة إليها. إذ يقول يقول فيريغان: «إن حدوث مثل هذا الإجراء قد يعود بالضرر على الحالة المعنوية … لأن الهدف المقصود من الذهاب إلى المعارك هو الانتصار».

وفي أثناء انعقاد مؤتمر لاهاي الأول عام 1899، أصبح العلم الأبيض جانبًا رسميًا في القانون الدولي، إذ صرَّح الملحق بإحدى اتفاقيات لاهاي أن الشخص الذي يحمل علمًا أبيض من أجل التواصل مع خصمه عسكري «له الحق في عدم المساس به»، أو الحرية والفرار من الهجوم. لكن الشخص يفقد هذا الحق «إذا ثبت دون شك أنه استغل هذا الامتياز للتحرش بالخصم أو ارتكاب عمل من أعمال الغدر».

استمرت الجيوش باستخدام الأعلام البيضاء للتواصل في أثناء الحربين العالميتين الأولى والثانية. وخلال ما يسمى بهدنة عيد الميلاد في عام 1914، صرَّح الجندي الفرنسي جيرفيس موريون إلى والديه قائلًا :«إن الجنود الألمان قد لوَّحوا بعلم أبيض ثم صاحوا رفاق، رفاق، اجتمعوا».

في بداية معركة الثغرة عام 1944، اقترب الضباط النازيون من القوات الأمريكية حاملين معهم علمًا أبيض لكي يسألوهم إذا كانوا يرغبون في الاستسلام. ولقد تسبَّب الرد الذي كتبه الجنرال أنتوني ماكوليف: «مجانين!» بحدوث بعض الارتباك مع الألمان، ما دفع أحد الضباط الأمريكيين وقتها إلى إخبارهم أن هذا يعني «اذهب إلى الجحيم».

مناشادات الأعلام البيضاء من المدنيين والرهائن

ظهرت حديثًا مواقف بارزة تتعلق بالأعلام البيضاء بين المدنيين أو الرهائن وهم يحاولون حماية أنفسهم من القوات العسكرية. وفي كثير من هذه الحالات أطلق الجنود النيران وقتلوا أشخاصًا مدنيين كانوا يسعون إلى الحماية عن طريق العلم الأبيض.

وقد دُق ناقوس الخطر من قبل السياسيين وجماعات حقوق الإنسان بشأن هذه الاغتيالات؛ نظرًا لأن الضحايا كانوا من المدنيين، إلى جانب إنهم كانوا يلوحون برمز دولي قد أشار منذ مئات السنين إلى الرغبة في الهدنة والاستسلام والتفاوض، فضلاً عن طلب السلام والحماية والرحمة.

اقرأ أيضًا:

دليل الكلاسيكيات: فن الحرب، دليل الحرب الصيني القديم

ما الذي سبب العقوبات العشر في مصر القديمة؟

ترجمة: ماريان رأفت الملاح

تدقيق: زين حيدر

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر

The post كيف أصبح العلم الأبيض رمزًا للاستسلام؟ appeared first on أنا أصدق العلم.

أنا أصدق العلم - قراءة الخبر من المصدر



كل المصادر

جريدة الأخبارروسيا اليومبي بي سيموقع التيارالوكالة الوطنية للإعلامقناة المنارموقع الضاحية الجنوبيةمجلة سيدتيGreenAreaصيدا أون لاينالجزيرةاللواءصيدا تي فيakhbar4allأرب حظهافينغتون بوستثقف نفسك24.aeقناة العالم الإخباريةسيدر نيوزموقع القوات اللبنانيةأنا أصدق العلمسبوتنيك

النشرة المستمرة