هل يمكن لـ"ضريبة الأغنياء" أن تنقذ فرنسا؟



في الوقت الذي تعصف فيه الأزمات الاقتصادية بفرنسا، يتصاعد الجدل حول السياسة الضريبية للحكومة، خاصة بعد فشل خطة إلغاء العطلات الرسمية. وفي خضم هذا الواقع، تبرز فكرة جديدة من رحم الأزمة، وتتمثل في فرض ضريبة على الأغنياء، التي يرى بعض السياسيين والاقتصاديين أنها قد تكون الحل السحري لمشاكل البلاد.

غير أن هذا المقترح يثير تساؤلات حول جدواه، فهل يمكن لـ"ضريبة الأغنياء" أن تنقذ فرنسا؟ وهل هي حقاً الحل السحري أم مجرد وهم جديد يضاف إلى قائمة الحلول التقليدية؟ وهل يجد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بعد فشل خطته الأولى، حله الأخير في جيب الأثرياء؟

شهر مليء بالأحداث

وتشهد فرنسا شهراً مليئاً بالأحداث، حيث يستهل الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس وزرائه الجديد محاولاتهما لتشكيل حكومة ووضع ميزانية. فبعد دعوة المحتجين إلى "عرقلة كل شيء" - بما في ذلك الدفع نقداً فقط لإعاقة نظام المدفوعات - وإضراب وطني بسبب خطة ميزانية ألغيت لاحقاً لإلغاء عطلتين رسميتين، تشهد البلاد جدلاً حادًا حول فرض ضريبة جديدة على الثروة.

ورغم أنها ربما تكون من الأفكار القليلة التي تحظى بتأييد شبه إجماعي، إلا أنها ليست نوع الابتكارات التي تحتاجها فرنسا حالياً، بحسب مقال نشرته وكالة "بلومبرغ" واطلعت عليه سكاي نيوز عربية.

وأوضح المقال "أن ضريبة الثروة المعنية، والتي ابتكرها الاقتصادي الشهير غابرييل زوكمان، البالغ من العمر 38 عاماً، وروج لها اليسار كصرخة احتجاجية ضد ماكرون، تتميز بالبساطة: ضريبة بنسبة 2 بالمئة على الثروة التي تتجاوز عتبة 100 مليون يورو (117 مليون دولار). (إذا بدا هذا مألوفاً، فذلك لأنه نصح سياسيين أميركيين، بمن فيهم إليزابيث وارن، بخطط مماثلة).

فرنسا في عين العاصفة.. سقوط الحكومة يهز أوروبا ويحرج ماكرون

وأضاف المقال: "يزعم مؤيدو الضريبة أنها ستجمع 20 مليار يورو سنوياً من حوالي 1,800 أسرة، أي ما يعادل نصف ميزانية الدفاع الوطني وربع المبلغ المحصل من ضريبة الدخل. لا عجب أنها تحظى بشعبية هائلة لدى 99.99 بالمئة ممن لن يدفعوها. حتى حزب التجمع الوطني اليميني يسعى جاهداً للاستفادة من نسخته الخاصة".

 

لكن بأي ثمن؟ يستطرد المقال: "هنا تصبح الأمور أقل بساطة. يُفترض أن ورثة عائلات شركتي LVMH وHermes International SCA يتصلون بالفعل بمستشاريهم لإيجاد طرق لتجنب هذه الضريبة (مثل الفرار إلى ميلانو). وهناك أيضاً الأغنياء الجدد الذين يركبون موجة التقييمات التكنولوجية المرتفعة، مثل الملياردير الجديد آرثر مينش، البالغ من العمر 33 عاماً، والمؤسس المشارك لشركة "ميسترال إيه آي" الناشئة غير المربحة. من المحتمل أن يضطروا لبيع أسهم لدفع الضريبة أو - كما اقترح زوكمان بشكل "مفيد" - ببساطة تسليمها للدولة وإنشاء صندوق ثروة سيادي جديد".

من المرجح أن النتيجة لن تكون سيادة ولا ثروة، من خلال ردع رواد الأعمال والمهندسين في المستقبل. بشكل عام، ونظراً للاستجابة السلوكية من الأغنياء والتحديات الدستورية المحتملة، يتوقع البعض أن الحصيلة النهائية ستكون 5 مليارات يورو، وليس 20 ملياراً، وفقاً للمقال، الذي أوضح أن الفائدة الصافية ستكون مماثلة لضريبة الثروة العقارية الفرنسية بعد عام 2017، والتي كانت أيضاً مخيبة للآمال نسبياً، ولكن بتكلفة محتملة أعلى بكثير.

جدل محبط

وأضاف كاتب المقال ليونيل لوران: "ما يجعل الجدل الحالي محبطاً هو أنه من الواضح بالفعل أن شريحة واسعة من الفرنسيين - بمن فيهم الأغنياء - سيتعين عليهم الدفع لإعادة المالية العامة إلى وضعها الصحيح، وهذا أمر معقول. حتى مينش يعترف بالحاجة إلى "عدالة ضريبية" أكبر في بلد تضاعفت فيه ثروة المليارديرات في خمس سنوات بينما تتلاشى مكاسب الأجور، سيكون من السخف تخيل أي حكومة قادرة على تمرير ميزانية بخلاف ذلك.

وقال لوران: "لقد انتهت المعركة الأيديولوجية بين (أمة الشركات الناشئة) و(أمة الضرائب). لكن الأرقام هائلة جداً - ستحتاج إلى عدة ضرائب من نوع ضريبة زوكمان لبدء خفض العجز في الميزانية الفرنسية بثبات إلى أقل من 5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي - مما يتطلب فحصاً ذاتياً أوسع".

ويتساءل كاتب المقال.. لماذا، على سبيل المثال، تخرج أمة تتمتع بأعلى عبء ضريبي وأقرب إلى أدنى مستوى من عدم المساواة في الدخل في أوروبا، حيث يحصل ما يقرب من 60 بالمئة من السكان على أكثر مما يقدمونه للدولة، إلى الشوارع للمطالبة بـ "مزيد من المساواة"؟ ولماذا يحظى عدم المساواة بين الأجيال، الذي ذكره رئيس الوزراء السابق فرانسوا بايرو قبل إقالته من البرلمان، بتغطية إعلامية قليلة نسبياً؟ المزيد من الضرائب أمر لا مفر منه، ولكن حتى يتم معالجة الأسئلة الأعمق حول الفعالية وإصلاح الإنفاق - خاصة على المعاشات التقاعدية، التي تمثل 25 بالمئة من الإنفاق العام - فإن "غرز دبابيس المالية" سيكون مجرد مسكن وليس علاجاً سحرياً".

 

القمزي: ضريبة الثراء ليست حلاً سحرياً لمشاكل العجوزات المالية

في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية" قال الخبير الاقتصادي حسين القمزي: "من الصعب وصف ضريبة الثراء كحلٍ سحري لمشكلات فرنسا المزمنة، بل هي ليست حلاً سحرياً لأي من مشاكل العجوزات المالية. ولا أحد مثل فرنسا يعرف ذلك فمن التجربة التاريخية تعرف فرنسا نفسها أن هذا النوع من الضرائب، الذي جُرّب سابقاً في فرنسا ثم أُلغي عام 2017، أدّى إلى هروب رؤوس الأموال وتراجع الاستثمارات، أكثر مما حقّق من إيرادات".

صحيح أن الفكرة تبدو جذابة على الورق، فهي تمنح الدولة دخلاً إضافياً وتُعطي انطباعاً بالعدالة في وقت تتزايد فيه الفوارق الاجتماعية. بل وقد تكسب قبولاً شعبياً واسعاً لأنها تستهدف الأثرياء، بحسب وصفه.

وأضاف: "لكن عملياً، تظل هذه الضرائب محدودة الفاعلية، إيراداتها صغيرة نسبياً مقارنة بحجم التحديات المالية، بينما تكاليفها الاقتصادية من خروج المستثمرين وتباطؤ النمو ـ قد تكون باهظة. لهذا نجد أن دولاً أوروبية مثل السويد وألمانيا تخلّت عنها بعد تجارب مشابهة".

 

الضريبة دون إصلاحات أوسع تتحول لإجراء رمزي

وأوضح القمزي، أنه في السياق الدولي، هناك عودة للنقاش حول "ضريبة الأغنياء"، سواء في الولايات المتحدة أو أميركا اللاتينية، لكن النتائج جاءت متباينة. وبالتالي، إذا تبنّت فرنسا هذه الخطوة وحدها دون إصلاحات أوسع في سوق العمل والإنفاق العام، فالأرجح أن تتحول إلى مجرد إجراء رمزي أكثر منه علاج حقيقي.

ويرى الخبير الاقتصادي القمزي أن "ضريبة الثراء هذه أقرب إلى الوهم السياسي منها إلى حل اقتصادي. فهي تمنح الرئيس ماكرون متنفساً قصيراً ورصيداً شعبياً، لكنها لا تُعالج جذور المعضلة: عجز هيكلي، نمو ضعيف، والتزامات إنفاق متزايدة".

من جهته، قال الرئيس التنفيذي لمركز "كوروم للدراسات الاستراتيجية"، طارق الرفاعي في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "إن التجارب الأوروبية مع فرض الضرائب على الأثرياء أظهرت في معظمها نتائج سلبية، بعكس ما كان متوقعاً.

وأوضح أن بريطانيا على سبيل المثال رفعت في وقت سابق بعض الضرائب على أصحاب الثروات، غير أن هذه الخطوة دفعت عدداً كبيراً منهم إلى التخارج من السوق البريطانية والخروج إلى وجهات أخرى، ما أدى إلى انخفاض الحصيلة الضريبية الفعلية، بدلاً من زيادتها كما كان مستهدفاً.

وأشار الرفاعي إلى أن فرنسا أيضاً خاضت تجربة مشابهة في عام 1982 بفرض ضرائب إضافية على الأثرياء، إلا أن النتائج جاءت مخيبة للآمال، وهو ما دفعها، كما دفعت دولاً أوروبية أخرى، إلى التراجع عن هذه السياسات بعد أن تبين أنها أقل بكثير من التوقعات على أرض الواقع.

وأكد أن الدراسات الحديثة لا تزال تدعم هذا الاتجاه، إذ تشير بوضوح إلى أن فرض ضرائب مرتفعة على الأثرياء لا يحقق الأهداف المرجوة، بل قد يؤدي إلى نتائج عكسية مع خروج رؤوس الأموال وهجرة المستثمرين نحو بيئات ضريبية أكثر مرونة.

وأضاف الرئيس التنفيذي لمركز "كوروم للدراسات الاستراتيجية"، الرفاعي "إن وجود دعم شعبي واسع في فرنسا حالياً لهذه الضرائب لا يضمن نجاحها، فالأثرياء غالباً ما يتخذون قراراً سريعاً بالانتقال إلى دول تقدم أنظمة ضريبية أقل تكلفة وأكثر جذباً، الأمر الذي يفرغ هذه السياسات من مضمونها".

موقع التيار - قراءة الخبر من المصدر



كل المصادر

جريدة الأخبارروسيا اليومبي بي سيموقع التيارالوكالة الوطنية للإعلامقناة المنارموقع الضاحية الجنوبيةمجلة سيدتيGreenAreaصيدا أون لاينالجزيرةاللواءصيدا تي فيakhbar4allأرب حظهافينغتون بوستثقف نفسك24.aeقناة العالم الإخباريةسيدر نيوزموقع القوات اللبنانيةأنا أصدق العلمسبوتنيك

النشرة المستمرة