مفارقة في وول ستريت.. تفاؤل بالأسهم وقلق من المستقبل



يشهد المزاج العام في الأسواق الأميركية حالةً غير مألوفة تجمع بين الصعود القوي للأسهم وارتفاع مؤشرات التقلب أو الخوف في الوقت ذاته، في مشهدٍ يعكس مفارقة نادراً ما تدوم طويلاً في عالم المال.

 

تتزامن هذه الحالة مع تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وتنامي المخاوف من تباطؤ النمو العالمي، ما جعل المستثمرين أكثر ميلاً إلى التحوط رغم الأداء الإيجابي للمؤشرات القيادية.

 

تتحرك الأسواق وسط خليطٍ من التفاؤل والحذر؛ تفاؤل تدعمه أرباح الشركات الكبرى وقطاعات التكنولوجيا، وحذر تغذّيه إشارات القلق المتزايدة في مؤشرات التقلب. وبينما يراقب المستثمرون المشهد عن كثب، تبرز تساؤلات حول مدى قدرة وول ستريت على الحفاظ على هذا التوازن الدقيق بين النمو والمخاطر.

علاقة عكسية

يشير تقرير لشبكة "سي إن بي سي" الأميركية إلى أن الأسهم ترتفع بينما تظل التقلبات أيضاً مرتفعة، وهي علاقة لا تدوم طويلاً في الأسواق.

 

 

ومع بقاء مؤشر التقلبات والخوف فوق الـ 20 نقطة فإن "هذا المستوى يعكس ارتفاع التوتر في السوق".

 

في الأسبوع الماضي، تجاوز مؤشر التقلبات 25 بسبب تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والصين، بالإضافة إلى ظهور بعض مخاطر الائتمان. ومع ذلك، اعتبارًا من منتصف نهار الاثنين، بدأ مؤشر التقلبات أخيراً في الانخفاض مع ارتفاع الأسهم بفضل شركة آبل. كما رحب المستثمرون أيضًا بالنهاية المحتملة لإغلاق الحكومة الأميركية، بالإضافة إلى إصدار عدد من تقارير الأرباح الكبيرة هذا الأسبوع.

عادةً ما تكون للأسهم ومؤشر التقلبات علاقة عكسية، حيث تنخفض الأسهم عندما ترتفع التقلبات، والعكس صحيح.

تشير الفترة الممتدة التي لم يحدث فيها ذلك إلى أن العلاقة ستصحح نفسها في الوقت المناسب.

كتب استراتيجي بنك يو بي إس، ماكسويل غريناكوف يوم الجمعة: "يمكن أن يظل مؤشر التقلبات (VIX) مرتفعاً حتى لو لم يحذُ تقلب مؤشر ستاندرد آند بورز 500 حذوه، لكننا نعتقد بأن أحدهما سينهار في النهاية".

ويوضح التقرير أنه "من المؤكد أن الأسهم ومؤشر VIX يمكن أن يرتفعا معاً إذا كان المستثمرون يشترون الحماية في نفس الوقت، إما من خلال شراء خيارات البيع لبيع الأصول الأساسية بسعر محدد مسبقاً، أو من خلال أصول لتداول التقلب".

 

ويشير مايك ويلسون من مورغان ستانلي إلى ارتفاع التقلبات، ويقول إنه من المهم أن نرى تهدئة في التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين للتخفيف من مخاطر السوق.

مخاطر تلوح في الأفق

من جانبه، يقول رئيس قسم الأسواق المالية في شركة FXPro، ميشال صليبي، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":

 

"على الرغم من أن مؤشرات الأسهم القيادية مثل ستاندرد آند بورز 500 وداو جونز تشهد استقراراً وارتفاعاً في الفترة الأخيرة، إلا أن مؤشر الخوف (VIX) لا يزال مرتفعًا بشكل ملحوظ، وذلك لأسباب مترابطة تتعلق بتوقعات المستثمرين وبالتركيبة التقنية للأسواق".

أحد أهم هذه الأسباب هي الإحساس المتزايد بارتفاع المخاطر؛ فالمؤشر يقيس التقلبات المتوقعة في الأسواق خلال الأشهر المقبلة بناءً على أسعار الخيارات، ما يعكس إلى أي مدى يتوقع المستثمرون عودة الأسواق إلى التذبذب.

حتى مع استقرار الأسهم حاليًا، يشعر كثير من المستثمرين أن هناك مخاطر تلوح في الأفق، سواء كانت متعلقة بالسياسات النقدية، أو بالتوترات الجيوسياسية، أو بتصاعد معدلات التضخم، ما يدفعهم إلى رفع تكلفة الحماية عبر خيارات الشراء والبيع، وهو ما يؤدي بدوره إلى ارتفاع مؤشر الخوف.

ويضيف: الأداء الحالي للأسهم، وإن بدا إيجابياً، إلا أن الأسواق تعيش حالة ترقّب لأي مفاجآت قد تغيّر الاتجاه العام، مما يعزز الطلب على أدوات التحوط ويزيد من تقلبات الأسعار. كما أن الزخم الكبير في السوق الأميركية يرتكز بشكل رئيسي على قطاعات محددة، أبرزها التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، التي تقود موجة الصعود الحالية.

 

هذا التركّز المفرط في عدد محدود من الأسهم والقطاعات يحمل في طياته مخاطر كبيرة، إذ يمكن لأي هزة في هذه القطاعات أن تؤدي إلى تصحيح واسع في السوق.

 

ويشير صليبي إلى أن هناك عوامل خارجية أخرى ترفع مستويات القلق، من بينها ارتفاع أسعار الفائدة، واستمرار التضخم، والتوترات التجارية والجيوسياسية، رغم أن النتائج التشغيلية للشركات لا تزال جيدة نسبيًا. لذلك فإن ارتفاع مؤشر الخوف في هذه المرحلة يعكس قناعة متنامية في الأسواق بأن هذا الاستقرار المالي قد لا يدوم طويلاً، وأن هناك احتمالات لتغير المعادلة في أي لحظة.

 

وختم صليبي بالقول إن ارتفاع مؤشر الخوف لا يعني بالضرورة أن الأسواق على وشك الانهيار الفوري، لكنه يشكّل إشارة واضحة إلى أن المستثمرين بدأوا يتوقعون مرحلة من التقلبات أو التهديدات الخارجية. ومن منظور استثماري، يشكل ذلك تذكيرًا بأهمية تنويع المحافظ الاستثمارية، وإدارة المخاطر بحذر، وعدم الانسياق خلف الأداء الإيجابي الحالي دون الانتباه إلى المخاطر الكامنة في الأفق.

 

تشاؤم

في السياق، يشير تقرير لصحيفة "الغارديان" إلى أنه:

 

بعد تسعة أشهر من إدارة ترامب الثانية ، يشعر الأميركيون بضيق شديد.

يعتقد أكثر من نصفهم – 53 بالمئة تحديداً - بأن الاقتصاد يتدهور، وفقاً لأحدث استطلاع أجرته هاريس لصحيفة الغارديان.

هذا أفضل بقليل من نسبة 58 بالمئة التي اعتقدت أن الوضع يتدهور في أواخر أبريل، عندما كانت الأسواق المالية لا تزال تعاني من رسوم "يوم التحرير" التي فرضها الرئيس.

يعتقد حوالي 60 بالمئة بأن تكلفة المعيشة قد تدهورت منذ بداية العام؛ بينما يرى 47 بالمئة أن سوق العمل أسوأ.

هناك بالطبع تحيز حزبي في الردود. يعتقد 24 بالمئة فقط من الجمهوريين أن الاقتصاد يتدهور، مقارنةً بـ 60 بالمئة من المستقلين و67 بالمئة من الديمقراطيين .

تحوط

يقول خبير أسواق المال، محمد سعيد، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":

 

استمرار ارتفاع مؤشر الخوف (VIX) في وول ستريت، رغم استقرار الأسواق يعكس حالة القلق التي تسيطر على المستثمرين بشأن المستقبل القريب، وليس الوضع الحالي للأسواق.

"مؤشر الخوف لا يعبر عن الحالة اللحظية للسوق بقدر ما يعكس توقعات المتعاملين وتحوطاتهم ضد تقلبات محتملة خلال الفترة المقبلة".

التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين عادت لتتصدر المشهد، بعد تصريحات الرئيس الأميركي حول احتمال زيادة الرسوم الجمركية على السلع الصينية بدءاً من نوفمبر، وهو ما ردت عليه بكين بالحديث عن قيود محتملة على تصدير مواد استراتيجية، مما يعزز من حالة عدم اليقين في الأسواق.

كما أن الإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة يمثل عاملاً إضافياً للقلق.. الإغلاق "قد يؤثر على الثقة في الاقتصاد الأميركي ويؤخر صدور بيانات اقتصادية مهمة".

ويبيّن سعيد أن ارتفاع أسعار الأسهم إلى مستويات قياسية جعل كثيراً من المتداولين يعتبرونها "مثالية أكثر من اللازم"، مما يزيد احتمالات حدوث تصحيح سعري مفاجئ، موضحاً أن "المستثمرين يتجهون إلى شراء عقود الخيارات الوقائية بشكل مكثف، وهو ما يرفع من قيمة مؤشر VIX ويعكس زيادة الطلب على التحوط".

موقع التيار - قراءة الخبر من المصدر



كل المصادر

جريدة الأخبارروسيا اليومبي بي سيموقع التيارالوكالة الوطنية للإعلامقناة المنارموقع الضاحية الجنوبيةمجلة سيدتيGreenAreaصيدا أون لاينالجزيرةاللواءصيدا تي فيakhbar4allأرب حظهافينغتون بوستثقف نفسك24.aeقناة العالم الإخباريةسيدر نيوزموقع القوات اللبنانيةأنا أصدق العلمسبوتنيك

النشرة المستمرة