هل يؤثر النشاط الزلزاليّ في بحر إيجه على لبنان؟



رولا عبد الله: النهار-

في ذلك اليوم، في الأول من نيسان/ إبريل، هرع أكثر من مليوني سائح لإخلاء الجزيرة قبل أن يبتلعهم القمع، قبل ساعات من نشر الخبير الجيولوجي صورة له مكبّلاً من قبل الشرطة، حيث اعترف: “يبدو أنهم في هذا البلد لا يحتملون المزاح. أنا مذنب بمزحة كذبة نيسان”.

وفي حالة سانتوريني وتاريخها الحافل بالزلازل والبراكين الضخمة، لا مجال للمزاح بل للطوارئ التي تنادي: “للضرورة، احملوا أغراضكم والحقوا بنا إلى الأماكن الآمنة، أي بعيداً عن الساحل خوفاً من تسونامي، على أن لا يسلك سكّان الجزيرة الطرقات التي تشهد منحدرات حادّة، وجميعها تشكّلت نتيجة الانفجارات البركانية في بحر إيجه في أرخبيل كيكلاديس، على بعد 200 كلم جنوب شرقي اليونان، وآخرها عام 946 ميلادياً”.

وبتشكّل أرض الجزيرة من مخلّفات الانفجارات، أخذت من الحمم روعة الألوان التي حوّلت المكان الى احتفالية ألوان متدرّجة تشبه الربيع الدائم الذي يقصده الأحبة قبل حفلات الزفاف لوداع العزوبية في أرض الأحلام.

لكن أرض الأحلام هذه مهدّدة في الآونة الأخيرة بأكثر من احتمال، بين هواجس الجيولوجيين الذي رأوا في سلسلة الهزات التي تجاوزت المئتين، والتي بلغت إحداها أكثر من 5 درجات على مقياس ريختر، وبين خبراء خفّضوا من دواعي الهلع، على اعتبار أن ما يجري سلسلة هزات لن تتجاوز أعنفها الـ6 درجات في الحالات القصوى. ولأن الجزيرة في أبنيتها باتت محصّنة من تداعيات الزلازل، فإن غضب الطبيعة لن يدمّرها كما في السابق، يوم أبيدت الحضارة الميوسينية، ومن أنقاضها ولدت مجموعة من الجزر ضمن منطقة سانتوريني هي: ثيرا، وتيراسيا، وأسبرويسي، وباليا، ونيا كاميني.

فماذا يقول الخبراء عن حجم الخطر المحدق بالجزيرة، لا سيما بعد الإجراءات التي اتّخذت بإقفال المدارس ومنع التجمعات وإفراغ المسابح واتخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر؟

توضح لـ”النهار” الباحثة السوريّة رشا عامر الحاصلة على دكتوراه في علم الزلازل من جامعة هيروشيما في اليابان، والمتخصصة في رصد الزلازل الكبيرة من خلال تسجيلات الزلازل البطيئة، والتي تشغل حاليّاً منصباً بحثيّاً في مجال التخزين الآمن لثنائي أكسيد الكربون بهدف التخفيف من الانبعاثات الغازيّة والتغيّرات المناخيّة في معهد أبحاث التكنولوجيا المبتكرة للأرض في مدينة كيوتو اليابانيّة، أن ما يجري في جزيرة سانتوريني اليونانية، ولا سيّما في بحر إيجه، والذي دفع أكثر من 6 آلاف شخص إلى المغادرة كإجراء احترازيّ، ناجم عن نشاط تكتونيّ مرتبط بحركة الفوالق في المنطقة، وليس نتيجة لنشاط بركانيّ مباشر، على الرغم من “أن الجزيرة بركانية نشطة، ولا يمكن استبعاد النشاط البركاني بشكل كامل”.

وتتوقع الدكتورة عامر احتمال استمرار النشاط الزلزاليّ بوتيرة مرتفعة خلال الأيام أو الأسابيع المقبلة، خصوصاً أن هذه المنطقة تعدّ نشطة زلزالياً”.

هل يؤثر ذلك على لبنان وسوريا؟

توضح عامر أنه على الرغم من ارتباط النشاط الزلزالي في بحر إيجه بتقارب الصفيحة الأفريقية والصفيحة الأوراسية، و نتيجة الفوالق النشطة في هذه المنطقة، فإنه لا يؤثر مباشرة على الفوالق النشطة في لبنان وسوريا، والتي تعتمد بشكل رئيسيّ على نظام فالق البحر الميت التحويلي. ومع ذلك، فإن إعادة توزيع الإجهاد التكتوني قد يؤدي إلى نشاط زلزالي غير مباشر في مناطق ضعيفة جيولوجيًا، مما يزيد من احتمال حدوث هزّات محليّة خفيفة أو متوسطة خلال الفترة المقبلة و يبقى احتمال حدوث زلازل كبيرة ضعيف نسبياً”. وهي ترجّح أن يكون “استمرار الهزات في اليونان جزءاً من نشاط أوسع في منطقة المتوسط، لكن لا يوجد خطر مباشر على لبنان وسوريا ( شرق المتوسط ) في الوقت الحالي.

مع ذلك، تشير إلى أنه “من الضروري مراقبة النشاط الزلزالي المحلي خلال الأسابيع المقبلة، خصوصاً إذا بدأت تظهر هزات صغيرة متكرّرة. وكذلك متابعة بيانات حركة القشرة الأرضية بدقّة لتحديد ما إذا كان هناك أيّ تأثير طويل المدى على الفوالق في شرق المتوسط”، مؤكّدة أنه “من المهم الالتزام بالإجراءات الوقائية و تعليمات السلامة، خصوصاً في المناطق التي فيها بنى تحتية قديمة أو ضعيفة أمام النشاط الزلزاليّ”.

زلزال مدمّر

وما أثار القلق في اليونان، أن علماء الزلازل يعتقدون أن الهزات التي وقعت خلال ساعة واحدة، وتراوحت قوتها ما بين 3.6 و4.1 درجات على مقياس ريختر، تشير بحسب اعتقادهم إلى إمكانية حدوث زلزال مدمر.

يوضح خبير الزلازل اليوناني ديميتريس بابانيكولاو بأن: “زلازل سانتوريني هي ما قبل الزلزال الكبير”، مشيراً إلى أن الاهتزازات الزلزالية ستؤدي إلى زلزال “في أسوأ الأحوال تصل قوته إلى 6 درجات على مقياس ريختر”.

وأكد بابانيكولاو أن “النشاط الزلزالي سيستمرّ من عدة أسابيع إلى عدة أشهر، مما يعني أنه من غير المستبعد أن يستمر هذا الوضع حتى الصيف”، متوقعاً أن “تبلغ هذه الظاهرة ذروتها قريبًا، وتتوّج إما بالاستقرار، وإمّا بزلزال أكبر في داخل المنطقة”.

ورأى خبير علم الزلازل جيراسيموس بابادوبولوس أن “النشاط الزلزالي في سانتوريني وأمورغوس في أوجه”.

وفي الأسبوع الماضي، قال العلماء إنهم لاحظوا زيادة في النشاط البركاني في كالديرا سانتوريني، وهي الحفرة البركانية المغمورة بالمياه، لكنهم يقولون إن الزلازل الحالية غير ذات صلة”.

وأضاف “الساعات الـ48 الماضية كانت صعبة على السكّان المحليين الذين شعروا بقلق بالغ. وقد تمّ اتّخاذ قرار بشأن التعهّد العاجل باتخاذ تدابير الحماية من الزلازل”، موضحاً بأن: “التسلسل الزلزالي بأكمله له خصائص الزلازل التكتونية المرتبطة بالصدوع النشطة في المنطقة، وليس لديه خصائص الزلازل البركانية”.

من جهته، يعتقد أستاذ الجيولوجيا التطبيقية الديناميكية التكتونية، إفثيميس ليكاس، في حديث لصحيفة إليفثيروس تيبوس اليونانية أن حركة الارض الحالية لن تنتج زلزالاً بقوة 7.6، كما حدث عام 1956 وما نتج عنه من موجة تسونامي بلغت 25 متراً، وذلك أن “الأرض ما زالت بحاجة لآلاف السنوات لتشكيل قوّة ضغط تولّد انفجاراً ضخماً يؤدي إلى زلزال عنيف”.

وفي هذا الجانب، يعلّق: “المشكلة هي أننا لا نعرف مقدار الطاقة المتراكمة في هذا الصدع وما إذا كانت الطاقة المتبقّية ستنتج زلزالًا كبيرًا”.

زلزال بحريّ

وفي الوقت ذاته، يعتقد علماء الزلازل أن هذا النشاط الزلزالي على الجزيرة لا يرتبط بالبركان، الذي أجبر ثورانه العديد من الناس على مغادرة هذا المنتجع الشعبي. كذلك، فإن خطّ الصدع الذي يسبّب الزلازل يمتدّ على مسافة 120 كيلومترًا (75 ميلًا)، ولكنه حتى الآن لم يتمّ تنشيط سوى جزء منه، بين جزيرتي سانتوريني وأمورجوس. يعني ذلك أن مركز الزلزال يقع تحت قاع البحر، وهو ما يرى العلماء أنه “خبر جيّد”، حيث يمكن أن تكون الزلازل التي تتركز تحت الأرض أكثر تدميراً. وفي هذه الحالة، يخشى من التسونامي.

لكن العلماء، يأسفون في المقابل لتفوق الطبيعة على آلاتهم وعلومهم، إذ “لا توجد تكنولوجيا أو نهج جدّي قادر على التنبؤ بما سيحدث من الآن فصاعداً”.

ويكتفون بالإشارة إلى أنّ: “ما نعرفه من الدراسات البحرية هو أن سانتوريني تحتوي على صدوع صغيرة وكبيرة، بعضها قد ينتج زلزالًا بقوة 6 درجات أو أكثر. ومع ذلك، لا يعني هذا أن مثل هذا الزلزال سيحدث بالضرورة، حيث لا تشهد كلّ الصدع النشطة تمزّقًا كاملاً”.

وتقع سانتوريني على طول القوس البركاني اليوناني، الذي يمتدّ من البيلوبونيز في جنوبي اليونان عبر جزر سيكلاديك. ويوجد بركانان في المنطقة: نيا كاميني، وهي جزيرة صغيرة في داخل كالديرا سانتوريني؛ وكولومبو، وهو بركان تحت الماء يقع على بعد حوالَي 8 كيلومترات (5 أميال) شمال شرق سانتوريني.

واتخذت الجزيرة، إحدى أكثر الوجهات السياحية شعبية في اليونان، شكلها الهلاليّ الحالي بعد ثوران بركانيّ هائل في العصور القديمة. وفي الأعوام الأخيرة، يأتي الملايين من الزوار كل عام لرؤية مناظرها الخلابة من المنازل البيضاء والكنائس ذات القباب الزرقاء الملتصقة بحافة كالديرا.

موقع التيار - قراءة الخبر من المصدر



كل المصادر

جريدة الأخبارروسيا اليومبي بي سيموقع التيارالوكالة الوطنية للإعلامقناة المنارموقع الضاحية الجنوبيةمجلة سيدتيGreenAreaصيدا أون لاينالجزيرةاللواءصيدا تي فيakhbar4allأرب حظهافينغتون بوستثقف نفسك24.aeقناة العالم الإخباريةسيدر نيوزموقع القوات اللبنانيةأنا أصدق العلمسبوتنيك

النشرة المستمرة