«هشاشة» الشرع تنكشف في جرمانا: المتشدّدون يقولون كلمتهم



الأخبار: سلّطت الأحداث التي عاشتها مدينة جرمانا، على أطراف العاصمة السورية دمشق، الضوء على هشاشة الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، أمام جماعته المتشدّدة التي تعهّد بحلّها وبناء «دولة مواطنة»؛ إذ جاءت الهجمات التي شنّها مسلحون، بينهم أجانب، على المدينة ذات الغالبية الدرزية، استكمالاً للمشهد الدموي الذي رسمته مجازر الساحل، وما تبعها من انتهاكات ومجازر في حمص، التي لا تزال ترزح تحت وطأة العنف والخطف.

 

وبدأت الأحداث بعد انتشار تسجيل صوتي مسيء إلى النبي محمد، منسوب إلى الشيخ الدزري مروان كيوان، - نفاها الشيخ عبر بيان مصوّر لاحقاً - ، باعتداءات نفّذها «طلاب» على زملائهم في جامعة حمص، الأمر الذي أجبر طلاب السويداء في الجامعة على البقاء في غرفهم، قبل أن يقول «الأمن العام» إنه تدخّل لإنهاء الإشكال، الذي امتدّ إلى جامعة دمشق أيضاً.

 

وتبع ذلك إعلان مسلّحين بدء هجمات على مدينة جرمانا في وقت متأخر من ليل الإثنين، امتدّت حتى صباح الثلاثاء، وأظهرت تسجيلات مصوّرة استعمال المسلحين خلالها أسلحة خفيفة ومتوسطة.

 

وبحسب معلومات أولية، تسبّبت الهجمات التي انطلقت من بلدة المليحة المجاورة - وبرّرها متحدّث باسم الداخلية بأن أشخاصاً غاضبين اجتمعوا قبل أن يتعرّضوا لإطلاق نار -، بمقتل 6 أشخاص من جرمانا وإصابة آخرين، بالإضافة إلى مقتل 13 مسلحاً من المهاجمين، وإصابة نحو 11 آخرين، بينهم أجانب، قبل أن يعلن «الأمن العام» فرض طوق أمني حول المدينة، ووقف الاشتباكات.

 

وفي وقت لاحق، أعلنت وزارة الداخلية أن منطقة جرمانا شهدت اشتباكات متقطّعة بين مجموعات مسلحة، بعضها من خارج المنطقة وبعضها الآخر من داخلها، أسفرت عن وقوع قتلى وجرحى، من بينهم عناصر من قوى الأمن المنتشرة في المنطقة. وتابعت أنه «على إثر ذلك، توجّهت وحدات من قوى الأمن العام مدعومة بقوات من وزارة الدفاع لفضّ الاشتباك وحماية الأهالي والحفاظ على السلم المجتمعي.

 

كما تمّ فرض طوق أمني حول المنطقة لمنع تكرار أي حوادث مشابهة».

 

وفي وقت قدّم فيه بيان الداخلية، سردية تعيد هذه الاشتباكات إلى حالة الغضب التي ولّدها التسجيل الصوتي نفسه، وتتجنّب أي ذكر للمقاتلين الأجانب، فهو أقرّ بشكل صريح بالحالة الفصائلية التي تعيشها سوريا، والتي كان من المفترض أنها في طريقها إلى الإنهاء عبر دمج المجموعات المسلحة في هيكلية وزارة الدفاع الناشئة.

 

بدورها، طالبت وزارة العدل بالرجوع إلى وزارتها لـ«محاسبة المجرمين ومثيري الفتن من خلال الإجراءات القانونية المعمول بها». وتابعت، في بيان، حاولت من خلاله تخفيف الاحتقان، «(أننا) لن نتهاون في ملاحقة الاعتداءات على المقدّسات والرموز الدينية خاصة تلك الموجّهة إلى جناب النبي الكريم»، داعيةً «المواطنين إلى الالتزام بأحكام القانون وتجنب الانجرار نحو خطاب الفتنة والتجييش لكونها أفعالاً يعاقب عليها القانون».

 

كذلك، أصدرت وزارة الأوقاف بياناً، أكّدت خلاله «متابعتها الحثيثة لهذه القضية، انطلاقاً من حرصها العميق على حماية المقدّسات والرموز الدينية التي تشكّل ركيزة جوهرية في هويتنا الدينية والوطنية». وتابعت أنها بادرت إلى «التواصل مع النيابة العامة لتحريك الدعوى العامة باسم الوزارة»، وذلك استناداً إلى عدد من المواد القانونية، بينها ما «يجرّم نشر الإساءة إلى المقدّسات والرموز الدينية عبر وسائل التواصل الاجتماعي».

 

قدّم بيان الداخلية سردية تعيد حالة الغضب التي ولّدها التسجيل الصوتي نفسه


من جهتهم، أعلن وجهاء السويداء عقد اجتماع شاركت فيه المكوّنات السياسية والاجتماعية، وسط حضور وفد حكومي (ضمّ مسؤول الغوطة الشرقية محمد علي عامر، ممثلاً عن محافظ ريف دمشق عامر الشيخ، ومسؤول الشؤون السياسية في المحافظة أحمد طعمة). وخرج هؤلاء باتفاق يقضي بالتوصل إلى تهدئة شاملة تطاول جرمانا ومناطق أخرى، مع التشديد على أهمية ضبط النفس وتغليب منطق الحوار للحيلولة دون تفاقم الأوضاع.

 

كما تضمن الاتفاق «ضمان إعادة الحقوق وجبر الضرر لذوي الشبان (القتلى)»، و«التعهد بالعمل على محاسبة المتورطين في الهجوم الأخير والعمل على تقديمهم للقضاء أصولاً»، و«توضيح حقيقة ما جرى إعلامياً والحد من التجييش بكل أشكاله»، بالإضافة إلى العمل على تأمين حركة السير بين محافظتي دمشق والسويداء أمام المدنيين.

 

وكان المرجع الديني الدرزي، حكمت الهجري، أصدر بياناً عبّر خلاله عن أسفه لكون «الكثيرين من أهلنا انشغلوا ببعضهم، وحرّضوا للنيل من بعضهم بتهم وتخوين وتكفير، ونأسف لأن من ينتقد يتم تجريمه، من يطلب حقه يتم الهجوم عليه من قبل بعض الجهات الموتورة». وتابع: «نحن دوماً نحذّر من الإساءة إلى الأديان والمعتقدات والأصول والكبار، من أي جهة كانت ومن أي شخص كان، ونحذّر من مغبّة إشعال الفتن، ومن يسعى لها لأن نارها ستأكل الجميع»، مشيراً إلى أن «الشعب لم يجنِ حتى الآن ثمار الانتصار، لم ينعقد مؤتمر شعبي حر صحيح، لم تتم صياغة دستور يرضي عطش الشعب لتصحيح مساراته وتوجيهها، لم يُبنَ شيء على مبادئ سليمة».

 

وأضاف الهجري، الذي يُعتبر أحد أبرز رموز السويداء الرافضين للانفتاح على الإدارة الجديدة قبل اتخاذ إجراءات محددة تعيد سوريا إلى شكلها المدني، «(أننا) ما زلنا تحت وطأة فكر اللون الواحد والإقصاء، أو الفرض وعدم الاستماع إلى ما يجب أن يكون. فكما كان النظام البائد، الذي لا تزال مفاسده مخيّمة على الأداء الحالي، بل وأكثر عمقاً وفتنة في الوضع الراهن لما تأخذه من عناوين طائفية ممنهجة، وهذا ما نرفضه كسوريين، لأنه لا يخدم مصلحتنا العامة في بناء دولة القانون والمواطنة». وتساءل: «أين هو الأمن الذي وُعدنا به وسط استمرار التحريض الطائفي من دون محاسبة أو توجيه ولا إدانة من أحد؟».

 

وتوجّه إلى السوريين بالقول: «أهلنا الكرام في ربوع الوطن... إن التعديات على مكوّنات المجتمع، واللحمة الشعبية والاجتماعية تجاوزت حدودها والتاريخ يسجّل، وهذا ما لا نفخر به كشعب له جذور حضارية، وفي كل بيئة يوجد الفاسدون، ولكننا ننادي دوماً بأن لا أحد مفوّض للحديث باسم غيره، وكل مخطئ يحاسب بشخصه بجريرة خطئه، ولا يمثّل غيره أياً كان انتماؤه». وإذ شدّد على ضرورة «اجتثاث هؤلاء ومحاسبتهم»، فهو دان، في الوقت نفسه، «كل من يستغل هذه التصرفات الرعناء لتسويغ الأعمال الإرهابية من خلال التحريض وارتكاب المجازر بحق الأبرياء».

 

وبالتزامن مع ذلك، شهدت العاصمة السورية تحليقاً مكثّفاً للطيران الإسرائيلي، الذي حلّق بشكل استعراضي وعلى علو منخفض، في رسالة مباشرة إلى الإدارة بإصرار تل أبيب على التدخل في الشأن السوري تحت عباءة «حماية الدروز» الذين نصّب رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، نفسه حامياً لهم، وهو ما عبّر الدروز مراراً عن رفضه.

 

وإذ هدأت الأوضاع في محيط جرمانا، فإن حالة الاحتقان الشعبي لا تزال مستمرة، سواء في الأوساط الدرزية، حيث تسود مخاوف من تكرار الهجمات أو توسيع نطاق العمليات الانتقامية، أو في الجانب المقابل الذي يسود فيه صوت المتشدّدين، الذين وجد بعضهم في ما جرى مبرّراً لشن هجمات على الدروز باعتبارهم «كفاراً»، من دون أي رادع قانوني ومؤسساتي.

 

ويأتي هذا في ظل حالة الهشاشة المؤسساتية التي تعيشها سوريا، والتي تظهر فيها أجهزتها عاجزة عن ضبط الأوضاع، سواء بسبب «قلة حيلتها»، أو بسبب المدّ المتشدد داخل أروقتها، والذي يبدي حالة رضى على ما يجري.

موقع التيار - قراءة الخبر من المصدر



كل المصادر

جريدة الأخبارروسيا اليومبي بي سيموقع التيارالوكالة الوطنية للإعلامقناة المنارموقع الضاحية الجنوبيةمجلة سيدتيGreenAreaصيدا أون لاينالجزيرةاللواءصيدا تي فيakhbar4allأرب حظهافينغتون بوستثقف نفسك24.aeقناة العالم الإخباريةسيدر نيوزموقع القوات اللبنانيةأنا أصدق العلمسبوتنيك

النشرة المستمرة