هل دخل لبنان حقبة المناخ المتطرّف؟



نداء الوطن 

موجة حر غير مسبوقة، رفعت درجات الحرارة إلى مستويات قياسية وأشعلت المخاوف من تداعيات خطيرة على الإنسان والطبيعة. موجات الحر ليست غريبة على لبنان وبحسب ما يخبر الكبار فإن الأيام العشرة التي تسبق عيد انتقال السيدة العذراء غالبًا ما تكون "الأشوب" في الصيف. لكن ما يشهده لبنان حاليًا ليس بالظاهرة الطبيعية بل حالة لم يسبق له أن شهدها مع درجات حرارة لامست 44 درجة في البقاع ونسبة رطوبة مرتفعة جعلت الجو خانقًا والإحساس بالحرارة أعلى. فكيف يفسر خبراء البيئة هذه الظاهرة؟

 حوض المتوسط يغلي بفعل التغيير المناخي ولبنان ليس بعيدًا عن هذا الآتون، فالحدود البيئية لا تعترف بالحدود الجغرافية وقد بدأت التأثيرات تظهر بشكل واضح وكارثي إذا أمكن القول.

 رئيس حزب البيئة العالمي د. ضوميط كامل يشرح الظاهرة قائلًا إنها المرة الأولى التي تصل فيها إلى لبنان كتل هواء احترارية، فالاحترار العالمي لم يكن قد وصل إلى لبنان بعد. سابقًا كانت الكتل الهوائية الحارة تصل إلى لبنان فتواجهها كتل باردة تؤدي إلى تعادل مناخي. لكن هذه المرة تتدفق الكتل الاحترارية دون توقف وعلى ارتفاعات عالية جدًا ما يؤدي إلى نوع من الاحتباس الهوائي أو الاحترار العالي.

علميًا، يمكن القول إن كمية الحرارة المنبعثة من الاحتراق اليومي قد تخزنت ضمن الكتل الهوائية وسببت احترارًا عاليًا أثّر سلبًا على كل الكائنات الحية من بشر وحيوانات ونباتات. ودخل لبنان اليوم منطقة التغيير المناخي التي أصابت حوض البحر الأبيض المتوسط وجنوب أوروبا. فالمنطقة بأكملها تشهد احترارًا عاليًا جدًا وحرائق الغابات الكبيرة غير المسبوقة. وأكبر دليل على هذا الاحترار، أنه سابقًا كانت الغابات في لبنان مناطق تبريد تمتص الحرارة وتبث الرطوبة، لكنها اليوم لم تعد كافية لمواجهة الاحترار لأسباب عدة. ويتابع كامل: "في العادة، نقطة التغير في حركة الكتل الهوائية على سطح الأرض تحدث في السادس من شهر آب. لكنها هذا العام، لا تزال مستمرة دون توقف ولا تزال الكتل الساخنة تتدفق.

وفي هذا السياق، برزت ظاهرة غريبة في سماء لبنان وهي الظهور المفاجئ لأسراب البجع المتوجهة جنوبًا في غير موعدها المعتاد في أواخر شهر أيلول. ويقول الخبير البيئي إن هذا الاضطراب في سلوك البجع قد يكون ناجمًا عن الاضطرابات الحاصلة في توزيع الكتل الهوائية الحارة والباردة على سطح الأرض. فهذه الطيور التي تتبع في هجرتها الحركة المناخية قد تأثرت بالتغيّرات الحاصلة ويمكن أن تكون قد واجهت تغيّرات غير متوقعة جعلت مواعيد هجرتها مرتبكة وغير واضحة.

 لهيب لبنان من الداخل

إلى العامل المناخي العام، تضاف عوامل محلية تساهم في رفع درجات الحرارة، وقد يصل الأمر إلى حد كارثي، في حال عدم اتخاذ الإجراءات الكفيلة بالتخفيف من الانبعاثات الحرارية. وتطول لائحة المسببات، وتأتي في أعلاها المولدات التي يسبب احتراق المازوت فيها والانبعاثات الصادرة عنها إلى رفع درجة الحرارة في محيطها وزيادة مفعول الاحتباس الحراري. ومع وجود أكثر من 35000 مولد، وفق ما تشير التقديرات، يمكن فهم مدى تأثيرها السلبي على نوعية الهواء وحرارته. ويلي ذلك زحمة السير، ومع تعداد حوالى مليونين ومئتي ألف سيارة يتنقل ثلثاها يوميًا على الطرقات ولا سيما الأوتوسترادات الساحلية، يمكن تصور كمية غازات ثاني أوكسيد الكاربون المنبعثة منها وكمية الحرارة التي تولدها.

 أضف إلى ذلك، يقول كامل فإن المصانع وحرق النفايات وألواح الطاقة الشمسية والمبيدات التي ترش على شكل أبخرة تساهم في بث الحرارة في الجو. ويبقى العامل الأهم قطع الأشجار التي تلعب دورًا كبيرًا في امتصاص الحرارة. وقد عمدت بعض البلديات إلى عملية إبادة غير مدروسة حيث شحلت الأشجار ولم تبق منها إلا الكعب، فيما يعمد بعض المخربين إلى استغلال الأشجار وقطعها للاستفادة من الحطب، هذا عدا تمدد المساحات المبنية على حساب الثروات الحرجية وهو ما يرفع بدوره من درجات الحرارة.

 ويؤكد الخبير البيئي، أن لبنان معرّض هذه السنة أكثر من السابق لخطر حرائق الغابات وذلك بسبب الحرارة من جهة والجفاف الكبير من جهة أخرى. فبعد موسم شتوي افتقر إلى المتساقطات، باتت الأراضي الحرجية تعاني من جفاف تام. وحتى الأراضي الزراعية لم يتمكن المزارعون من ريّها كما يجب، بسبب نقص المياه وجفاف كبير في مياه الآبار الأرتوازية. ومع النقص الكبير في المياه، يمكن لأي حريق صغير أن يتمدد ويصبح من الصعب إطفاؤه.

 مؤشر الحرائق يرتفع

من جهته، أصدر المركز الوطني للمخاطر الطبيعية والإنذار المبكر NCNE تحذيرًا يقول فيه إن مؤشر الحرائق يسجل ارتفاعًا واضحًا في مختلف المناطق اللبنانية بسبب موجة الحر. ودعا المواطنين إلى توخي الحذر وتجنب الأنشطة المؤدية إلى اشتعال النيران وإلى التبليغ فوراً عن اي حريق مهما كان صغيرًا.

وفي نشرته عن الحرائق، بدت معظم المناطق لا سيما الساحلية والغربية امتدادًا إلى البقاع الغربي ملوّنة بالأحمر والبرتقالي اللذين ينبئان بخطر مرتفع إلى مرتفع جدًا بنشوب حرائق، فيما بدت مناطق الداخل وبعض الشمال باللون الأصفر الذي يشير إلى خطر متوسط. ولبنان الأخضر لم تشهد فيه خارطة توقعات الحرائق أية بقعة خضراء تطمئن إلى خطر متدنٍ ...

 الأخطر قادم

لا شك أن الأحراج مهددة اليوم بخطر الحرائق بسبب الإهمال وتكدس النفايات فيها من زجاج وأكياس بلاستيك وأوراق وأعشاب وأغصان يابسة. والخطر قد يصل إلى حدود 80 % تحت تأثير الحرارة والجفاف. لكن الأيام الأخطر بالنسبة للحرائق هي الفترة الممتدة بين أيلول وتشرين حين تكون الرطوبة منخفضة، حينها تتفاعل الموجات الكهربائية الموجودة في الأغصان اليابسة مع الجفاف الهوائي والحرارة المرتفعة وتشتعل من تلقاء نفسها. اليوم رغم ارتفاع الحرارة، لا يزال الهواء مشبعًا برطوبة تتراوح نسبتها بين 70 إلى 80 %. ولكن في أواخر أيلول حين يصبح الهواء جافًا يشتد خطر الحرائق. وقد سبق للبنان أن شهد في السنوات السابقة حرائق أحراج كبرى في شهريّ أيلول وتشرين الأول. وقد تعودنا أن يدلي المسؤولون بتصريحات يعتبرون فيها أن هذه الحرائق تشتعل بفعل فاعل، ولكن في الحقيقة معظمها يحدث للأسباب التي ذكرناها يقول د.كامل. ويبقى الحل لتفادي حرائق الغابات اعتماد مشروع "غابات ضد الحريق" حيث تعمل وزارة البيئة والمراجع المختصة والبلديات والجمعيات والقوى الأهلية على مراقبة الأحراج والغابات والاهتمام بحالها وتنظيفها وتشحيلها بطرق صحيحة وتزويدها بما يلزم من طرقات ومعدات لمنع نشوب النيران فيها. فالوقاية من الحرائق، هي الحل الوحيد لأن لبنان لا يملك الإمكانيات المطلوبة لمكافحة حرائق الأحراج الكبيرة إذا حصلت.

 ويقول سمير سكاف رئيس جمعية غرين غلوب والعضو المراقب في الأمم المتحدة للبيئة أن أوروبا وحوض المتوسط يدفعان الفاتورة الأغلى عالميًا للتغيير المناخي. ورغم الإمكانيات الأوروبية الكبيرة بالمقارنة مع الدول الأخرى ومنها لبنان فإن حجم الحرائق المضاف إلى جفاف غير مسبوق ودرجات حرارة شديدة الارتفاع يجعل الإمكانيات محدودة وغير فاعلة في مكافحة الحرائق رغم كل تطورها، كما يجعل المخاطر تزداد.

 فهل لبنان بإمكانياته المحدودة جدًا قادر على مواجهة انعكاسات التغيّر المناخي؟ 

موقع التيار - قراءة الخبر من المصدر



كل المصادر

جريدة الأخبارروسيا اليومبي بي سيموقع التيارالوكالة الوطنية للإعلامقناة المنارموقع الضاحية الجنوبيةمجلة سيدتيGreenAreaصيدا أون لاينالجزيرةاللواءصيدا تي فيakhbar4allأرب حظهافينغتون بوستثقف نفسك24.aeقناة العالم الإخباريةسيدر نيوزموقع القوات اللبنانيةأنا أصدق العلمسبوتنيك

النشرة المستمرة