مكي لـ"المدن": لبنان ليس ملزماً بشيء إذا رفضت إسرائيل الورقة



غادة حلاوي-

تغلبت تسميته وزيراً شيعياً خامساً على صفته وزيرَ دولةٍ لشؤون التنمية الإدارية. فادي مكي، المدير العام السابق، من مفارقات القدر أن الإدارة اللبنانية خذلته عندما وضعه مجلس الوزراء في تصرف رئيس الحكومة، ليعود ويتولى شؤون الإدارات اللبنانية كافة وزيرًا للتنمية الإدارية. يُحتسب، في نظام لبنان السياسي الطائفي، من حصة الطائفة الشيعية، ولو أنه شخصيًا لا ينتمي إلى الثنائي الشيعي. الرجل الذي تعرض لهجوم لاذع من بيئة الثنائي، لأن بقاءه في الجلسة أمّن الشرعية لإقرار الحكومة خطة سحب سلاح المقاومة ضمن فترة زمنية، لم يستطع تحمل تبعات جلسة ثانية. هو مقتنع بخطوته ويعتبر أن حضوره في الجلسة الأولى "مدفوع بواجب دستوري، يتيح لي الاعتراض والتحفظ ضمن الأطر المؤسسية، وتأكيد مقاربة مختلفة تحفظ المصلحة الوطنية".

 دور الشيعة لا يقتصر على السياسة والمقاومة

يتفهم مكي هواجس الثنائي ويعتبرها "مشروعة ويجب أخذها في الاعتبار"، لكنه يقول في المقابل إن دور الشيعة لا يقتصر على السياسة والمقاومة: "نحن مكوّن أساسي في الاقتصاد والمجتمع وسائر القطاعات. لا بد من تطوير هذا الدور والانفتاح أكثر على سائر المكونات".

في حديث إلى "المدن" يقول الوزير فادي مكي: "بقائي في الجلسة الأولى كان بهدف تسجيل اعتراض ضمن الأطر الدستورية على مسألة شديدة الأهمية. وكان من الجيد أنني بقيتُ لأُسجّل هذا الموقف الاعتراضي؛ إذ تحفظت على إلزام الجيش اللبناني بمهلة زمنية حتى نهاية السنة لسحب السلاح وبسط سلطته على كامل الأراضي. كنتُ أؤيد أن يُكلَّف الجيش بوضع خطة تنفيذية، من دون تقييده بمهلة زمنية، لأننا لا نعلم حجم العقبات التي قد تواجهه، وما إذا كان العدوان الإسرائيلي سيتوقف. كان الأفضل ترك الحرية للجيش في إعداد خطته، على أن نناقشها لاحقًا". 

اعترض مكي على مقررات الجلسة الأولى ولم ينسحب، لكنه انسحب من الجلسة الثانية: "لأن الأطر الدستورية تقوم على الاعتراض والتحفظ والمناقشة. وكان من الضروري إيصال الصوت بأن هذا المنطق خاطئ، وبالتالي وجب لفت الانتباه إليه".

لكن الأطر الدستورية نفسها كانت تقتضي البقاء للمناقشة في الجلسة الثانية أيضًا لا الانسحاب؟ يجيب مكي: "صحيح، لكن الجلسة الثانية شهدت طلبًا بتأجيل البحث من أجل المزيد من الدرس. فأحد الوزراء كان غائبًا، وآخر وصل للتو من سفره، ولم يتسنَّ له الاطلاع على الورقة. ومن الطبيعي أن يُطلب تأجيل النقاش في موضوع بهذه الأهمية. أضف إلى ذلك أجواء التوتر التي كانت سائدة في الشارع، وهو ما جعلني أرى أن المصلحة الوطنية تقتضي الانسحاب، للمزيد من الوقت قبل النقاش، علمًا أنه لا مشكلة عندي في الأهداف الواردة في الورقة. وقد انسحبت بعد حوالي ساعتين من النقاش. وكان الهدف أن نناقش ثم نتخذ القرار لاحقًا، لا أن يُحسم الأمر في الجلسة نفسها. كثير من الأهداف الواردة في الورقة كان واضحاً، ويتعلق بوقف العدوان وبسط سلطة الدولة وعودة الأسرى. وإذا راجعنا النقاط الإحدى عشرة نجد أن معظمها لا يثير إشكالات، لكن الإشكال الحقيقي كان في استعجال إقرار الورقة. وقد رأيت أنه من الأفضل التراجع خطوة إلى الوراء لإتاحة الوقت اللازم، خصوصًا في ظل غياب مكوّن أساسي عن النقاش. والهدف كان وطنيًا بحتًا، ويقوم على الاستماع إلى هواجس المكوّن المعني ومنحه وقتًا إضافيًا للتفكير، وإخضاع الموضوع للمزيد من النقاش".

 لا عودة عن القرار في الحكومة

لا يلاقي مكي الثنائي في مطالبة الحكومة بالتراجع عن قراراتها، ويقول: "القرار اتُّخذ. لكن يمكن معالجة بعض المسائل ضمن الأطر الدستورية، مثل إعادة النظر بالمهل الزمنية الموضوعة، والتي لا نعرف كيف سيتعامل الجيش معها، وما إن كان قادرًا حتى نهاية العام على تسلّم السلاح من الجنوب والمخيمات والحدود. وكان الأجدى ترك الأمر لتقدير الجيش".

يتفهم "الهواجس المشروعة للثنائي، والتي يجب أخذها في الاعتبار". ويقول: "هناك مسائل تحتاج إلى نقاش وحوار جدي. أنا أستمع إلى هذه الهواجس، وأسعى إلى تقريب وجهات النظر قدر الإمكان. والمرجعية تبقى البيان الوزاري الذي التزمت به كل الأطراف، بما فيها الثنائي والمجلس النيابي، والذي نصّ بوضوح على بسط سلطة الدولة على كامل أراضيها. هذه ليست نقطة جديدة؛ بل سبق إقرارها. التحدي هو في كيفية معالجة الهواجس عمليًا، خطوة بخطوة، بدءًا من وقف العدوان، وتأمين الانسحاب الإسرائيلي، وعودة الأسرى والمواطنين إلى قراهم في الجنوب، وصولًا إلى التحضير لمؤتمر إعادة إعمار المناطق المنكوبة".

يشدد مكي على أن "مجلس الوزراء لم يُقرّ الورقة الأميركية كاملة؛ بل وافق فقط على الأهداف الواردة فيها. أما القضايا الخلافية كالمهل الزمنية، فهي قابلة للنقاش والتفاوض".

انسحابه لا يعني التزامًا دائمًا بسلوك وزراء الثنائي، وإذ هو انسحب مرة، فلا يعني ذلك تكرار الخطوة: " قرار الانسحاب من الحكومة ظرفيٌّ تحدده المصلحة الوطنية والظروف. الانسحاب غير مطروح، ولا جدوى من الدخول في سيناريوهات افتراضية، فالأمور مرهونة بأوقاتها، ولن أسبق الأحداث بطرح موقفي في حال انسحاب وزراء الثنائي مجدداً. في الجلسة الثانية لم أنسحب فورًا مع الثنائي؛ بل بقيت وطلبت استكمال البحث في جلسة لاحقة، لأن غياب مكون أساسي عن النقاش لا يجوز. ثم رأيت أن الانسحاب يُخفف الاحتقان، ويفتح المجال للمزيد من النقاش. الأمور مرهونة بأوقاتها، ولكل حالة ظروفها".

 لست منتمياً إلى الثنائي

مكي صاحب القرار المستقل سياسيًا، يشغل منصب وزير، من حصة الطائفة الشيعية في نظام لبنان السياسي الطائفي. فما الحد الذي تتوقف عنده استقلالية القرار لديك، ومتى تتصرف بوصفكَ ممثلاً للشيعة في الحكومة؟

يقول ردًا على السؤال: "لست منتميًا إلى الثنائي. كنت من الأسماء التي اقترحها فخامة الرئيس جوزاف عون ودولة الرئيس نواف سلام، ولم يعترض الثنائي، بل على العكس باركَ الرئيس نبيه بري تسميتي، وهذا موضع اعتزاز. أنا مستقل، وقراري نابع من تقديري للمصلحة الوطنية، وإن كنت أمثل الطائفة الشيعية الكريمة".

وعما إذا كان يتواصل مع رئيس مجلس النواب نبيه بري وحزب الله؟ يقول: "أتواصل مع الجميع. كوني مستقلاً يجعل حركتي أصعب، لكني منفتح على مختلف الأطراف، وأنسّق مع الجميع. أزور الرئيس بري وأستمع إليه، وأتواصل مع جهات أخرى كذلك. دوري بصفتي مستقلاً يرتكز إلى مراعاة الهواجس واتخاذ القرار في ضوء المصلحة الوطنية، لا وفق الاصطفافات".

 المواقف ضدي كانت قاسية

أزعجه هجوم جمهور الثنائي يوم بقي في الحكومة: "المواقف ضدي كانت قاسية ومتسرعة، لأن كثيرين لم يطّلعوا على حقيقة ما جرى، أو لم يقرأوا ردودي. وزراء الثنائي كانوا أقرب إلى موقفي، لكنهم عبّروا بالانسحاب، في حين اخترت التعبير بطريقة مختلفة".

الوزير الخامس يبدو مطمئنًا لمستقبل الشيعية السياسية، ومن هذا المنطلق يقول إن "دور الشيعة لا يقتصر على السياسة والمقاومة. نحن مكوّن أساسي في الاقتصاد والمجتمع وسائر القطاعات. لا بد من تطوير هذا الدور والانفتاح أكثر على بقية المكونات". كان يتمنى لو انخرط الثنائي في مناقشة الورقة الأميركية: "نعم، كنت أتمنى ذلك. الهدف كان مناقشة الأهداف بندًا بندًا. معظمها لا يثير إشكاليات، لكن من حيث الشكل كان يفترض إعطاء المزيد من الوقت قبل إقرارها. ما حصل لاحقًا كان نوعًا من تدارك لما جرى في الجلسات الأولى؛ إذ برزت وحدة موقف بين الرؤساء الثلاثة".

ماذا بعد أن أُقرّت الأهداف؟ يقول: "نحن بانتظار الرد الإسرائيلي. روحية الورقة تقوم على مبدأ "خطوة مقابل خطوة". لبنان التزم سابقًا بالقرار 1701، لكن الخروقات كانت إسرائيلية. آن الأوان لمقاربة جديدة تمنح لبنان فرصة لتحقيق أهدافه: وقف العدوان، انسحاب الاحتلال، إعادة الإعمار، وعودة الأسرى". ويؤكد أن رفض إسرائيل للورقة أو عدم الالتزام بما ورد فيها يعنيان "أننا سنكون أمام واقع جديد. فلبنان لن يكون ملزمًا بأي شيء. وحتى لو وافقت إسرائيل ثم تراجعت، فسيكون هناك ضغوط أكبر، وقد يُطرح الأمر على مجلس الأمن".

يقول مكي ردًا على سؤال: "لست بوارد التعليق على مواقف حزب الله. لكن من واجبنا تفهم هواجس الطائفة الشيعية، والسعي لإيجاد الضمانات اللازمة". معتبرًا أن هذه الضمانات يجب أن تأتي "من المجتمع الدولي، وعبر توحيد الموقف اللبناني، القيام بالإصلاحات المطلوبة، وتفعيل الدبلوماسية، للضغط على إسرائيل كي تنسحب وتوقف عدوانها وتعيد الأسرى".

 للحوار بعيداً عن لغة التخوين

يتمنى "لو أعطوا الثنائي مساحة أكبر للحوار، مع الاستماع إلى هواجس بيئتهم، بعيدًا من خطاب التخوين، وبما يجعلهم شركاء حقيقيين في الإصلاح". مؤكدًا أن "مستقبل الشيعة في لبنان واعد، وهم مكوّن لا يتجزأ من الشعب، ودورهم يتجاوز السياسة والمقاومة، وقد آن الأوان أن تتحمل الدولة مجتمعة عبء المقاومة والتحرير، وأن يدخل الشيعة في مشروع الدولة لضمان مصالحهم ومعالجة هواجسهم".

وبوصفه وزيراً للتنمية الإدارية يفاخر مكي بإنجازات وزارته بدءًا من "وضع آلية للتعيينات وتخفيف الشغور في الإدارة العامة، بحيث تجري التعيينات وفق آلية شفافة بعيدة من المحسوبيات. كذلك عملنا على الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، وعلى خطة للتحول الرقمي خلال خمس سنوات، بما يعزز الشفافية ويحد من الفساد. وأطلقنا ورشة لإعادة هيكلة الإدارة العامة بحلول 2030، وهذا ما يؤسس لحوكمة حديثة".

قيل إن استحداث وزارة الذكاء الاصطناعي إلى جانب وزارة المهجرين يشكل تداخلًا في الصلاحيات مع وزارة التنمية الإدارية، وهو ما يستوجب التنسيق المستمر، علماً أن هذا التنسيق لا يزال دون المطلوب. أجاب مكي: "صحيح. هناك حاجة إلى تنسيق أكبر. وحتى الآن، لا يزال النقاش في بداياته".

موقع التيار - قراءة الخبر من المصدر



كل المصادر

جريدة الأخبارروسيا اليومبي بي سيموقع التيارالوكالة الوطنية للإعلامقناة المنارموقع الضاحية الجنوبيةمجلة سيدتيGreenAreaصيدا أون لاينالجزيرةاللواءصيدا تي فيakhbar4allأرب حظهافينغتون بوستثقف نفسك24.aeقناة العالم الإخباريةسيدر نيوزموقع القوات اللبنانيةأنا أصدق العلمسبوتنيك

النشرة المستمرة