هل من مخرج لأزمة «حصر السلاح»؟



جورج شاهين -

ليس من مصلحة اللبنانيين التوغّل في كثير من السيناريوهات المطروحة عشية الجلسة المخصصة لـ «حصر السلاح»، إن طرحت قيادة الجيش خطتها التنفيذية، بعيداً من الروايات حول تفاصيلها إلى أن تقول كلمتها النهائية. وعليه، فقد توجّهت الأنظار باحثة عن الأطر التي تَضمَن انعقاد الجلسة في أفضل الظروف، للبحث في ما يمكن القيام به، استعداداً لزيارة الموفدة الأميركية مورغان اورتاغوس المرتقبة إلى لبنان، يرافقها قائد المنطقة الوسطى الأميركية الأميرال براد كوبر الوافد إلى أرض جدته اللبنانية. وعليه ما هو المتوقع؟

لا تخفي مراجع عسكرية معنية في كواليسها واجتماعاتها عتبها على بعض المنظّرين من «ملوك الشاشات» التلفزيونية المطلّعين منهم ومدّعي المعرفة، بعدما أوغلوا في سرد الروايات حول خطة الجيش لتنفيذ القرار القاضي بحصر السلاح غير الشرعي بالجيش والقوى العسكرية والأمنية الأخرى ومنهم شرطة البلدية، قبل نهاية السنة الجارية، بمعزل عن التفاصيل الشكلية وغيرها التي يمكن أن تعوق تنفيذ القرار او تؤخّره وربما تعليقه لفترة محدودة.

ومردّ تنوّع المخارج المتوقعة لقرار حصر السلاح تعدّد الخيارات أمام قيادة الجيش، في انتظار أن تتوافر الظروف المؤاتية لتنفيذه طوعاً، بلا البحث في أي وسيلة من الوسائل العسكرية او الأمنية التي يمكن ان تؤدي إلى مواجهة في الشارع او في اي منطقة من لبنان أُدخل إليها السلاح، وهي مواقع معتلمة بالتفاصيل المملة لدى من يعرف حجم السلاح الذي دخل إلى لبنان ونوعيته ومصادره وآليات نقله ومخازنه.

فقد كان واضحاً لدى العالمين بذلك، أنّ هذا السلاح كان يحظى برعاية واسعة حتى الأمس القريب، وتحديداً حتى التجربة التي خيضت في 8 تشرين الاول 2023 عندما أطلقت المقاومة «حرب الإسناد» غداة عملية «طوفان الأقصى» لدعم حركة «حماس»، من دون ان تسأل الشعب والجيش، بعد تجربة مماثلة عندما دخلت الحرب السورية قبل 12 عاماً. وهذه الرعاية توافرت لها على كل المستويات، ولا سيما منها السياسية والحكومية والحزبية التي كانت تتمتع بامتيازات استثنائية وباتت من التاريخ. وهو أمر جرى على مراحل مختلفة ومتدرجة، وقد تعددت المناسبات التي ضُبطت فيها أنواع من هذه الأسلحة وأُفرج عنها لاحقاً بقرار سياسي. فالجيش اللبناني بمختلف أجهزته ووحداته وأسلحته المختلفة لا يأتمر سوى بالقرار السياسي، وهذا القرار الذي وفّر نقلها من خارج الحدود وعبر المرافئ البحرية والجوية والبرية الشرعية منها وغير الشرعية. كما بالنسبة إلى تلك التي أُدخلت بالقطعة تمهيداً لتجميعها في الداخل. فهي محصية «عالنفس» كما يُقال، وقد سُجّلت في شأنها البرقيات التفصيلية والتقارير التي تحدّد تاريخ عبورها ودولة المنشأ والجهات التي احتفظت بها وأماكن تخزينها والمواقع التي نُشرت فيها وحُفظت، كما تلك التي توزعت بين مراكز التجميع الأساسية وتلك المناطقية والفرعية.

ليس في ما سبق أي سرّ يمكن إخفاؤه على من يعنيه الامر، وإن تقصّد البعض إخفاء هذه الحقائق او تجاهلها، وإن وجد أحد من هذا النوع فهو في منزلتين، إما أنّه يدّعي المعرفة وهو لا يعرف شيئاً وهما واحد بموجب هذا التصنيف، وإما انّه لا يريد أن يعترف بما هو حاصل ويدرك بأنّه لا يدرك، فيصمت أو يتريث. وإن كانت هناك أي مشكلة فهي تعني هذين الطرفين، وهي مشكلتهما وحدهما ولا تعني غيرهما ممن اختار البقاء متحفظاً ومحايداً يراقب مِن بُعد او قرب طالما لم يستشره او يقف على خاطره أحد. أما ثالثهما فهو يدرك كل شيء وبأدق التفاصيل، وعلى رغم من انّه يعرف فهو لا يدّعي المعرفة لأسباب كثيرة منها انّه يترك «الخبز للخباز»، لأنّ مهما طال الزمن فلا بدّ من انتظار ساعة الحقيقة في أي لحظة.

والملاحظ انّ كل ذلك يجري، في ظل التحدّي الذي يخوضه فريق لبناني ومعه سند إقليمي، في مواجهة فئات واسعة من الأفرقاء اللبنانيين، من دون ان يحتسب لأي منهم أي حساب، ولو ادّى ذلك إلى تفجير البلد وأن تتكرّر التجارب السلبية التي قد لا ترى النور. فالظروف التي سمحت بالاجتياحات الداخلية السابقة قد تغيّرت في شكلها ومضمونها وتوقيتها، ولم يعد هناك كثير من المخاطر السابقة مهما تفننت الجهات التي خبرت طريقة تهيئة الساحة الداخلية لكل أشكال الفوضى.

ولا تُخفى هذه الحقائق على المعنيين، بما هو مقبل من تدابير في المستقبلين القريب والبعيد في آن. فما رُسم قد رُسم بمراحله المختلفة، ولا بدّ من أن تأتي الظروف بما لم يحتسبه مَن أراد عدم الإعتراف بالتحولات الكبرى في البلد والمنطقة، وقد كابر أفرقاء آخرون من قبل ولم يجنوا سوى الخيبة، بعدما فرضت الظروف قرارات لا بدّ من اتخاذها مهما كانت صعبة، وبما اعتقدوا انّها مستحيلة عندما تدفعهم إلى تجرع السم. ففي ما هو مطروح تجارب خاضها أفرقاء آخرون، ويفهمون مثل هذه المعاناة وهم يتحاشون التعاطي معها بالطريقة التي تعرّضوا لها في وقت سابق.

وعليه، يمكن تفهّم الظروف التي تحكّمت بالمحطات التاريخية الأخيرة وتحديداً منذ انتفاضة 17 تشرين 2019 وما رافقها من أحداث، بما فيها تلك التي أدّت الى تفجير مرفأ بيروت بكميات من الأمونيوم التي تمّ تخزينها في العنبر الرقم 12 لمصلحة قوى خارجية، وقد تنبئ بما يثير الفتنة المذهبية أو المناطقية لتُعدّ نقاط التماس الحمر في زوايا مختلفة من البلد. كما تجنّبوا أي مشاغلة داخلية للسلاح غير الشرعي وإجراءات اخرى كتلك التي تعرّضوا لها من قبل في محطات مفصلية، أُصيبوا بها بنوع من النكبة التي تسببت بكمّ من الخيبة والإحباط، ولم يستنسخوا التجارب التي تعرّضوا لها بأساليب مختلفة. بل على العكس فإنّهم يواجهون المستجد بيد مفتوحة بعدما تعززت القناعات الوطنية بأنّه لا وجود لقوة يمكن أن تلغي أخرى مهما بلغت قدراتها.

وفي الخلاصة، فإنّ ما هو مطروح تعتبره مراجع معنية بالأمن والاستقرار في البلد مؤشراً إلى قدرة اللبنانيين على تجاوز الامتحان الصعب، والصحيح انّ بعض الأطراف هم أمام خيارات تاريخية ولكنها مفصلية، تضع حداً فاصلاً عن النهاية المرجوة لخلاص لبنان واللبنانيين، وقد ضاق هامش المناورة إلى نهايته استباقاً لزيارة اورتاغوس ولربما بـ «لباس عسكري» هذه المرّة، ومعها قائد المنطقة الوسطى الأميركي، أو سنكون امام مرحلة من التفجير الذي قد لا يستثني أحداً. وإن فاتت الساعة لن ينفع الندم مهما كان صادقاً ومرجواً، وحتى إن تمناه أحد فلن يجده.

 

موقع التيار - قراءة الخبر من المصدر



كل المصادر

جريدة الأخبارروسيا اليومبي بي سيموقع التيارالوكالة الوطنية للإعلامقناة المنارموقع الضاحية الجنوبيةمجلة سيدتيGreenAreaصيدا أون لاينالجزيرةاللواءصيدا تي فيakhbar4allأرب حظهافينغتون بوستثقف نفسك24.aeقناة العالم الإخباريةسيدر نيوزموقع القوات اللبنانيةأنا أصدق العلمسبوتنيك

النشرة المستمرة