مناهج دراسية جديدة بعد شهر واحد؟



 

فاتن الحاج-

في مهلة أقصاها شهر واحد، يُفترض أن يسلّم المركز التربوي للبحوث والإنماء وزيرة التربية ريما كرامي، المسوّدة الأولى لـ «مصفوفة المدى والتتابع»، أي الهيكل الأساسي للمناهج التعليمية الجديدة.

وبحسب رئيسة المركز، هيام اسحق، فإن العمل على هذه المرحلة استغرق نحو خمسة أشهر، فيما يجري حالياً إعداد خطة شاملة تضمن الانتقال السلس إلى مرحلة تطبيق المناهج الجديدة. ويجري نقاش هذه الخطة بإشراف الوزيرة، بهدف صياغة التوجهات العامة وتحديد الخطوات التدريجية، تمهيداً لعرضها على الشركاء في القطاع التربوي الخاص وروابط ونقابات التعليم الرسمي والخاص.

بهذا تكون اللجان الـ 25 المشاركة في المشروع، والتي تضم أكثر من 420 خبيراً تربوياً، قد أنجزت المرحلة الأصعب من عملية تطوير المناهج، والتي تسبق عادة إعداد الموارد التعليمية وطباعة الكتب.
وتحدد هذه «المصفوفة» بوضوح ما يتعلمه التلميذ في كل مادة من المواد التعليمية، إضافة إلى كيفية تدرّج الكفايات الأساسية الخاصة والكفايات المستعرضة، من مرحلة الروضات وصولاً إلى الصف الثاني عشر.

ويوضح الخبير في لجنة الكفايات والتقويم، فضل الموسوي، أنّ الكفايات المستعرضة تكون عابرة للمواد الدراسية، وتركز على بناء شخصية التلميذ بأبعادها المختلفة، وعلى مهارات التعلّم مدى الحياة، مثل التعاون والتفكير الناقد والتفكير الأخلاقي. أما الكفايات الخاصة فتركز على القدرات المرتبطة بمواد دراسية محدّدة. ويشير الموسوي إلى أنّ «المصفوفة» الحالية تتضمن النواتج التعلمية المتوقَّع من التلامذة اكتسابها في نهاية كل حلقة تعليمية، بما يسهل لاحقاً عملية تقويم مخرجات التعلم وتطويرها بصورة مستمرة.

ورغم أن الصورة النهائية لتأليف الموارد التعليمية والكتب لم تتضح بعد، تؤكد اسحق أنّ النقاش سيبقى مفتوحاً أمام كل الأفكار والاقتراحات: من خيار التأليف الحر، إلى إمكان تلزيم إعداد الموارد لدور نشر محلية أو مؤسسات تربوية كبرى خارجية. لكنها تستدرك بأن مواد حسّاسة مثل الاجتماعيات (التاريخ والجغرافيا والتربية) ستُعد داخلياً على الأرجح. وستتناول جلسات النقاش أيضاً أسئلة أساسية حول متى ستُجرَّب المناهج الجديدة، وأين ستُطبَّق أولاً، وفي أي مدارس، وكيف سيُدرَّب المعلمون؟

في هذا السياق، يعرض الموسوي تجارب دول اكتفت بإنتاج «مصفوفة المدى والتتابع»، تاركةً للمعلمين ودور النشر هامش الإبداع في إعداد موارد التعلّم، في مقابل دول أخرى اختارت نموذج الكتب المدرسية الموحدة. ولكل مقاربة إيجابياتها ومتطلباتها لضمان النجاح، ولا سيما في ظل التطورات التكنولوجية والذكاء الاصطناعي وما يتيحه من أدوات لدعم إعداد المخططات التعليمية وعمليات التقويم. غير أنّ نجاح أي خيار، كما يشدد الموسوي، سيظل رهناً بجملة ظروف، أبرزها أوضاع المعلمين، وخصوصاً في القطاع الرسمي، ومدى قدرتهم العملية على إنتاج الموارد التعليمية، في ظل أوضاعهم المهنية والمعيشية، أو أعباء أنصبتهم في المدارس الخاصة.
لكن، هل هناك تصور واضح لموعد إطلاق المناهج الجديدة وبدء العمل بها فعلياً؟

توضح إسحق أن الأمر يبقى مرهوناً بالظروف العامة، مشيرةً إلى أنّ الحرب الأخيرة، على سبيل المثال، أخّرت المشروع، إذ تعذّر في بعض الأحيان وصول الخبراء إلى المركز. ومع ذلك، إذا استمر العمل بوتيرة مستقرة، من دون عقبات أو عراقيل إضافية، فمن المرجّح أن يشهد العام الدراسي 2026 – 2027 الانطلاقة الرسمية للمناهج.

وتلفت إلى أن حجم الورشة القائمة أوسع بكثير من مجرد تطوير مناهج، بل هو بناء مناهج جديدة كلياً، ما يفرض تعديلات تشريعية وإدارية، تشمل إقرار قوانين جديدة، وتغيير آليات العمل المعتمدة، سواء لجهة استحداث وظائف، أو تعديل أنصبة المعلّمين وأعدادهم وأنصبة المواد وفتراتها وتوزيع الحصص وغيرها.

التغيير الجوهري في المناهج الجديدة يتمثل في أنّ المواد لم تعد تُدرَّس كحقول منفصلة، بل جرى دمجها ضمن ميادين معرفية مترابطة، تُعزّز التفكير الشمولي لدى التلميذ. ففي المراحل الأساسية الأولى، على سبيل المثال، تتوحّد مواد الاجتماع والاقتصاد والتاريخ والجغرافيا في ميدان واحد تحت مسمّى «الدراسات الاجتماعية»، قبل أن تعود كل مادة لتُدرَّس على نحو مستقل في المراحل التعليمية العليا.

وفيما سُجّلت انتقادات لغياب مادة التاريخ عن الصفوف الأولى ما قبل السابع الأساسي، خصوصاً أنها كانت مدرجة في مناهج عام 1997، أوضحت اسحق أنّ التلميذ سيجد في المناهج الجديدة إشارات وملامح للتاريخ منذ مرحلة الروضات والصفوف الأساسية الأولى، ضمن «الدراسات الاجتماعية». وأشارت إلى أن المقاربة هنا لن تقوم على السرد الوصفي للتاريخ، بل على معالجة القضايا التاريخية بوصفها منظومات مترابطة، تتداخل فيها عوامل الجغرافيا والاقتصاد وغيرها، بما يفتح المجال أمام التلميذ التحليل والتفكير النقدي واتخاذ القرارات وتبني المواقف.

وسيطرأ تغيير أيضاً على السلّم التعليمي، إذ ستتألف كل حلقة من سنتين فقط، وليس ثلاث أو أربع سنوات كما هو معمول به حالياً. وفي الصف الأخير، أي الثاني عشر، سيُستعاض عن الفروع الأربعة التقليدية (العلوم العامة، علوم الحياة، الاجتماع والاقتصاد، الآداب والإنسانيات) بمسميات مختلفة، إضافة إلى سيناريوهي الفنون والتكنولوجيا.

وفي ما يتعلق بالانتقادات التي طالت تغييب اللغة العربية، واعتمادها كمادة اختيارية في الصف الثاني عشر للاختصاصات العلمية، شددت اسحق على أنه «لا خوف على العربية، فهي ستبقى اللغة الأم ولغة الهوية، وقد جرى تمييزها في المناهج عن سائر اللغات. وإذا لم تدرّس كلغة مستقلة في بعض المراحل، فإن التلميذ سيظل يمارسها كتابةً وشفاهةً عبر المشاريع والأبحاث التي سترافق هذه المرحلة».

ورغم أنّ المشروع دخل مراحله الأخيرة، يبدو مستغرباً أن تبقى أسماء أعضاء اللجان طيّ الكتمان، مع ما يحمله ذلك من أثر مباشر في تعزيز الثقة بالعمل وبالمنتج النهائي، ولا سيما إذا كان هؤلاء الأعضاء، كما تقول اسحق، من النخبة فعلاً. هذا الغموض يفتح الباب على أسئلة متكرّرة حول معايير الاختيار، وسط حديث عن تنفيعات حزبية، وتدخلات من دور نشر كبرى تسعى إلى المشاركة في صياغة المناهج لاستثمارها لاحقاً في مصالحها التجارية، فضلاً عن مراعاة التوازن الطائفي. غير أن اسحق تجزم بأن المعايير التي اعتمدت علمية بحتة، موضحة أن ما جرى هو أنّ بعض الخبراء انسحبوا من اللجان، فيما انضم آخرون مشهود لهم بالكفاءة والخبرة الطويلة في مجالات اختصاصهم، «ومن غير المنطقي أن نُخضع هؤلاء لمقابلات يُعطون فيها علامات».

وعما إذا كان العمل يحتاج فعلاً إلى هذا العدد الكبير من الخبراء، توضح اسحق أنّ العدد يُعدّ طبيعياً لورشة بهذا الحجم، مذكّرة بأنّ مناهج 1997 استعانت بأكثر من هذا العدد بقليل رغم أنّ لجانها كانت أقل. وتؤكد أنّ العقبات التي تبرز يتم تذليلها تباعاً، ضمن هيكلية واضحة للمراجعة الداخلية للمناهج الجديدة.

أما في ما يخص الكلفة، فامتنعت عن كشف حجم المبالغ التي صُرفت في مرحلة إعداد «المصفوفة»، مكتفية بالقول إنّ تمويل هذه المرحلة مؤمَّن من قرض البنك الدولي. غير أنّها شددت على أنّ المرحلة المقبلة، المتعلقة بالموارد والكتب، ستتطلب خطة تمويلية متكاملة لم تُبحث تفاصيلها بعد.

موقع التيار - قراءة الخبر من المصدر



كل المصادر

جريدة الأخبارروسيا اليومبي بي سيموقع التيارالوكالة الوطنية للإعلامقناة المنارموقع الضاحية الجنوبيةمجلة سيدتيGreenAreaصيدا أون لاينالجزيرةاللواءصيدا تي فيakhbar4allأرب حظهافينغتون بوستثقف نفسك24.aeقناة العالم الإخباريةسيدر نيوزموقع القوات اللبنانيةأنا أصدق العلمسبوتنيك

النشرة المستمرة