الأخبار: سلام ينتقل إلى مرحلة إثارة الفتنة



الأخبار: ندى أيوب-

في ظروف شديدة الحساسية كالتي يمرّ بها لبنان، حيث يسود التشنّج والانقسام الحادّ بين مكوّناته الطائفية منذ وقف إطلاق النار، وحيث يسعى اللاعبون الإقليميون والدوليون إلى تغذية هذا المناخ، يُنتظر ممن يتولّى مقاليد الحكم أن يضع نصب عينيه همّاً وطنياً يتمثّل في الحفاظ على استقرار البلاد وتهدئة أوضاعها وتوسيع المساحات المشتركة بين قواها ومكوّناتها.

 

غير أن هذا لا ينطبق على رئيس الحكومة نواف سلام، المنخرط في لعبة العبث بالتوازنات الداخلية، مستثمراً نتائج الحرب المحقّقة بـ«عضلات» إسرائيلية. هذا الاستنتاج يسبق حتى الجدل الذي أثارته خطوة إضاءة صخرة الروشة بصورة الأمينين العامّين لحزب الله، الشهيدين السيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين.

 

ومع ذلك، لم يكن متوقّعاً أن يذهب سلام إلى حدّ تحويل هذا الجزء القصير (لا تتجاوز مدته خمس دقائق) من نشاط أوسع، إلى قضية خلافية تزيد الاحتقان الطائفي في الشارع اللبناني.

 

حين قرّر حزب الله إحياء ذكرى استشهاد السيد حسن نصرالله والسيد هاشم صفي الدين في منطقة الروشة، عبر عروض بحرية وموسيقية، كان الهدف إعطاء المناسبة بعداً وطنياً جامعاً، بعيداً من المناطق المحسوبة عليه سياسياً أو طائفياً كالضاحية الجنوبية والجنوب والبقاع.

 

فجاء اختيار بيروت، قلب البلد وعاصمته التي «إذا كبرت بتساع الكل»، تأكيداً على أنها مدينة جميع اللبنانيين، لا أنها حكرٌ على أهلها ولا على أي طائفة أو حزب. غير أن قرار رئيس الحكومة نواف سلام بالتشدّد في منع استخدام الأملاك العامة، جرّد بيروت من صفتها الجامعة، وفتح الباب أمام المتطرفين ليصبّوا أحقادهم السياسية والطائفية على المنابر، مانحاً إياهم الضوء الأخضر لشحن الجماهير ودفعها إلى مزيد من التراشق والانقسام.

 

سلام الذي يحب أن يقدّم نفسه كوجه من خارج الصالون السياسي التقليدي يتصرّف بعقلية أمراء الحرب الأهلية

لا ينطلي على أحد تلطّي سلام خلف القوانين والأنظمة وتلاعبه بها، خصوصاً أن استخدام الأملاك العامة بهذا الشكل لا يستلزم عادة تصاريح مُعقّدة. جوهر القضية أبعد من الإجراءات الشكلية: أن يرفض إبراز صورتَي السيدين نصرالله وصفي الدين في معلم من معالم العاصمة يعني أن هويّة هذين الرمزين الوطنيين تُقْصَر عمداً داخل أطر حزبية وطائفية ضيقة، علماً أن جزءاً من اللبنانيين يراهما رمزيْن يتجاوزان حدود الحزب والبيئة الطائفية.

 

المقصود هنا واضح: إبقاء قادة المقاومة ضمن بُعد محدود يسهل من خلاله تجريمهم والتعاطي معهم كقضية أمنية أو سياسية ضيقة، بدل الاعتراف بمكانتهم كوجوه تحمل بعداً وطنياً جامعاً.

 

سلام، الذي يحب أن يقدّم نفسه كوجه من خارج الصالون السياسي التقليدي، يتصرّف بعقلية زعيم من زمن الحرب الأهلية، وبمنطق الكانتونات الطائفية. سمح لليمين التقليدي والجديد (من «البيارتة» إلى بعض نواب «التغيير» والصدفة والناشطين «السياديين») أن يوجّهوا رسالة إلى حزب الله وبيئته، وإلى الشيعة عموماً: «لديكم الضاحية الجنوبية، فاذهبوا واحتفلوا هناك، أشعلوا مصابيحكم ضمن حدودكم الجغرافية، أمّا بيروت فليست لكم».

 

لكنّ تاريخ هذه البيئة مع العاصمة لا يبدأ من الأمس، بل منذ اجتياح 1982، حين كان شبانها، أمثال إبراهيم عقيل ومصطفى شحادة، أول من واجه العدو قبل أن يصبحوا قادة في المقاومة. وهذه البيئة لم تنعزل كما فعل غيرها قبل أربعة عقود ولا يزال يقتات على تخويف جمهوره من الآخر.

 

وحتى عندما خرجت المقاومة وبيئتها من الحرب الأخيرة وسط حصار سياسي واقتصادي ومالي واجتماعي خانق ومحاولات إقصاء عن الحياة السياسية، وكانت لديها كل الأسباب للانعزال، رفضت الانكفاء، وقرّرت خوض الانتخابات البلدية في بيروت بروحٍ جامعة، لا فئوية، وصبّت 20 ألف صوت لضمان المناصفة المسيحية - الإسلامية في المجلس البلدي للعاصمة. وليتذكّر المتبجحون من النواب أنّ أحزابهم ما كانت لتحظى بمقاعد في بلدية بيروت لولا أصوات هذه البيئة بالذات.

 

في المحصّلة، يبدو أنّ سلام، بعدما فشل في ترجمة تعهّداته للأميركيين في ملف نزع سلاح المقاومة، ربما بات يرى أن باب الفتنة الطائفية هو الطريق الأقصر لتحقيق ما عجز عنه، محوّلاً السجال حول «صخرة الروشة» إلى أداة في لعبة أكبر، تُهدّد بتغذية الانقسام الداخلي بدل تعزيز وحدة اللبنانيين في لحظة وطنية دقيقة.

 

في الوقائع، حتى مساء الأمس كان حزب الله ماضياً في قراره بإقامة النشاط الاحتفالي بذكرى الأمينين العامين الشهيدين في منطقة الروشة. ومن خلال اللقاءات والاتصالات، تبيّن أنّ اجتماع نواب الحزب مع وزير الداخلية أحمد الحجار جرى في أجواء إيجابية خالية من أي توتر، إذ أبدى الحجار حرصه على التعاون وتفادي أي صدام.

 

وفي السياق نفسه، كشفت المعلومات أنّ رئيس الحكومة نواف سلام هو من بادر إلى الاتصال برئيس مجلس النواب نبيه بري، وناقش معه مسألة إضاءة صخرة الروشة.

 

وفي موازاة ذلك، أعلن محافظ بيروت مروان عبود أنّ التراخيص اللازمة لإقامة النشاط على كورنيش الروشة قد صدرت، مع التشديد على عدم عرقلة السير أو إقفال الطرقات.

 

أمّا ما أشيع عن تعهّد المنظّمين بعدم إضاءة الصخرة، فتؤكّد المعطيات أن «لا تعهّدات صدرت في هذا الخصوص، وأن القرار النهائي يبقى رهن ما يقرّره الحزب».

موقع التيار - قراءة الخبر من المصدر



كل المصادر

جريدة الأخبارروسيا اليومبي بي سيموقع التيارالوكالة الوطنية للإعلامقناة المنارموقع الضاحية الجنوبيةمجلة سيدتيGreenAreaصيدا أون لاينالجزيرةاللواءصيدا تي فيakhbar4allأرب حظهافينغتون بوستثقف نفسك24.aeقناة العالم الإخباريةسيدر نيوزموقع القوات اللبنانيةأنا أصدق العلمسبوتنيك

النشرة المستمرة