سياسة جعجع الدائمة: التضليل والتخويف والكراهية - رندا شمعون



منذ التسعينات، ولبنان يعيش على مفترق طريقين:
طريق المواجهة دفاعًا عن السيادة، اختاره ميشال عون ودفع ثمنه نفيًا وإقصاءً،
وطريق المسايرة والانتهازية، سلكه سمير جعجع باحثًا عن مكاسب آنية ولو على حساب الوطن.

في تشرين الأول 1990، اغتيل الشهيد داني شمعون وزوجته وطفلاه في جريمةٍ هزّت لبنان.
و المفارقة الفاضحة أن يخرج سمير جعجع في كل ذكرى سنوية ، ناعيًا الشهيد داني شمعون بكلماتٍ عن الوحدة والمصالحة،
في مشهدٍ سيبقى أحد أكثر لحظات السياسة اللبنانية تناقضًا وعبثًا.
فالّذي دانته المحكمة بتهمة الاغتيال، يحاول أن يطلّ بصورة رجل الدولة.
إنّها مدرسة جعجع في السياسة: تبييض الواقع، وتزوير الذاكرة، وتحويل الجريمة إلى رأي سياسي.

حين عاد ميشال عون من المنفى واستعاد اللبنانيون
بعض الأمل بدولة حقيقية، لم يحتمل جعجع مواجهة خصمه النقيض ، انطلقت ماكينة التشويه المنظمة:
كل خطوة إصلاحية تُصوَّر مؤامرة، وكل مطالبة بالحق تُتهم بالشخصانية.
و بات اسم “جبران باسيل” شماعةً لكل إخفاق، ووسيلةً لتجميع جمهورٍ بالتحريض لا بالإقناع.

أقنع جمهوره أن خطة الكهرباء سرقة، رغم أن وزراءه في الحكومات المتعاقبة عطّلوا كل مشروع إنتاج فعلي للطاقة.
حُوّلت العرقلة إلى بطولة، وبدل أن يُسأل عن بديله، اكتفى بالهجوم على من حاول الإصلاح.
و تهمة وزراء التيار الوطني الحر بالفساد في وزارة الطاقة لم تكن إلا ذريعة العاجز ، يختبئ خلفها منذ خمسة عشر عامًا ، و لأنه لم ينجح لا بخطة ولا بمصباح و لأنها الملجأ الأخير لمن أفلس من الحجة، ولمن يعيش على روايات التحريض بدل الحقائق والأرقام

حين طالب التيار الوطني الحرّ بالتدقيق الجنائي في حسابات الدولة والمصرف المركزي،
وقف جعجع على الضفة المقابلة، يبرر، ويماطل، ويستهزئ بالمطلب الوطني.
لم يكن الأمر سوء فهم، بل خوفًا من فتح دفاتر المنظومة التي شكل أحد أركانها منذ التسعينات.
تحوّل كشف الحقيقة إلى خطر، والفساد إلى “تفصيل قديم”، والمحاسبة إلى “شعار انتخابي”.

وفي ملف الميغاسنتر، بدل أن يرى فيه وسيلة لضمان نزاهة الاقتراع وتحرير الناخب،
حاربه جعجع بوصفه “مشروع باسيلي جديد”.
رفضه ليس تقنيًا ولا لوجستيًا، بل خوفٌ من صندوق اقتراع لا يُشرف عليه الزعيم.
الميغاسنتر كان اختبارًا شفافًا، فسقط فيه من يخشى الناخب أكثر مما يخشى التزوير.

ولم يتوقّف الأمر عند الميغاسنتر.
فحين أُسقِطت المقاعد الستة للمغتربين،
المقاعد التي كانت ستُعيد إلى الانتشار اللبناني صوتَه المستقلّ،
دفنها جعجع بدمٍ بارد، فقط لأنها كانت إنجازًا يُحسب للتيار الوطني الحرّ.
فصَلّى جعجع و جمهوره و محازبيه و وزرائه مرة “أبانا” ومرة “سلام”، على روح المقاعد الستة التي اغتالها سياسيًا
باسم المعارضة… و تمثيل الانتشار.

أما في ملف النزوح السوري، فقد بلغ التضليل ذروته.
حوّل جعجع التحذير من خطر النزوح إلى عنصرية،
وأنكر التهديد الاقتصادي والديموغرافي والسيادي الذي يشكله هذا الملف.
في منطقه، أي موقف وطني يتخذه باسيل يُسقَط بالتحقير والتشكيك،
حتى لو كان الدفاع عن لبنان الكيان و امن شعبه وكرامته

اليوم لم تعد الأكاذيب عفوية.
إعلامٌ موجَّه، محللون جاهزون، وجيش إلكتروني يصنع “الحقائق” على الطلب.
في قاموس جعجع، الحقيقة وجهة نظر، والمبدأ ورقة تفاوض،
وكل معركة تُخاض لا لتحسين الدولة بل لضرب من يحاول تغييرها.

مِن استغلال ذكرى الشهيد داني شمعون إلى التحريض على ميشال عون وجبران باسيل،
من الدفاع عن “الطائف” الذي جرد الرئاسة من صلاحياتها إلى التحالف مع من أضعف الدولة ،
من التبشير بالسيادة إلى الصمت أمام الارتهان المالي والسياسي،
خطّ واحد ثابت: سياسة قائمة على التضليل، التخويف، الكراهية والكيدية .

اختار الجنرال ميشال عون المنفى على التنازل، واختار داني شمعون الشهادة على المساومة،
بينما اختار سمير جعجع طريق البقاء بأي ثمن.
هما دفعا ثمن موقفيهما دفاعًا عن الدولة،
أما هو فبنى زعامته على نقض كل ما دافعا عنه.
وهكذا، بين نفيٍ وشهادةٍ وتضليلٍ مستمر، يبقى لبنان شاهدًا على معادلةٍ واحدة:
من أراد بناء الوطن ضحّى بذاته،
ومن أراد ذاته، ضحّى بالوطن.

رندا شمعون

موقع التيار - قراءة الخبر من المصدر



كل المصادر

جريدة الأخبارروسيا اليومبي بي سيموقع التيارالوكالة الوطنية للإعلامقناة المنارموقع الضاحية الجنوبيةمجلة سيدتيGreenAreaصيدا أون لاينالجزيرةاللواءصيدا تي فيakhbar4allأرب حظهافينغتون بوستثقف نفسك24.aeقناة العالم الإخباريةسيدر نيوزموقع القوات اللبنانيةأنا أصدق العلمسبوتنيك

النشرة المستمرة