تمثيل المنتشرين في البرلمانات: بين التجارب الدولية والنموذج اللبناني المقترح في الدائرة ١٦ - ربيع مسعد



يشكّل تمثيل المنتشرين في البرلمانات واحدة من أبرز صور العدالة السياسية الحديثة، إذ يهدف إلى ربط المواطنين المقيمين في الخارج بالحياة الوطنية ومنحهم صوتاً تشريعياً مباشراً، فالمُنتشِر، رغم بعده الجغرافي، يبقى جزءاً من النسيج الوطني وله حقوق سياسية لا تقل عن المقيم في الداخل.

في لبنان، يبرز هذا النقاش من جديد مع الطرح الذي يتبنّاه التيار الوطني الحر حول "الدائرة ١٦"، التي تهدف إلى تمثيل المنتشرين اللبنانيين بشكل مباشر في مجلس النواب، أسوةً بما هو معمول به في عدد من الدول الديمقراطية حول العالم.

تنوّعت تجارب الدول في هذا المجال بين من خصّص عدداً محدوداً من المقاعد للمنتشرين، ومن جعل لهم دوائر انتخابية كاملة.

فرنسا مثلاً خصّصت ١١ نائباً لتمثيل الفرنسيين في الخارج موزّعين على دوائر تغطي مختلف مناطق العالم، فيما تمنح إيطاليا ١٢ نائباً في مجلس النواب و ٦ في مجلس الشيوخ للإيطاليين المقيمين خارج البلاد في نظام يُعرف بـ Italiani all’estero.

أما البرتغال فتمثّل جاليتها بأربعة نواب مقسّمين حسب مناطق الإقامة بين أوروبا وباقي العالم.

وفي أميركا اللاتينية، خصّصت الإكوادور ٦ مقاعد للمنتشرين في ثلاث دوائر خارجية منذ إصلاحات ٢٠٠٧، بينما كولومبيا لديها مقعد واحد يمثل الجالية الكولومبية في الخارج، وكرواتيا تمنح ٣ مقاعد لشتاتها ضمن البرلمان.

كذلك تخصص كيب فيردي (Cabo Verde) مقاعد للمنتشرين في ثلاث مناطق هي أوروبا وأفريقيا والأميركيتين، فيما اعتمدت تونس حتى ١٨ مقعداً في بعض الدورات البرلمانية للمنتشرين قبل أن تُخفّض لاحقاً إلى نحو ١٠ وفق تعديلات لاحقة.

تشترك هذه الدول في الاعتراف بالمُنتشر كمواطن كامل الحقوق السياسية، وتُقدّر دور الشتات في الاقتصاد الوطني والعلاقات الخارجية! ومن هذا المنطلق، يقترح التيار الوطني الحر أن يكون للبنانيين المنتشرين دائرة انتخابية مستقلة تُعرف بـ"الدائرة ١٦"، تخصص لهم ستة مقاعد نيابية تُنتخب من الخارج عبر السفارات والقنصليات، بهدف إعطاء المغتربين تمثيلاً مباشراً يوازي دورهم الفعلي في الحياة الوطنية، وتعزيز المشاركة السياسية للجالية اللبنانية المنتشرة في كل القارات، وبناء جسور جديدة بين الدولة والمنتشرين عبر العمل السياسي المنظّم لا فقط عبر التحويلات المالية.

لكن هذا الطرح يواجه جدلاً سياسياً وقانونياً في لبنان، إذ يعتبر بعض الأطراف أنّ منح المغتربين دائرة مستقلة قد يغيّر موازين القوى الانتخابية، فيما يرى آخرون أنّه يعيد التوازن الطبيعي بين الداخل والانتشار ويعكس حقيقة لبنان العالمي المتنوّع.

وإذا قورنت التجارب الدولية بالنموذج اللبناني المقترح، يمكن القول إن لبنان يسير في الاتجاه الصحيح من حيث المبدأ. ففرنسا وإيطاليا تمنحان المغتربين تمثيلاً يتراوح بين ٢% و٥% من إجمالي البرلمان، بينما يمنح اقتراح التيار الوطني الحر ستة مقاعد من أصل ١٢٨، أي نحو ٤.٧%، وهي نسبة منطقية ومشابهة للتجارب الأوروبية. ومعظم الدول تعتمد دوائر خارجية مستقلة، بينما بعضها يدمج أصوات المغتربين في دوائرهم الأصلية داخل الوطن. أما النموذج اللبناني فيجمع بين الفكرتين، من خلال دائرة مستقلة للمنتشرين مع إمكانية التصويت للدوائر الداخلية إذا لم يُطبّق التعديل بعد.

يُتوقع أن يحقق هذا التمثيل نتائج إيجابية، أبرزها إشراك فئة كبيرة من اللبنانيين المقيمين في الخارج في القرار الوطني، وتعزيز شرعية المجلس النيابي، ودفع الحياة السياسية نحو التحديث والمشاركة الأوسع. ومع ذلك، تبقى هناك تحديات يجب التعامل معها بجدّية، أبرزها الحاجة إلى قاعدة بيانات دقيقة للمنتشرين، وآلية تسجيل فعالة، وشبكة اقتراع آمنة في السفارات والقنصليات، إضافة إلى ضرورة الحفاظ على التوازن الطائفي والسياسي الذي يميّز النظام اللبناني.

إقرار الدائرة ١٦ لن يكون سابقة غريبة، بل خطوة منسجمة مع تطور الديمقراطيات الحديثة التي اعترفت بحق المنتشر في المشاركة التشريعية. وتجارب فرنسا وإيطاليا والبرتغال تؤكد أنّ التمثيل الخارجي ممكن وفعّال، شرط وضوح القواعد القانونية والتنظيمية.

من هنا، يبدو مطلب التيار الوطني الحر منسجماً مع منطق المساواة بين اللبنانيين داخل الوطن وخارجه، ويعبّر عن رؤية وطنية شاملة تربط الانتشار اللبناني بدولة المؤسسات، فالمُنتشِر ليس فقط سنداً اقتصادياً للبنان، بل يجب أن يكون أيضاً شريكاً في القرار الوطني.

موقع التيار - قراءة الخبر من المصدر



كل المصادر

جريدة الأخبارروسيا اليومبي بي سيموقع التيارالوكالة الوطنية للإعلامقناة المنارموقع الضاحية الجنوبيةمجلة سيدتيGreenAreaصيدا أون لاينالجزيرةاللواءصيدا تي فيakhbar4allأرب حظهافينغتون بوستثقف نفسك24.aeقناة العالم الإخباريةسيدر نيوزموقع القوات اللبنانيةأنا أصدق العلمسبوتنيك

النشرة المستمرة