عدنان سمور: الآثار التي أنتجها تطور وسائل النقل في الخيام (الجزء3)

إبراهيم خليل سمور (أبو عاطف) رحمه الله
إبراهيم خليل سمور (أبو عاطف) رحمه الله


تمهيد

في الفترة التي كانت وسائل النقل مقتصرة على الدواب أي كائنات حية يعيش الناس معها وتشاركهم منازلهم ودورها وحدائقها فكان البقر يجاور الناس في الغرف التي يعيشون فيها،حيث يسهرون وينامون وبذلك يستفيد الناس من حرارة أجسام الأبقار وأنفاسها في فصل الشتاء نتيجة عدم وجود أي حاجز في مكان الإقامة بينها وبين أصحابها.

ومع بداية ظهور وسائل النقل الحديثة والتي لديها قدرة أكبر في السعة والقوة من الدواب ويمكن ركنها خارج المنازل،بدأ هذا التطور ينعكس على التصميم التقليدي الذي كان معتمدا للمنازل بحيث تم الفصل نهائيا بين البشر وحيواناتهم الأليفة في المسكن وقد إنعكس هذا الأمر على الوضع الصحي وعلى النظافة للناس.

كما إنعكس تطور وسائل النقل على الناس زيادة في التنقل والتواصل مع المحيط قريبه وبعيده ولم يعد هناك إكتراث لسوء الأحوال الجوية في السفر بإستثناء مواسم الثلج الشديدة التي تعيق حركة وسائل النقل الجديدة .

ونشأت حاجة ماسة لتحسين شبكات الطرق ورصفها وتعبيدها لاحقا الأمر الذي أخذ يتحقق بالتدرج كما سبق وذكرنا سابقا.

وصار بالإمكان الإنتقال كجماعة في وسيلة نقل واحدة مثل البوسطا على عكس ما كان سائدا يوم كانت الدواب هي وسيلة النقل الوحيدة.


تطور علاقة الخياميين ببيروت.

بدأت تنشط علاقة الخياميين بصيدا طلبا للعلم في مدارسها كما بدأت تزداد وتنشط علاقتهم ببيروت طلبا للدراسة وبحثاً عن فرص عمل جديدة وقد نشأ عن هذين النشاطين في العلاقة ضرورة تأمين وسيلة للإنتقال والسفر بشكل يومي من والى بيروت،كانت بداية وسيلة النقل الرائجة هي البوسطة التي تبدأ رحلتها كل يوم عندما تقف بدأً من الساعة الثالثة فجرا أمام شجرة الميسة مقابل السنتر اليوم ويبدأ الذاهبون والمسافرون بالوصول تباعا لحجز مواقعهم وتحميل أغراضهم التي ينظمها ويرتبها ويربطها فوق سطح البوسطة معاون السائق ويستمر هذا الوضع حتى الساعة الخامسة فجرا عندها يكون قد إكتمل عدد المسافرين فتنطلق الرحلة إما عبر مرجعيون في حال كان لا يزال هناك مقاعد فارغة في البوسطة أو مباشرة من طريق الدردارة بإتجاه القليعة ومنها بإتجاه كواع الليطاني لأن طريق برج الملوك لم تكن منفذة يومها.


محطة الرحلة الأولى

في النبطية توجد محطة رحلة البوسطة الأولى حيث يمكن للركاب تناول فطور الصباح كل حسب رغبته (لحمة مشوية – كنافا بجبنة – فول مدمس أو منقوشة) وتجدر الإشارة أن ترويقة اللحمة المشوية ليست مستساغة في كل المناطق اللبنانية كما هو الحال في الخيام الأمر الذي يستهجنه البعض.وفي إستراحة البوسطة في النبطية يمكن التبضُّع وشراء بعض الحاجات.وبعد إنتهاء وقت الإستراحة تستأنف البوسطة رحلتها وعلى الذين يصابون بالدوار أن يبقوا ممسكين بكيس ورق بأديهم ليتقيؤا فيه ولا يتسببوا بتلوث بقية الركاب.


المحطة الثانية

وقد تمر البوسطة في الموقف أو في ساحة النجمة في صيدا خاصة أيام العطل المدرسية ليوصل معاون البوسطة زوادة وملابس مغسولة ومكوية من بعض الخياميين لأولادهم الذين يدرسون داخلي في مدارس صيدا ويستلم المعاون من الطلاب الثياب المتسخة لتنقل إلى ذويهم في الخيام. وبعد ذلك تتابع البوسطة رحلتها على خط الساحل القديم الذي لم يكن يوجد سواه طريق ألى بيروت حتى تصل في نهاية رحلتها إلى كراج مرجعيون في منطقة العزرية فيأتي من له زوادة مرسلة لإستلامها ويأتي من جاء له قريب أو قريبة لا يجيدون التنقل في بيروت ليوصلهم إلى السكن أو المستشفى التي يقصدوها للعلاج وتبقى البوسطة تنتظر حتى حوالي الساعة الثانية بعد الظهر ليجتمع الراغبون بالذهاب معها في رحلة عودتها الى الخيام أو إلى قرى منطقة مرجعيون وفي طريق العودة لها محطة في الدامور لشراء الموز والحمضيات وفي سوق النبطية أيضا توجد محطة ثانية لشراء الهدايا والحلوى وتناول الغداء لمن يرغب وخبز الكماج والخبز الإفرنجي وتعاود البوسطة بعد هذه المحطة مسيرها لتصل إلى الخيام مع غروب الشمس.


رحلة البوسطة إلى حيفا .

لم تكن بوسطة الخيام تنظم رحلة يومية إلى حيفا مثل رحلة بيروت بل كانت رحلاتها تكون بناء على إكتمال الطلب حيث هناك عائلات خيامية كثيرة تعيش في مدن فلسطين وتنتقل باستمرار من وإلى الخيام .

ملاحظة : كانت الزوادة تحتوي غالباً على التالي(بيض بلدي – لبنة – خبز مرقوق – سليق طبخ طازج – تين وصبار في موسمها وغير ذلك).


رحلة البوسطة إلى البقاع .

كان بعض الذين يشاركون من الخياميين في الأسواق الأسبوعية يذهبون بالبوسطة على خط البقاع ويشاركون في أكثر من سوق (جب جنين-أبلح وغيرها وكانوا يصلون إلى منطقة ضهر الأحمر).


أحداث مميزة.

1- يقال أن محمد مهدي سويد عندما إشترى سيارة فورد أبو دعسة من دمشق وأحضرها إلى الخيام عن طريق الجولان . بعد فترة قرر أن يذهب بسيارته إلى بيروت وعندما وصل إلى منطقة أكواع الليطاني شعر بحالة من الرعب وخاف أن يتابع سيره فأقفل عائداً إلى الخيام وفي صباح اليوم التالي ذهب إلى بيروت عن طريق الجولان – بانياس – دمشق – ظهر البيدر وصولا إلى بيروت ولم يعد يفكر بالذهاب إلى بيروت بسيارته بعد تلك الحادثة.

2- كان حسن علي سويد (أبو رياض) يقود سيارته بهدوء وروية مبالغ فيهما وعندما يضطر للسفر في سيارة يقودها سواه كان يدوس على أرض السيارة لا شعوريا لتخفيف سرعتها.

وكان شباب الحارة يشغلوا سيارة أبو رياض ليلا ويقوموا بجولة فيها في شوارع الخيام ثم يعيدوها إلى مكانها وذات يوم كان مارا بقربه أحد الشباب الذين يقومون بهذا العمل وكان أبو رياض منشغلا بتصليح سيارته فسأله الشاب " هل يمكن أن تعيرنا السيارة يا أبو رياض ؟" فأجابه أبو رياض مبتسما " انت وأصحابك تستعيرونها في الليل ولا تحتاجون مني إلى إذن".

3- توقفت البوسطة ذات يوم في النبطية أمام محل أبو شقرا لشراء الحلوى وكان من بين الركاب شيخ درزي فاقدا محفظته فطلب من المعاون أن ينادي عليها أمام الركاب عندما يعودوا فقال المعاون بعد عودة الركاب " يا أهل بلدنا في معنا شيخ درزي فقد جزدانه من منكم رآه؟" فصرخ في وجهه الشيخ " شو بفيد يا حضرة المعاون إن كان الشيخ درزي أو غير درزي " فضحك الحاضرون وطيبوا خاطر الشيخ.

4- في إحدى رحلات البوسطة إلى البقاع بإتجاه سوق أبلح. وعند مفرق حاصبيا طلع فيها شيخ ومعه سلة تين كبيرة قاصدا بيعها في السوق وفيما هو جالس واضعاً السلة بقربه داخل البوسطة بدأ الركاب يعجبون بالتين ويتضيفون بدون إذنه وقد إستحى من أن يمنعهم وهكذا بدأ التين بالتناقص لدرجة لم يعد هناك جدوى من الذهاب بالباقي إلى السوق ، عندها طلب الشيخ من السائق التوقف قائلاً له " أنا نفَّقت التينات يكثر خيركم يا جماعة بدي إرجع ما في داعي كمِّل معكم" فخجل الحاضرون من فعلتهم الشنيعة مع الشيخ.


المصادر.

1-الاستاذ نايف مرعي.

2-زكي الياس ونا.

3-ابراهيم خليل سمور.


* عدنان إبراهيم سمور.

باحث عن الحقيقة.


مواضيع ذات صلة:

الآثار التي أنتجها تطور وسائل النقل في الخيام (الجزء3)

تطور شبكة الطرق ووسائل النقل في الخيام الجزء (2)

تاريخ شق الطرقات واستجرار المياه الى الخيام الجزء (1)

مقالات الكاتب المهندس عدنان سمور

المرحوم المرحوم ابراهيم ضاهر قنصور
المرحوم المرحوم ابراهيم ضاهر قنصور


المرحوم المرحوم ابراهيم ضاهر قنصور
المرحوم المرحوم ابراهيم ضاهر قنصور


تعليقات: