عدنان سمور: تاريخ الرياضة في الخيام (الجزء 1)

المرحوم عبد النبي عطية
المرحوم عبد النبي عطية


مقدمة.

مثلت الرياضة نشاطا إنسانيا قديماً بقدم نشاطات الإنسان المختلفة ، ويوجد شواهد كثيرة في آثار الشعوب القديمة رسما ونحتا تخلد هذا الأمر.كما بقي آثار منشأت عمرانية خاصة بالأنشطة الرياضية يزيد عمرها على الالف سنة ، وكانت الرياضة حاضرة أيضا في بعض الطقوس العبادية ولها آلهة ، وأساطير تروى.

وكانت المجتمعات الريفية اللبنانية القديمة ومنها الخيام تمارس أنشطة تنافسية تنسجم مع الوسائل المتاحة ومع القيم الإجتماعية السائدة ،التي يفتخر الناس فيها بالشجاعة والقوة البدنية وبالفروسية، التي تطورت بمرور الزمن ونمو الوعي البشري ونضوج تجاربه الحضارية ،فصار هناك رياضات عالمية أجمعت عليها شعوب الأرض رغم تميز كل شعب ببعض أنواعها،التي تتناسب مع تراثه الثقافي والإجتماعي وطبيعة الأعمال التقليدية والطقوس والأنشطة التي يقوم بها ويمارسها هذا الشعب.

الرياضات الخيامية القديمة:

1- التحدي والشجاعة

في مجال الشجاعة كان الشباب الخياميون يتبارون قديما من منهم يجرؤ أن يذهب في ظلام الليل الدامس إلى مغارات كانت موجودة عند أطراف الضيعة شرط أن يزرع وتدا كدليل على وصوله اليها ليتمكن الذين تحدّوه من مشاهدة الوتد الذي زرعه في صباح اليوم التالي.

وتجدر الإشارة هنا أن هذه السردية موجودة في معظم البلدات اللبنانية ويضاف إليها أن أحد الذين دخلوا في هذا التحدي ذهب إلى المغارة ولم يعد فذهب رفاقه في صباح اليوم التالي للإطمئنان عليه فوجدوا أنه دق الوتد في طرف ثوبه وعندما هم بالعودة شده الوتد فارتعب وظن أن حيوانا أمسك به فمات من الرعب وبقي مكانه.

2- ألعاب القوة البدنية.

*في مجال التنافس بالقوة البدنية والفتوة فقد كان الخياميون يتبارون برفع العمدة أو الجرن. وكان محمد عطية من قبضايات الخيام المشهورين بقوتهم البدنية الذي يقيم القيمات التي يعجز عنها الناس العاديون ،وعندما سافر في مطلع القرن الماضي إلى أميركا ،إصطحب معه ولده عبد النبي وهناك سجَّله في ناد رياضي حيث خضع لتدريب في المصارعة ،وإكتسب خبرات كبيرة في هذا المجال. وعندما عاد إلى الخيام عمل في مهنة المكارية ،وكان من ضمن مجموعة المكارية الذين يصطحبهم عادل فرنسيس من منطقة مرجعيون الى بلدة دفنة على الحدود الفلسطين السورية ،والتي تبعد 34 كلم إلى الشمال من صفد.وفي إحدى الرحلات التي إصطحب فيها محمد عطية ولده عبد النبي معه، وكان معهم أيضا مجموعة مكارية آخرين يرافقهم ناطور أرمني كان يقيم في صردا،عندما وصلوا إلى بلدة دفنة بدؤوا بتعبئة الذرة ،ولكن نتيجة تدخل وحركشات من قبل الغوارنة الساكنين في المنطقة ،حصل خلاف وتلاسن بين المكارية الخياميين والغوارنة.سرعان ما تطور إلى تدافع وعراك بالأيدي ،فما كان من عبد النبي عطية إلا أن طلب من أبيه وزملاءه المكارية أن يتركوه وحيداً في المواجهة ولا يتدخلوا وكان من بين المكارية محمود حميد الذي كان أيضا يعتبر من القبضايات الخياميين.وجرى عراك وصفه الحاضرون بأنه كان مدهشاً وفاق أي توقع لأن عبد النبي عطية الأعزل تمكن أن يهزم وحيدا عشرين غوراني مسلحين بالعصي ورماهم على الأرض ثم تابع المكارية الخياميين تعبئة الذرة وعادوا إلى بلادهم سالمين غانمين.وقد علق الناطور الأرمني المرافق للمكارية الخياميين أن الخيام بهذا النوع من الرجال تعتبر بلدة عظيمة الشأن ويحسب لها ألف حساب.

*كانت الداية حمدة عواضة زوجة الحاج موسى خريس من نساء الخيام المميزات بالقوة البدنية وكانت المرأة الخيامية الوحيدة التي تستطيع رفع القَيْمة الموجودة في فناء دار الأفندي مثلها مثل الرجال القبضايات.

*من حمالي أعتاب الأبواب الصخرية والذين كانوا يتبرون من أبطال الخيام (محمد ذيب عواضة – محمد خاتون – السيد حسين زيبارة).

*من أبطال الخيام في المواجهة عندما يحدث عراك (محمد رضا غريب – محمد سعد – نعيم هيثم – إبراهيم مهنا وحسن الحاج علي).

*كان في الخيام شاب يدعى عبدو الشماس وكان ذو قوة بدنية مذهلة حيث يروى عنه أنه كان يسهر عند أحد معارفه قرب الميدان (المقبرة) وفيما هو عائد إلى منزله والظلمة شديدة إصطدم رأسه بغصن شجرة كبيرة فانجرح رأسه فغضب غضبا شديدا وأمسك بجذع الشجرة وشدها فإقتلعها من جذورها .

عندما قرر عبدو الشماس السفر إلى كندا ،فاستأجر سيارة من الخيام لتوصله إلى المطار،وأثناء الطريق إختلف مع السائق على الأجرة .فقرر السائق أن يعود إلى الخيام ويترك عبدو الشماس في منتصف الطريق .فما كان من عبدو إلا ان وقف أمام السيارة وقال للسائق تقدم بسيارتك إن استطعت .فحاول السائق أن يتحداه ويدوس على البنزين بكل قوة لكن عبدو الشماس أوقف حركة السيارة بوقوفه أمامها وكأنه جبل.الأمر الذي جعل السائق يراجع حساباته ويقتنع بإيصال عبدو إلى المطار تفاديا لغضبه.

بعد وصول عبدو إلى كندا يروى أنه في إحدى المرات وعلى أحد الأوتوسترادات قاد سيارته عكس السير .فاكتشفت شرطة السير مخالفته وراحت تطارده،ولكن عبدو الشماس عندما إكتشف مطاردتهم له نزل من السيارة ورفَعَها من الأمام وعكَس إتجاهها وقادها بالإتجاه الصحيح ،الأمر الذي أذهل الشرطة وأحسوا أن هناك معجزة ما قد حصلت.فألقوا القبض عليه واصطحبوه إلى مركز الشرطة، وهناك قال له رئيس المركز إذا لم تشرح لنا كيف إستطعت أن تعكس إتجاه السيارة فإن عقوبتك ستتضاعف،فكرر عبدو الشماس فِعلته أمام أعينهم، فأذهلهم فما كان من قائد الشرطة إلا أن عرض عليه أن يعمل في شركة لأخيه متخصصة في صيد الرنة(Feuseau) .

*مارون أبو عازر كان أيضا من قبضايات الخيام ويحكى أنه سمع يوماً صوت ضجيج وحراك قرب كنيسة الروم في الخيام وقد كان جاراً للكنيسة ،فإقترب ووجد مجموعة من الشباب يحاولون رفع جرس الكنيسة لإعادته إلى موضعه بعد عملية صيانة له ،وكانوا يعجزون عن إنجاز المهمة.وعندما رأت إحدى جارات الكنيسة مارون مقبلاً ،قالت للشباب جاء مارون توقفوا فما كان من مارون إلا أن صعد إلى سطح الكنيسة ووضع ثوبا من القماش على رأسه وقال للشباب أدخلوا الجرس في رأسي وبعد رفع الشباب للجرس ووضعه في رأس مارون، نهض مارون ونده يا الله ثم صعد به حتى وضعه في موضعه القديم ونزل بكل ثقة وقال للحاضرين (الآن دقوا الجرس) فدقوه وفرحوا بصوته وشكروا مارون على إنجازه العظيم ودعوا له بالتوفيق.

يروى أيضاً عن مارون أبو عازر أنه في أحد الأيام دخل في زاروب كنيسة الروم ثور هائج .فنادى الجيران مارون ليحميهم منه ،فما كان من مارون إلا أن إقترب من الثور وأمسك بأذنه ،فجفل الثور وبدأ يركض ومارون يركض بجانبه ممسكا بأذنه ،حتى تمكن الثور في نهاية الجري من الإفلات والركض بعيدا .فعاد مارون بإتجاه الموقع الذي أمسك أمام الناس فيه بأذن الثور، فقال له النسوة "كيف تركته يهرب منك يا مارون ؟".فرفع مارون يده وإذ بالحاضرين يتفاجؤون بأن أذن الثور بيد مارون والدم يقطر منها فاندهشوا وابدوا إعجابهم ببطولة مارون أبو عازر وأثنوا عليه.

*في سبعينات القرن الماضي كان يأتي شاب خيامي مغترب إلى أميركا هو حسن علي عواضة أخوه للأستاذ رضا عواضة وكان بطلا في رياضة كمال الأجسام وكان عندما يمشي في شوارع الخيام تبدو عضلاته المفتولة فينظر إليه الناس بإعجاب ودهشة.

3- السباق

ويوجد موقع في الخيام يدعى الميدان حيث توجد روضة البلدة ،الأمر الذي يحتمل أن الخياميين القدامى كانوا يستخدمونه للسباق على الدواب أو السابق ركضاً كممارسة رياضية تعزز روح التنافس الإيجابي بينهم.كما كان هناك ميدان سباق آخر في السهل قرب نبع الدردارة.

4- الرماية.

كان الرعاة والشباب الخياميون يتبارون من منهم يرمي الحجر او سهم قوس النشاب مسافة أطول.

كما كان الرعاة يستخدمون المقلاع منذ قديم الزمان لتوجيه قطعانهم ومطاردة الفرائس مثل الأرانب البرية والغزلان التي كانت تتواجد في منطقة الحمامص وفي سفوح جبل الشيخ.

إن بركة الدردارة وغدران نهر الحاصباني ( الشاغورية وغدير عادل وغدير أبو دجاجة)لا شك أنها شهدت سباقات بالسباحة والغوص تحت الماء أطول مدة بين فتية وشباب الخيام منذ نشأة الخيام الأولى، أي منذ مئات السنين على أقل تقدير.

(كركستا أو شاطو باطو)تسميات لرمي الرعاة ما يشرد عن القطيع من الأغنام والماعز وهذه الرمية لها طريقة خاصة بالقذف من تحت الباط وقد كان يتنافس فيها الفتية أيهم يوصل الحجر المقذوف بهذه الطريقة من الرمي إلى أبعد مدى.

وهناك رياضة كان يمارسها الخياميون منذ القدم هي رمي حجر يفضل أن يكون مسطحاً بمحاذاة سطح الماء في بركة الدردارة أو فوق غدران النهر ويقومون بعدّْ المرات التي كان يتكرر بها إصطدام الحجر المقذوف بسطح الماء .

5- التزلج التقليدي.

يذكر من كان فتىً في أربعينات وخمسينات القرن الماضي، أنه عندما كان يأتي فصل الشتاء قاسيا، يتجمد وجه البركة التي بنيت مكانها مدرسة البركة.فيقوموا بممارسة هواية السباق بالتزحلق على سطح البركة الجليدي.

كما كان الفتية يمارسون هواية السباق في التزحلق جلوسا على منحدرات الثلج المتوفرة بكثرة في الخيام.، لاسيما في سفحها الغربي عندما كانت تكتسي هذه المنحدرات بثوبها الثلجي الأبيض في فصل الشتاء.

تطور الرياضات الخيامية التقليدية.

ساهمت عدة عوامل في إحداث قفزة نوعية في إهتمام الشباب الخيامي في الرياضة التي بدأت تتطور وتنتشر حتى شملت النسبة الأكبر من الشباب الخيامي الذين صاروا من المهتمين والمتابعين لأخبار الرياضة والمشجعين لها ومن هذه العوامل نذكر التالي:

1- قدوم جيوش أجنبية غازية في الحربين العالميتين الأولى والثانية ،وقد حملوا معهم أنواع متعددة من الرياضات التي كانوا يمارسونها في بلادهم ، والتي تعلمها الشباب اللبنانيون ومنهم شباب الخيام .وقد مثلت لعبة البيسبول إحدى هذه الألعاب التي لقيت رواجا وأطلق عليها إسم (بونا الطابة) .وقد نقلها إلى لبنان الجيش الإنكليزي .وهي لعبة مورست رسمياً أول مرة في بريطانيا عام 1749 وتطورت وانتشرت لاحقا في كافة أرجاء العالم.


2- تطور وسائل النقل والإتصال والإعلام الأمر الذي قرب المسافات بين الشعوب والبلدان وبات بإمكان سكان الأرياف أن يطلعوا على ما يجري في العالم من أنشطة رياضية ويتأثروا بها ويحاولوا ممارستها .

3- إنتشار المدارس وأساليب التعليم الحديثة وظهور الحركات الكشفية التي تشجع على النشاطات الشبابية .

4- بدء الهجرة من الريف إلى المدينة في النصف الأول من القرن الماضي بحثا عن فرص عمل للعائلات الفقيرة في ضواحي بيروت الأمر الذي حصل بنتيجته تواصل وتفاعل إجتماعي ونقل خبرات متوفرة في المدينة وشباب الأرياف متعطشون للتعرف عليها.

5- قدوم مغتربين خياميين من أميركا متقنين لرياضات لا يعرفها الخياميون.

المصادر.

1- علي نعيم خريس.

2- حسين علي إدريس (أبو أكرم).

3- اكامل زعرور.

4- زكي إلياس ونا.

5- إبراهيم خليل سمور (أبو عاطف).

6- محمد علي هيثم (أبو أسعد).


الى اللقاء مع حلقة أخرى من تاريخ الرياضة في الخيام. على أمل أن نقوم بإغنائها بكل إضافة يمكن أن تقدم لنا من أهل الخيام الطيبين والذين لديهم معلومات تفيد.

* المهندس عدنان إبراهيم سمور، هاتف & واتس: 03/209981

باحث عن الحقيقة

مقالات الكاتب المهندس عدنان سمور

مواضيع ذات صلة:

عدنان سمور: تاريخ الرياضة في الخيام (ج 1)

من تاريخ الرياضة في الخيام (ج 2).. الكرة الطائرة

من تاريخ الرياضة في الخيام (ج 3).. المكتبة العامة

المرحوم عبد النبي عطية
المرحوم عبد النبي عطية


تعليقات: