الحاج محمد خليل عطوي وزوجته الحاجة زكية ابو عباس من بين الشهداء ضحايا مجزرة الخيام التي ارتكبها العدو الصهيوني عام 1978
للمستقبل وحتى لا ينسى أولادي وأبناء الخيام، أكتب هذا المقال إستجابة لطلب الصديق المهندس أسعد رشيدي الذي له الفضل والشكر في التعريف بقضايا الخيام على صفحات الانترنت.
أكتب هذا المقال لأظهر وأبيّن وحشية الصهاينة عند إجتياحهم جنوبنا اللبناني، ونصيب الخيام من المجزرة التي إرتكبوها في مثل هذا اليوم أي بعد مرور واحد وثلاثين سنة.
في هذا الشهر، وبالتحديد في 17 آذار من العام 1978 إرتكب الصهاينة وعملاؤهم أثناء الإجتياح المشؤوم على الجنوب مجزرة شنيعة في الخيام راح ضحيتها الأبرياء الطاعنين في السن الذين لم يستطيعوا الخروج من المدينة بسبب ضعفهم وعجزهم ومرضهم ..... ما حدث في 17 آذار قبل واحد وثلاثين عاما" كان من الفظاعة بحيث لا يصدَّق، لأن مجّرد التذكير بهذه المجزرة في وسائل الإعلام يعيش من يعرف الخيام وجمال الخيام : موقعها، سهولها، معتقلها، مناظرها، وطنية أهلها، يعيش حالات مؤثرة يختلط فيها الأسى بالرجاء : فظاعة المجزرة الوحشية التي ارتكبها الصهاينة، تدمير المدينة بالكامل، تشتيت أهلها في كل محافظات لبنان، معاناتهم في غربتهم، أسر الكثير من شبابهم، صبرهم في تخطي المحن، بُعدهم عن مسارح ذكرياتهم، تنكّر المسؤولين لحقوقهم، بل نسيانهم وإهمالهم...... وإذا كان الاعلام الرسمي مقصرا"، ولم يزل، في إعطاء صورة حقيقية عمّا أصاب الخيام ومقصرا" في تبيان دورها الريادي والوطني، وعدم تلبية مطالبها وحقوقها لتعيش بكرامة كباقي المدن والبلدات المحظية، ففي هذا المقال إضاءات يمكن للقارئ أن يفيد منها في الحديث عنها وما جرى لها أثناء العدوان الاسرائيلي الهمجي على الجنوب.
لا بدَّ هنا من الرجوع قليلا" الى بدايات العدوان الصهيوني وتمهيده لعملية الإجتياح التي عُرِفت بعملية الليطاني:
بدأت إسرائيل تهيّئ لهذا الاجتياح قبل التاريخ المذكور أعلاه، إذ حّولت المنطقة الحدودية الى ساحة للمناوشات والفتن، وزرع الدسائس بين الناس، وتركت لعملائها العنان بأن يعيثوا فسادا" وقتلا" في كل القرى والبلدات الجنوبية، فارتكبوا من الاعتداءات والأعمال الاجرامية ما لا يمكن وصفه من شدة ما يثير من الخوف والرعب، إذ منذ العام 1976 حتى عملية الليطاني، ظل الجنوب اللبناني، وبخاصة منطقة الخيام، ساحة مشتعلة من الإجتياحات المتواصلة للقرى، ومسرحا" لغارات الطائرات التي كانت تدمر وتقتل وتشرد، وأمكنة مباحة لإقامة المواقع العسكرية وتجنيد المرتزقة من العسكر والمقاتلين لإحتلال بعض ثكنات الجيش اللبناني والإعتداء المبرمج على الناس وإفتعال المشاكل، فضلا" عن الدورات التدريبية لهؤلاء المجرمين وإمدادهم بالمال والسلاح والذخيرة وشحن نفوسهم بقدر كبير من الحقد على الجنوبيين الوطنيين للفتك بهم ليتمكنوا هم فيما بعد من توظيف هذا الحقد في حروبهم الإجرامية .....
وكان نصيب الخيام من إسرائيل قبيل الإجتياح أن كهربت الأجواء، وأثارت العصبيات بين عائلاتها فدست من قتل وشنع، وأوعزت لمن أرعب ليلا" ففجر الآربي جي والديناميت، وكافأت من نسف بيوتا" آمنة وأحرق بساتين وغلالا"، ووزعت اللصوص بين الأحياء، وسدت الطرقات الى الخارج، وخلقت حالة ذعر وهلع بين الناس، ، وبدأت مدفعيتها تقصف الأحياء السكنية بالتقسيط وعلى مراحل، راسمة" بذلك خطة جهنمية لتهجير الأهالي وافراغ البلدة من سكانها. ومما يؤسف له ويُستنكر آنذاك مواقف الفصائل الفلسطينية والتابعين لها إن لجهة عدم التصدي للعدو أو لجهة عدم تنظيم أمور الناس وعدم سماع آرائهم، حتى يئس الخياميون الذين كانوا يدركون ويبصرون ما تحت الرماد، فخرج أكثرهم من بيوتهم على فترات الى شوارع البلدة وساحاتها في تحركات مروحية كنمل مذعور، ثم سرعان ما انحدروا هائمين على وجوههم يعبرون مسالك الطرق الضيقة في البراري الوعرة والوديان الموحشة نازحين حينا" وعائدين أحيانا"، مرة" سيرا" على الأقدام، يتأبطون ماخف من الثياب ، ومرات ومرات في شاحنات صغيرة أو تراكتورات يسلكون طرقات ترابية خطرة كثيرا"ما كانت أهدافا" منتظرة لرصاص القنص والرشاشات وقنابل المدفعية والألغام...... كانت ساعات مأساوية خارج الزمن، يقول الخياميون: " تنذكر وما تنعاد" ترى الناس فيها سكارى وما هم بسكارى، يفضل أن يصفهم ويصورهم في حالتهم تلك شاعر أو رسام أو فنان......
وتستكمل اسرائيل خطتها الوحشية، ولكن هذه المرة بدعوة من بقي في الخيام من الأهالي الى الهرب همسا"، أحيانا" عبر بعض جواسيسها وعلنا" أحيانا" أخرى في مكبرات الصوت و كأنها بذلك تستلهم ما قاله مناحيم بيغن في كتابه قصة الأرغون: "إنه لولا النصر في دير ياسين لما كان هناك دولة اسرائيل ..... لقد أوجدنا جوا" من الرعب المجنون جعل أكثر من 750 ألف عربي يفرون تاركين وراءهم كل شيء الأمر الذي كان له أهمية سياسية وإقتصادية وأمنية لا حدود لها."
استشهاد الدكتور شكرالله كرم:
ولم يبق أمام إسرائيل إلا ترجمة نصائح بيغن واستلهام فظائع دير ياسين، لذلك أقدمت بتاريخ 17-2-1977 على قتل الطبيب الخيامي شكرالله كرم الذي كان يوما" رئيسا" لبلدية الخيام في عيادته أثناء قيامه بالواجب في معالجة المرضى، والذي أبى أن يترك أهله الباقين ومرضاه، وجرحاه في الأوقات العصيبة، وفي خضمّ المحن، مع أنه كان باستطاعته أن يرخي العنان ويطلق ساقيه للريح ويهرب كما فعل غيره، لكنه أبى ذلك ورفض وبرهن في تصميمه على البقاء الى جانب الأهالي والتشبث بالأرض ومؤاساة الجرحى والإنسجام مع ضميره المهني وقًَََََسَم أبقراط، وأخيرا" في استشهاده، برهن عن تجلّيات الموقف الحقيقي للرجال الرجال وللأطباء الأطباء الذين بحق تُبنى بدمائهم وبأمثالهم الأوطان وتشاد..... نعرف ذلك من خلال الرسالة التي كتبها وبعث بها يوم استشهاده لولده الدكتور كرم، ننشرها هنا لأنها ذات دلالات ومعانٍ سامية إمتاز بها العامليون وما زالوا ....
كتب الطبيب الشهيد لولده الدكتور كرم يوم 17-2-1977 يقول:
".....تسألون أسعيد ببقائي في الخيام ؟ السعادة آه من السعادة، شبح كلما اقتربت منه نأى. أهي قناعة، فأين الطموح؟ أهي إسترخاء وعدم إكتراث، وما نصنع بالعواطف والمشاعر، أهي طمأنينة وكيف؟ كيف أطمئنّ وحولي آلاف البائسين إذا تركتهم فمن يقرأ ميزان الحرارة؟ ومن يسمع نبضات القلب؟ لم يبق عندي أكثر من ذلك أعطيهم أفيحقّ لي أن أمنعه؟ وتقولون ما زال في البيت من هم في حاجة إليّ! لعمري عهدتهم رجالا"، بهم أقوى، أتحدّى المستحيل والشباب ملء بردي. أفأترك الخيام تحترق والجنوب كئيب؟ علّني أًًعيد إليه بعض فرحه. ليت الفرح يزوبع حول الوطن الصغير فيدخل من الأبواب ويعصف من النوافذ ويخترق الشقوق. وإن تفرقت العائلة الصغيرة فستجتمع، تستظلها خيمة الحب. الأمور في المنطقة تتطور سريعا" والى الأسوأ. يفتعلون الحوادث لتخريب سلام متواضع حرصنا عليه. رائحة البارود تعبق في الأجواء. أحس بأننا مقبلون على مجزرة خطط لها. مسكين إنسان هذي الحدود الجنوبية كم يتحمل من شقاء!؟ أسيبقى مَن عَبَر الحدود مصرين على إبادتنا؟ سيطلع فجر والأرض ارتاحت من مغتصبيها وأشرقت على وطننا شمس السلام. لا تفكروا فيَِّ مطلقا" وهذا يريحني. أقبّلكم فردا" فردا" وأكثروا منها لعامر (الإبن الصغير للدكتور كرم، وزير الصحة الأسبق) ولكم مني عاطر السلام وأطيب الأماني وكل حبّي. من والد هو هكذا فهل تقبلونه؟"....
وتمضي الأيام السود على هذا المنوال مدة شهر بالتمام. ويأتي الاجتياح المشؤوم بعد عام فتنال الخيام نصيبها، وليس للخيام نصيب. فما حدث ليلة السابع عشر من آذار قبل واحدٍ وثلاثين عاما" كان من الفظاعة بحيث لا يصدق : الخيام تمطر بقذائف الدبابات.... الطائرات تغير.... تقذف صواريخها مدمّرة" البيوت والمدارس والمعاهد والمعابد والمستوصفات والمحال.... حمم المدفعيّة الثقيلة متواصلة. القصف بلا انقطاع .... الحرائق تشبّ في البيوت والأحياء .... الدخان يلفّ الخيام، يملأ السماء .... الآليات تتحرك.... المدينة مطوّقة من كل الجهات .... دوريات المشاة تدخل الملاجئ على أنغام الرصاص ... تفتّش .... تجّر المسنّين جرّا" كالكلاب.... تصلبهم في صف طويل... وجوههم الى جدار ... أيديهم نحوالسماء.....رصاص.....رصاص....رصاص. وأجساد ضعيفة منهكة تتهاوى.... ودماء طاهرة تسيل.
ينتهي الفصل الأول، ليبدأ الفصل الثاني في اليوم الثاني: عصابات العميل حداد تتلقّى الأوامر ...تستعدّ...تنتشر بين الأحياء...تهجم...تفتش المنازل...تنعف الأثاث...تستعمل الحراب...تغرزها في أجسام المختبئين في الفراش...تمثل بالجثث .... تكسر...تحرق.....تسرق، تنهب..... يدخل الصليب الأحمر الدولي بعد لأي...يجمع بعض الجثث عن الطرقات...يكدّسها في خنادق وحفر.... تبقى عشرات الجثث شهورا" داخل البيوت مسجاة في الفراش وعلى "التخوت"....
ينتهي فصل آخر من المأساة ....يردد الصهاينة ما في سفر يوشع:
"اقتلوا كل ما في المدينة –يعني أريحا- من رجل وامرأة وطفل وشيخ حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف واحرقوا المدينة بالنار وكل ما فيها..."
واحد وثلاثون عاما" مضت على المجزرة وكأنها وقعت البارحة فالخياميون لم ينسوا حتى يتذكروا فالجراح ما زالت جراحا", والمسنون العجز لم ترأف بهم شيخوختهم، ولم يعطهم المجرمون الحاقدون فرصة الرحيل عن هذا العالم بسلام. إعتقدنا أن أقصى ما يمكن أن يفعله المجرمون حين دنسوا أرض الخيام، الضرب المبرح أو الإعتقال أو تدمير البيوت، ولكن ، أنّى للخياميين ذلك فالمجزرة ستبقى الشاهد الحي على عنصرية الكيان الصهيوني وإرهابه لأنه كيان أقام دولته المزعومة على أشلاء جثث الأطفال والشيوخ والنساء. كيف نقرأ المجزرة اليوم؟ ألا تستحق أن يُؤلف لها روايات وقصص للصغار والكبار وللأجيال التي لم تولد بعد؟
إن مجزرة الخيام التي راح ضحيتها أكثر من أربعين شهيدا" ومجزرة العباسية 85 شهيدا" ومذبحة كونين 29 قد إختزنت من الجرائم ما يصلح لأن يكون سلاحا" هاما" للجنوبيين والعرب والعالم المتمدن فيكشف العنصرية النازية للكيان الصهيوني.
بعض شهداء المجزرة:
وإليكم بعض ما استحصلت عليه من ذاكرة أبناء الخيام من أسماء شهدائهم في المجزرة المروعة، وكلّهم من الشيوخ والعجزة الطاعنين في السن:
ابراهيم شمعون- ابراهيم عطوي- أسعد عكر- افطان سويد- حسين قانصو- حميدة غريب- خزنة شيري- خليل علي خليل- ذوابة عكر- رقية درويش ضاوي- رقية الشرتونية (أرملة حسين علي جمعة) - زوجة ابراهيم شمعون- زوجة ابراهيم السرعيني- حسين كلش- زوجة حسين كلش- زوجة عبدو مزهر- زوجة محمد خليل مرعي- زوجة محمد خليل عطوي- زوجة الحاج محمد عواضة- زوجة محمد كريم- محمد علي خريس- زوجة محمد علي خريس- زوجة يوسف شمعون- سلمان خشيش- سكنة شمعون- عارف كريم- علي زريق- سكنة علي زريق (قشرها) - علي عطوي- علي قلوط- فاطمة علي رحال- الطفل كريم عارف كريم- كامل علي ضاوي- مريم أسعد عبدالله- مريم رحال- مريم عواضة- مريم محمد عواضة- محمد داغر- منى زريق- محمد خليل مرعي- محمد خليل عطوي- الحاج محمد عواضة- محمد عواضة- محمد عليان- محمد الغزاوي- محمود مرعي.
هذا غيض من فيض عدا الذين استشهدوا قبل وبعد المجزرة.
وما أن انتهى العدو من مجزرته الوحشية حتى كانت الخيام من جديد مكانا" صالحا" للتمرين على القصف من البر والجو ، وتحولت الى مدينة مهجورة صالحة للتدريب على الاقتحامات وتفجير البيوت، وأصبحت حقلا" للرماية بين الأحياء وفي الشوارع.... أمست الخيام مدينة مفتوحة لنهب أثاثها وحديد سطوحها، وسرقة أبوابها وشبابيكها وكل ما فيها،... عرّاها الغزاة من كل شيئ يسترها، حتى الأشجار، مثمرة" وغير مثمرة، قطّعوها وأحرقوا بساتينها وهدموا الباقي من بيوتها، نترك هنا للمراسلين الاسرائيليين والأجانب وصفها بعد تدميرها بالكامل وكتابة بعض مشاهداتهم:
المراسلون الاسرائيليون والأجانب يصفون الخيام بعد المجزرة والتدمير:
قال مراسل يديعوت أحرونوت :" في الخيام لا يوجد وقت لسماع صوت المخربين. في الخيام بدا وكأن الزمن قد توقف. في هذه البلدة التي تسيطر استراتيجيا" على منطقة واسعة، وهي في أحد أطرافها ممر عرفات من سوريا الى لبنان ، كان يوجد ذات مرة 24 ألف مواطن من الشيعة والمسيحيين، والبارحة وجدت فيها امرأتين عجوزتين مختبئتين، لم تفرا مع الباقين لأنهما لم تقدرا حتى على المسير. وحتى ما قبل أسبوع كان في الخيام نحو 100 مخرب ونحو 40 مواطنا". والبارحة بدا المكان وكأن لم يسكنه أي إنسان منذ قرون. البلدة مدمرة ويكاد لا يوجد فيها بيت واحد غير مدمر...كانت الرياح تصفر بين النوافذ المحطمة. وكانت العلب الفارغة تحدث أصواتا" غريبة ومخيفة. وكان يبدو وكأن كل علبة تخفي وراءها مخربا" ينظر الينا. وراء العلب لم يكن هناك مخربون في الخيام، ولكن هنا وهناك بالإمكان رؤية جنود الكتائب المسيحيين، وقد وصلوا بواسطة سياراتهم من مرجعيون وحملوا عليها أسلابا": قضبانا" من الحديد وأفرانا"، وطاولات وأثاثا" على أنواعه....وعلى الطريق الرئيسي يوجد صندوق حديدي ثقيل جدا"، لا يمكن نقله، ولكن ماذا فعلوا به؟ لقد نسفوه حتى يروا ما اذا كان يحتوي على مال....ويتابع:
إن إحتلال الخيام وتدميرها رفع آخر كابوس عن بلدة مرجعيون المسيحية التي تحولت منذ فترة الى جزء لا يتجزأ من المنظر الاسرائيلي في الشمال... وتعود الحياة الطبيعية الى مرجعيون مع أمل كبير في القلب. (يديعوت احرونوت 19-3-1978).
أما مراسل "جيروزالم بوست" الذي رافق الصهاينة أثناء الهجوم على الخيام فكتب:
"وقفت أراقب برعب وهلع سقوط مئات القذائف على التلة: كنت قد رأيت الخيام بواسطة منظار جيد، وأعجبت بسحر سقوف منازلها الحمراء. إن للبلدة جمالا" رائعا" أخّاذاً، يصلح لأن يكون منظرا"بريديا". كان يمكن أن تكون هذه البلدة مقرا"للراحة في الظروف الطبيعية ... سكتت المدافع مفسحة" في المجال لتقدم المشاة بعد أن انتهت الطائرات من تدمير ما عجزت عن تدميره المدفعية...أذكر أني فكرت وقلت وأنا واقف هناك مذهولا" والى جانبي العديد من المذهولين مثلي نستمع الى صرخات الرعب، قلت ان كمية المتفجرات التي استعملت في التدمير كانت كبيرة جدا" بالنسبة لهذه البلدة ...ولا لزوم للتذكير بأن حادثة الخيام لم تكن الوحيدة، فقد جرت نفس الأحداث في نفس الوقت في أعداد كبيرة من القرى والمدن تلك الليلة....
دخلت الخيام مع أول دفعة من جيش الدفاع، وقد استغرقت رحلةُ عبورنا ثلاثة كيلومترات الى البلدة سبعَ ساعات بسبب تراكم الدمار. كنت قد رأيت الأوتوبيس يوم السبت وما زالت الجثث مطروحة ورائحة اللحم البشري المحروق في أنفي ...كنت أتحرق للإنتقام، ولكني لم أكن مستعدا" لرؤية ما رأيته في الخيام ... لم يبق أثر لأي منزل. لقد دمرت البلدة بأسرها. والأفظع من ذلك أنه لم تقع أية اصابة في صفوف الإرهابيين. ولم نستطع القبض سوى على عدد ضئيل جدا" لا يتجاوز عدد أصابع اليد. كانوا قد هربوا وبقيت الخيام المدمرة الهادئة. تتحمل وزر الثأر الاسرائيلي...لماذا أخبركم عن الخيام ؟ لأنها نموذج للحرب التي بدأتها اسرائيل، وسيصبح لزاما"عليها الآن أن تحمي المسلمين الجنوبيين من هجمات التجمعات المسيحية... لقد ورثت اسرائيل مع المناطق الجديدة المحتلة مشاكل ومتاعب تلك الأرض."
هذا ما قاله هيرش جودمان مراسل جيروزاليم بوست أثناء الهجوم على الخيام في ملحقها نهار الجمعة 24 آذار 1978. أمّا وكالة رويتر فجاء فيها في 15 أيلول 1979 من تل أبيب ما يلي : قال أمس النائب الاسرائيلي يوري أفنيري أن ضابطا" اسرائيليا" هو الملازم دانيال بنتو خنق بخيط من النايلون أربعة مزارعين لبنانيين من بلدة جنوبية خلال الاجتياح الاسرائيلي لجنوب لبنان في آذار 1978 وذلك بعد تعذيبهم. وقد وصف النائب عمل الضابط بأنه جريمة شبيهة بجرائم النازيين. كما اتّهم رئيس الأركان الاسرائيلي الجنرال رفول ايتان بالكذب. ولم تسمح وزارة الدفاع الاسرائيلية بنشر تفاصيل هذه الجريمة الوحشية إلاّ بعد أن نشرت صحيفة لوس أنجلوس تايمس أجزاءً منها بتاريخ 14-9-1979.
يقول النائب الاسرائيلي: إن الضابط بنتو الذي كان يقود فصيلة مشاة أثناء عملية اجتياح الخيام عذّب اللبنانيين الأربعة لعدة ساعات ثم خنقهم حتى الموت بحبل من النايلون وبمساعدة اثنين من عرفاء الجيش الاسرائيلي عاوناه على إلقاء الجثث في بئر"
ويقول ناعوم شومسكي في كتابه "قراصنة وأباطرة" ص 66: " إن تاريخ الخيام غير معروف هنا في أميركا، وقد ألمح زئيف شيف المعلق العسكري لِ هآرتس إلى هذا التاريخ في غمرة عمليات القبضة الحديدية التي رسمها بيريز، وقال زئيف شيف: إنه عندما قامت إسرائيل بغزو لبنان كانت الخيام خالية من السكان... فقد تمَّ طردهم مع سقوط المئات من القتلى على يد القصف الإرهابي الإسرائيلي. أمّا الحفنة الذين بقوا في الخيام فقد تم ذبحهم خلال الغزو على مرأى من كتيبة غولاني على يد ميليشيات حدّاد عميلة اسرائيل... كما كانت الخيام موقع سجن سرّي تديره اسرائيل وحلفاؤها من الميليشيات المحلية في جنوب لبنان حيث يتم احتجاز المعتقلين في ظروف مخيفة ويتعرّضون للضرب والتعذيب بالصدمات الكهربائية، حسبما ذكر النزلاء السابقون ومسؤولو الإغاثة الدولية في المنطقة. وقد ذكر الصليب الأحمر أن الاسرائيليين كانوا يديرون المركز وأن الجيش الاسرائيلي كان يمنع دخول مسؤولي الصليب الأحمر إليه. وقد يكون هنالك المزيد مما يجب قوله حول الهجوم الإرهابي الذي قام به المتعصّبون على الخيام حيث أن أمورا" كهذه تعتبر ملائمة لأن تصبح جزءا" من الذاكرة التاريخية الى جانب عمليات أخرى إرهابية ذات فائدة إيديولوجيّة كبرى، كما أن للنبطيّة حكايات أخرى لا بدّ من روايتها، حيث أن هروب خمسين ألفا" من سكانها البالغ عددهم ستين ألفا" نتيجة الخوف من القصف الاسرائيلي قد غطاه مراسلان من مراسلي الجيروزالم بوست كانا يتجوّلان في جنوب لبنان...."
هذه الوقائع الإجرامية كما ترويها الصحف الإسرائيلية والوكالات الأجنبية والكتب ما هي سوى مثال على المجازر التي ارتكبها الصهاينة في الخيام وغير الخيام. ومن يتسنّى له العودة الى الأرشيف والاطلاع على شهادات المسؤولين في الصليب الأحمر الدولي يتأكد أن مجزرة الخيام التي راح ضحيتها أكثر من أربعين شهيدا" ومجزرتيّ العباسية وكونين وغيرهما من المجازر الشنيعة خلال الإجتياح الإسرائيلي للجنوب اللبناني في العام 1978 هي المثل الساطع لسياسة الفتك والتدمير التي شرّعتها اسرائيل وتوّجتها في مجزرة قانا وجنتا تحت سمع وأنظار ربيبتها أميركا ودول الغرب الإستعمارية التي تدّعي الحضارة والإنسانية. إن مجزرة الخيام والمجازر الأخرى التي ارتكبها العدو بحق الجنوبيين وأهالي البقاع الغربي مستمدة من تراثهم التوراتي الديني، وليست غريبة عن جبلّتهم، وليست جديدة على اليهود وآبائهم وأجدادهم. فالقرآن يحدثنا في كثير من آياته عن بني اسرائيل وقتلهم الأنبياء ونقضهم العهود والمواثيق مع الله، مع رسلهم وأنبيائهم، فماذا نتوقع من قوم هذا تاريخهم بشهادة المحافل الدوليّة.
زعماء العرب لم يحفظوا كرامات العرب:
إنني وأنا الذي عشت مأساة الخياميين وعذاباتهم، أنتهز فرصة ذكرى مجزرة هذه المدينة الوادعة وأنا في الحديث عن إستعراض الإرهاب الصهيوني وفتح سجلاته السوداء وتعداد مجازره الوحشية التي لم تزل تغلّف ضمائرنا جميعا" لأقول إن زعماء العرب لم يحفظوا كرامات العرب ولم يسترجعوا ما سلب منهم عنوة، لأن عورة أنظمتهم قد انكشفت الى الحدّ الذي نجد فيه أنّ إدانتهم لأي عملية فدائية ضدّ جرائم إسرائيل أصبحت أقوى بكثير من إدانة العدوان الأميركي على أي بلد عربي، وأن خلافاتهم كما نشهدها اليوم قتلت نظرية الأمن القومي العربي، وكان من نتيجة ذلك إستباحة العالم العربي بأسره وازدرائه وضعف الوشائج التي تربط بين شعوب الأُمة، كما استُبيحت الأرض العربية والمحرمات كما شاهدناه في أحداث غزة ولبنان والعراق، وأصبح الشارع العربي بجماهيره الغفيرة مشغولا" بقضاياه المحلية وأوضاعه المعيشية بسبب التشرذم والضياع وانعدام المسؤولية الوطنية.... لقد تحول العالم العربي الى مجموعة من الأنظمة السياسية القمعية الحارسة لإمتيازات شرائح اجتماعية حاكمة ظالمة... كان على العرب أن يطّوروا نظامهم الاقليمي الى مزيد من علاقات التعاون والتكامل لكي يكونوا قوة يحسب لها الحساب في النزاعات الدولية. لم يحرس العرب استقلالهم. لم يبنوا تنمية اقتصادية وبشرية. لم يحفظوا أمنهم القومي لم يحضنوا مقاوماتهم، بل تفرقوا في خياراتهم ومساراتهم تحكمهم نزاعات قبلّية ومواقف شخصية وأمزجة وفشلوا في تكوين رؤية شاملة لدورهم بين الأمم... صار النظام العربي القمعي الرسمي مقتنعا" بعجزه ومقرا" بانكشافه على طواطؤ مخزٍ مع أميركا. لكن الشعوب العربية ليست كذلك رغم استباحة حرياتها وتفقيرها بالسياسات الإقتصادية الفاشلة وإشغالها بهمومها اليومية والمعيشية .... لقد استطاعت هذه الشعوب حيثما توافرت لها شروط وظروف المقاومة أن تعبّر عن المرارة والإحتقان المزمن والغضب الكامن في النفوس وأن تقاوم وتسطّر ملاحم بطولية كما حدث في العراق ولبنان وغزة ... والمطلوب منها اليوم وبخاصة من اليسار العربي تحويل إنفعالها الى فعل مدروس لتغيير رموز العمالة وهذه الأنظمة البالية وهذه الزعامات المحنّطة التي تفضلها أميركا من سلالات الأمراء والملوك والسلاطين والقبائل والعشائر المتعددة الزوجات والقصور لتكون امتدادا" لسيطرتها على مقدرات أمتنا.... نعم، المطلوب اليوم إحتضان المقاومة العربية أينما وُجدت وعدم جعلها موضوعا" للخلاف والإختلاف لأنها وحدها التي حمتنا وغسلت العار والذلّ عنّا وأذّلت الجيش الاسرائيلي، ولأميركا التي هي أعتى امبراطورية في التاريخ أن تتذكر المؤتمر الصحفي الوداعي لبوش في العراق في الرابع عشر من كانون الأول 2008 لتستوعب من "صرماية " منتظر الزيدي، هذه الصرماية التي يستحقها كثيرون غير بوش في عالمنا العربي. نعم، لأميركا أن تصف هذا الكيان السرطاني المغروس بالقوة بما تريد من النعوت ولأبناء جنوبنا اللبناني المقاوم أن يظلوا ممسكين بوصايا شهدائهم وشعلتهم التي لا تنطفئ باذن الله تعالى، ولأبناء الخيام أن يتحلّوا بمزيد من التحرك الإعلامي للمطالبة بحقوقهم بعد إعادة بناء مدينتهم بفضل التلاحم بين قادة حزب الله وحركة أمل والتجاوب المشكور من مسؤولي دولة قطر... وليكن معروفا" أن كل قضايانا الأمنية في قرانا وبلداتنا الجنوبية المتاخمة للعدو الصهيوني لا تُحلّ بغير الطرق التي تتبعها المقاومة، لأن الإرهاب كان وسيظل إحدى صفات الصهيونية كفكر وممارسة وكحركة عالمية ودولة، ولا يسمح لنا المنطق ولا البحث التاريخي أن نتخيّل صهيونية غير إرهابية. فالصهيونية وإسرائيل والإرهاب شيئ واحد. وعلى اللبنانيين ألاّ ينسوا ما قاله بن غوريون أول رئيس وزراء للعدو الإسرائيلي في مذكراته في العام 1948: " إن نقطة الضعف في إتحاد العرب تكمن في لبنان. ويجب أن تتواجد حكومة مسيحية فيه حدودها الجنوبية نهر الليطاني، وعلينا أن نعقد معاهدة سلام معها في المستقبل"
عبد الأمير علي مهنا (أديب من الخيام)
حكاية أبو حسين عطوي ولحظة من الانتصار (كتبها عزت رشيدي)
مقالة للدكتور يوسف غزاوي حول أهداف المجزرة
مقالة السيدة نسرين عواضة سليمان حول المجزرة
تعليقات: