على ضفاف الأنهار والينابيع نشأت حضارة الانسان الأول وهكذا بدأت حكاية الانسان الخيامي الاول من على ضفاف نبع الدردارة الذي يتوسط سهل الخيام الفسيح المزدان بالبركة والخير وطيب الذكريات. حيث كان من هذا النبع شراب الخياميين وشراب ماشيتهم التي يقتنوها ويروون زرعهم الذي بذروه وغرسوا شتله في الحقول المحيطة بالنبع.
ومن عباب النبع يستخرج لحما طريا فيه قوت لعياله وضفاف النبع كانت مسرحا يلعب به أطفال الخياميين الأوائل حيث يتسابقون ويسبحون ويمرحون ويصيحون بأعلى أصواتهم تحت سماء زرقاء تنعكس روعة وجمالا على سطح البركة مشكلة اول واجمل اتصال في الخيام بين الأرض والسماء والنسوة تجتمعن على احدى ضفاف النبع توقدن النار للخبز وغسل الملابس واعداد الطعام وغزل الصوف الذي كن ينشنره على أغصان الأشجار المتهدلة بمحاذاة النبع كما كان النسوة يعملن بإعداد المؤونة لفصل الشتاء من حبوب وتين يابس وزبيب وقاورما (اللحم الطبوخ والمملح).
وحين يحين الليل تجتمع الاسر في باحة وسط خيامها قرب النبع يستعرضون ما جرى معهم في النهارات الطويلة التي قضوها في الكد والعناء والتعب وكانم الرعاة والفلاحون يعزفون على الناي والمجوز وسط الاهازيج والضحكات. وتقطر الدبكة الخيامية التي تشتهر بها الخيام وقد تبرعمت زهرة دبكة الخيام الأولى حول النبع الرقراق الذي تعكس مراته على صفحتها في عتمة الليل قمر الخيام ونجومها وهكذا كانت تمضي الايام حول النبع وكأنها عرس جماعي وملحمة انسانية تتكرر فجر كل صباح حيث يتحوكم الفتية والرجال الذين أيقظهم صياح الديكة للوضوء بماء نبع الدردارة العذب استعدادا لصلاة الفجر قبل التوجه الى العمل والكدّ من جديد.
يحلو لأبناء بلدة الخيام وجوارها مراقبة الغروب الخريفي، كل مساء، في مياه نبع الدردارة المعروفة لدى القاصي والداني عند أبناء منطقة مرجعيون، ولطالما تغنى بها أبناء الخيام وذكروها في كتاباتهم وقصائدهم.
كأن الغروب وشمسه يغتسلان في مياه الدردارة، التي تتحول ساكنة قبل الغروب، فيلامس الانعكاس فيها حد المرآة، ثم يتحرك الماء قليلاً تحت جناحي بطة أو أوزرة من طيور "البحيرة" المتحوكمة حول النبع.
يتوسط نبع الدردارة وبركته سهل الخيام، ويغذي معظم أراضيه من خلال قنوات تنتشر طولاً وعرضاً، طوال أيام السنة، إذ أن مياهه العذبة لا تجفّ أبداً. وكانت البلدة وجوارها تعتمد عليه سابقاً كمصدر لمياه الشفة والإغتسال، وكذلك غسل الثياب في زمن لم تكن المياه قد وصلت بعد الى المنازل.
أما اليوم، فيشكل النبع مع بحيرته التي ترتفع أو تنخفض حسب معدل منسوب المطر مصدراً أساسياً لمياه الري في سهل الخيام، وكذلك للتنزه حوله ، وسعت البلدية بعد التحرير الى انشاء أرصفة حول البحيرة ووضعت مخططا توجيهيا لتطوير محيط النبع وتجميله وتقديم الخدمات لرواده ليصبح مرفقا سياحيا يليق بالخيام وأهلها كما أعادت البلدية زراعة الشجر بعدما كان الاحتلال الإسرائيلي قد قطعها في فترة احتلاله للمنطقة قرابة ربع قرن .
* عدنان ابراهيم سمور (عضو المجلس البلدي في الخيام) باحث عن الحقيقة.
23/06/2020
مواضيع ذات صلة:
المهندس أسعد رشيدي: بلدية الخيام.. اذا كان الكلام من فضّة فالسكوت من ذهب
المهندس عدنان ابراهيم سمور: إشراقات صباحات الخيام
المحامي خليل ادريس: الدردارة.. في بحث عدنان سمور عن الحقيقة
الكاتب المهندس عدنان ابراهيم سمور (عضو المجلس البلدي في الخيام)
تعليقات: