حيّان سليم حيدر: علي حسن.. علمٌ وفنٌّ ومحبّة!

الدكتور علي حسن
الدكتور علي حسن


هذا ليس نعيٌ للحبيب علي حسن، هذه ورقة نعوة لمن منا التقط منه فانوس ديوجين ليُكْمِلَ البحث عن بريق أمل أو شهب ضمير أو وَمْضة كرامة. يا ذاهبًا إلى عالم الخيال، إنعي من هناك زيف ماضينا وطيف حاضرنا و،حتى، حيف مستقبلنا.

وهل أبقى عصيّ القلم وقد خَرَجْتَ من السرب، يا صديق درب العمل الوطني الطويل ؟ الجرّاح الأديب الشاعر الذي أمضى خمسة عقود ونيف من الزمن في خدمة الإنسان والإنسانية. يا نافخ النبل في الأخلاق، والجمال في الروح، والتفاني في العطاء، والنخوة في المبادرة. أيّها المسكون أبدا بالهمّ العام. هل فَهِمَت أخيرًا الأجيال التي علّمتَ أنّ نجاح الفكرة يحتّم إخفاء حاملها ؟ حقًا أنّك كما وصفك، ولو قبل الوقت، سليم حيدر أنّك صاحب رسالة:

"ولكن دُعيتُ إلى جهادٍ .. .. ومثلي من إذا نودي أجابا!"

(ملاحظة: الأبيات الواردة في هذه الحزينة بين "هلالين وبهذا الحرف" هي من شعر سليم حيدر الذي أحببتَ بإصرار والذي، يبدو، أنّه تعمّد مخاطبتك، ولو قبل حين.)

لا. لا أريد أن أرثيك وقد غادرتنا، بل غدرتنا ؟ أريد أن أتحدّث إليك، كما عوّدتنا، نحن الآصحاب، وكأنّ فراقًا لم يحدث.

يا إبن بلدة "الدرس والعبرة". يا إبن الخيام البوابة والمُعتقل - الدرس في المناعة السيادية والعبرة.

عرفناك جرّاحًا مناضلًا منذ الصِغر في صفوف الميدان الأمامية، العربي العروبي اللبناني القومي ودائمًا الفلسطيني. وتغادرنا ؟

" أفي كلِّ يوم للعروبة مأتم .. .. يخرُّ به طود ويعفو به رسم؟"

يا صاحب "مستشفى "الأحبّاء" "، نعم الأحبّاء، يا طبيب الروح...

إلتقينا بداية لنؤسّس معًا "سنابل" لرعاية اليتيم في محيطه، وما أنبل !

ثم كرّت سبحة السياسة والمسار والمصير من تأسيس مع الرئيس سليم الحص، أطال الله بعمره، والقدوة والنهج، كانت سلسلة من مساحات لقاء الفكر وحوار السياسة والعمل على مفهوم المواطَنة. وبين بين، كنت نجم ظُرْف الكلام في دوحة الطراوة عند الرئيس الحبيب في مساءات الآحاد.

والعمل العام ولقاءات الودّ: وهل أعدّد؟ المؤتمر والمنتدى والندوة والمنبر والدار وحوار الإثنين عند أبي توفيق و"التغيير" و"الإنقاذ". وبين بين؟ في ركن الشعر في الروضة وعلى كرة الطاولة في مسائيات الحديقة ضمن الحديقة عند موفّق ، وما زال مشروعك للقاء قدامى الأوفياء منتظرًا !

وبعد.. أسمعك تقول فيها كلّها:

"حقائقٌ، لا ريب، موثوقة .. .. لكنها، يا ناس، لا تسعدُ!"

وعلى رغم تقلبات الزمن "صَغُرَت في عينك العظائمُ".

ما أمتع الحديث الخاص معك، حيث تحضر الحبيبة وفيقة، وفيّة الدرب، ومعها إعتزازك، وبحقّ، بإنجازات الدكاترة الإبن وكلّ من البنات، وقد خصّصت لكلّ منهم قصيدة في شعرك في "فُكّي حجاب الحب!". خابت أحلام وبقيت أحلام وأنت:

"ترسم اللذة حُلمًا زاهيا .. .. بتفاويف الخيال الواهيه لذة الأحلام ألا تنتهي .. .. أطيب اللذات تلك العاصيه!"

ولكن، وكما تمنّيت، بقيت فخورًا بما صنعت.

ما أرقى حوار الفكر عندما يمكنني أن أستنجد برأيك لأعارضك الموقف لتتقبّله رجاحة عقلك، فتحاججني مستعينًا بنظريتي لتضحد بها أقوالي فأوافقك المنطق... وهكذا دواليك، صراع مجالدي الفكر "بهدوء" المتصارعين.

يا نافث الذبذبات الإيجابية (Positive vibes)، أيها الهَني. إمتهنت الجمال، في خدمة الناس، في روح الدعابة، في أناقة المظهر، في رصانة المخاطبة. يا جرّاح الكلمة بوصف الأديب والشاعر الدكتور همذان سليمان.

جئت وسؤال الشاعر إيليا أبو ماضي يخالجك "أنا من أنا يا تُرى في الوجود ؟". ومنه إلى أحبّ هواجسك: الفلسفة. تلك التي وجدت فيها شيئًا يربطك بالحياة. أوليس هذا تعريف الحبّ، يا وفيقة؟ الفلسفة التي تتلمذت على فكر هيغيل ونيتشه وزملائهما في ألمانيا التحصيل الجامعي بموازاة الطب والجراحة حيث شرّحت مكوّنات الإلتزام بقسم أبوقراط. ويبدو أن شاعرك قد خصّك هنا أيضًا بقوله:

" ليتني أسطيع أن أنقش في لوح الأطِبَّهْ .. .. عند جالينوس في متن الوصايا المستحبَّةْ

أنَّ ليس الطبُّ في حفظ كتابٍ و دواءٍ إنه علمٌ وفنٌّ واكتناهٌ ومحبَّهْ "

فعلًا إنّه علمٌ وفنٌّ ومحبّة يا ناس ! كنت قد فاتحتني بأنّك بصدد بحث جديد، قيد التكوين، بعنوان "بين الصدفة والقدر"، بحث فلسفيٌ طبعًا. عجبًا ! هل يُعقل أن تكون مَن أدخلني إلى عمق العقل والشعر الفلسفي لوالدي، من طريق الحوارات وشاشة "مسا النور" مضيئًا، مع الإصرار،على المكانة التي يستحق؟ وختمت أبحاثك في "خليقته" بدراسة نشرها لك مركز دراسات الوحدة العربية في اليوم العالمي للغة العربية في آخر عام 2020 ممّا استدرج تعليقات الأصدقاء الأدباء أنّ هذا الصدور كان لمناسبة هذا اليوم العالمي لا بل هو تكريمٌ لهذه اللغة الفحلة. وسألتك: هل هذه صدفة أم قدر ؟ لتجاوب:

"أرى الأقدار تطرحني سؤالًا .. .. وآمل أن أسوق لها جوابا!"

نعم. لقد ذَكَرَتْها أخيرًا الويكيبيديا، تمامًا كما أمّلتَ.

أمّا قول الأحبة ؟

"نحن نبكيه، أيبكي؟ .. .. دمعة الفكر على الفكر ضياء"

تسلني عمّن إفتقدك، بل إسألني عن كلّ من عرفك بأخلاقك ولا يفتقد لها. إسألني بما سنملأ فراغاتنا، بماذا ؟ أَبِترّهات السياسة في لبنان، أو بسخافات زعمائه، أو بتفاهات "المؤثّرين" في العالم، أو بفراهات "متابعيهم" ؟ ومع أصحابك:

"كأنك من ألف عام .. .. مضيتَ ... كأنك حيٌّ يُهاب فلا ثغرنا يُحسن الإبتسام .. .. ولا العين يحرقها الانسكاب"

أبلغتنا أنك "تَكَوْرَنْت". هل كانت هذه شَوْشَحة الوداع ؟ ذهبت وتركت سؤالنا المحلولك دون جواب: أهو وباء جاء من مرض الضجر... أم مصيبة تسبّب بها حقد البشر ؟

"أيا شاعر الشكِ أين اليقين؟ .. .. أيومض حول اليقين ارتياب؟"

لقد "طويت الليالي وحيدًا فلما .. .. طوتك الليالي تفشّى المصاب"

نعم لقد كَثُرَت أسئلتي حتى أيقن القارىء أنّي إبن ذاك شاعر السؤال. فعذرًا صديقي..

ولأنّ لكلّ بداية نهاية، وقبل أن تضعنا في مهبّ أسئلة جديدة، وإعدادًا لسؤالك اللّابد منه:

"إلهي َ حلمك، أين المفرّ .. .. ووجه السؤال استوى واستقرّ لماذا؟ وكيف؟ وأين؟ وممّ؟ .. .. عدمت صوابي بهذا الهذرْ !"

لا. لن أُزيل هذه الضحكة المُشْرِقة على خلفية مساء دبي عن وجه جوّالي، فهي عنوانك.

تذكير: لا تنسى تنزيل على شاشة الخلود لديك تطبيق بإسم "فلسفة الوجود"، ثمّ أكبس على خانة "لماذا" كي يتسنّى لنا التلاقي على الأجوبة العصيّة.

وأختم بوصف علاقتنا ؟

"حياةٌ زهاء الأربعينَ تصرَّمَتْ .. .. ومتَّ وحبلُ الود لن يتصرما أَجِزْ، لي أخي علي، بعدكَ دمعةً .. .. فقد كنتُ لا أجزيكَ ألا التبسما..."

من مكان ما في الكون، في 31 كانون الثاني 2021م.


* حيّان سليم حيدر.

تعليقات: