أبا نادر ترجلت.. والألم يعتصرك على فلذة كبدك الراحل


بلغ الألم مداه برحيل المربي فيصل حسن محمود الحاج محمد الأفندي عبدالله، فهو أستاذ جيل كامل من أبناء الخيام الذين نشأوا وتربوا على يديه، فقد بدأ مشواره مع التعليم في منتصف ستينات القرن المنصرم وبقيَ يؤدي رسالته التعليمية الى أربع عشرة سنة خلت. فقد عُرف عنه مناقبيته المتفانية في أداء رسالته التربوية، فكبر معه التعليم ولم يكبر هو بالمهمة، وكأن أمير الشعراء كان يُلمح اليه عندما أردف قائلاً: "كاد المُعلم أن يكون رسول".

بدأ مشواره بالتعليم مبكراً في بلدته الخيام التي أحبها، فبادلته الحب والايثار، ونظرا لصغر سنه في التدريس حينذاك، فكان بمثابة الأخ الأكبر لتلامذته، منتزعاً من أذهانهم تلك الفكرة القديمة للمعلم الذي لا يدخل الفصل الدراسي الا والعصا بيده، فوجد أولئك التلاميذ ضالتهم المنشودة بشخصه الكريم، فكان مربياً قبل أن يكون مدرساً، وكانت رسالته التربية في المحلة الأولى ومن ثم تدريس المنهاج الموضوع لهم. فنشأ جيلاً في الخيام تتلمذ وتربى على يدي تلك الصفوة من المعلمين الأفذاذ الذين اعتبروا مهنتهم رسالة قبل أن تكون وظيفة، وكان أبو نادر في طليعتهم.

وتكالبت المعضلات الإقليمية على الجنوب اللبناني بعد سنة ونيف من اندلاع الحرب الأهلية في بيروت والجبل في منتصف سبعينات القرن الماضي، وعصفت بشعلة لهبها للجنوب الحزين وكأن هذا الجنوب لم تكن تكفيه بلاءه من أذية وعربدة جارة السوء المتمثل بالكيان الصهيوني الغاصب، حتى استعرت بين جنباته لهيب الحرب الأهلية تلك، وكان لبلدته الخيام نصيبها منها، حتى تم تهجير أهلها بالكامل، مع الفظائع والمجازر التي ارتكبتها دولة الكيان المتغطرس، فيمم الأستاذ أبو نادر وجهه شطر العاصمة، التي احتضنته وبادر فوراً بالعمل التربوي في مدارسها، حيث كانت تجربته التعليمية قد انضجت وأخذت تعطي أُكلها البهي، ولم يبخل على تلامذة العاصمة من ايلائهم جهده وتعبه في العناية بهم وتزويدهم بالمعرفة الأصيلة والتربية القويمة، والذين ما زالوا الى الآن يذكرون فضله عليهم.

رسالة التعليم كانت هاجسه وإداء المهمة على أكمل وجه كان ديدنه، فوضع عصارة فكره بالتعليم وخالص تجربته المضنية بالتربية القويمة، وذلك عبر تأليف عدد لا يستهان به من كتب المنهاج التربوي التي أصبحت النبراس الذي استضاء به دفعات تلو دفعات من طلبة المراحل الدراسية المختلفة، ونالت الاستحسان والتقدير من العديد من التربويين والنقاد الأدبيين، مادحين أسلوبه التربوي البارع الذي جُبلت به تلك الكتب المنهجية المُعمدة بالفرادة العلمية المتمايزة.

عرفته وأنا صغيراً في مطلع سبعينات القرن الماضي بحكم القرابة وجيرة أهل زوجته، فكانت شخصيته الصارمة تطغى على طلته الباهية، مقرونة بوقار المُعلم الجدّي الرصين، مع حرصه الفائق بمجتمعه الصغير من حوله، فكانت هذه الصورة التي طُبعت في مخيلتي صغيراً، الى أن تمت إعادة التعرف اليه بعد التحرير، فوجدت به ذلك الأديب المتزن، والمثقف المُلهم، فتبادلنا الزيارات، والجلسات، تلو الجلسات، فكانت بحق جلسات علم ومعرفة وسبرٍ في أغوار تجربة عميقة بين الأدب والتربية، واذا تكلم أعطى خلاصة جهد سنين مضت ما بين القلم والكتاب، وما بين البذل والعطاء.

الى أن حمل له الطائر المشؤم الخبر المفجع برحيل نجله الأصغر في ديار الغربة أثر حادث سير أليم قضى على ذلك الشاب العصامي، الذي لم يحمله وطنه، فيمم وجهه شطر الاغتراب تاركاً خلفه أب وأم يتلهفون دوماً للحظة عودته الى أحضانهم مجددا، لكنه عاد مطوقاً بقطعة قماش. فسوّدت الدنيا في عيني ذلك الأب المكلوم بفقدان الأبن الذي طال غيابه، وتغيّرت حال الأستاذ أبي نادر، وفارقت البسمة ثناياه، وغادرت بارقة الأمل مقلتاه، فغدى انسان أخر غير الذي عرفناه منذ خمسين عاماّ ويزيد، فأصبح شارد الذهن، مُقلّ الحديث، الصمت عنوانه، والحزن يرسم امارات اللوعة على مُحياه، فبكاه بدل الدمع دماً وكتب في الغياب أوجز خواطر المناجاة لفلذة كبده تلك.

وفي ظهيرة يوم الأحد (12 شباط 2023) طوى الخيام خبر وفاة الأستاذ الأديب أبو نادر، حيث لم يستطع ذلك المرء من المكابدة أكثر على فراق الأبن الراحل، فكان الرحيل الأوجب وإن كان السبب المرض العضال، ولكن تعددت الأسباب والفراق واحد، وفي اليوم التالي كان الجثمان على أكفّ محبيه وأهله، يشيّعونه الى مثواه الأخير، ورقد أخيراً بجوار نجله الأصغر في جبانة بلدته التي أحبها "الخيام"، وسط حشد كبير من أقرانه وزملاء رسالته التربوية يتقدمهم الأستاذ فايز عباس أبو عباس، المربي الأديب علي محمد عبدو خليل، الأستاذ حسين نعيم خريس، والأستاذ أحمد علي نعيم خليل عبدالله، وتلامذة الفقيد الذين تربوا ونشأوا على يديه منذ نعومة أظفارهم، وجموع الأهل، الأقارب، رجالات العائلة، وجهاء مدينة الخيام، بالإضافة الى الأصهار والأنسباء من مجمل أصقاع محافظة بعلبك وجبل عامل وبالأخص من بلدة عديسه، وعموم آهالي مدينة الخيام، كما وشاركت وفود رسمية من مختلف القطاعات العسكرية، الأمنية، والادارية في المنطقة، حيث أقيمت صلاة الجنازة بإمامة سماحة الشيخ عبدالله الحاج عباس عبدالله، ومن ثم تمت مواراة الفقيد الغالي جدث الرحمة، وبعدها اصطف ذوّي الفقيد لتقبل العزاء من عموم الأهل والأحبة، والأقارب بالإضافة الى أعضاء الوفود الرسمية، المهنية، والشعبية والفعاليات الحزبية المحلية المشاركة في مراسم التشيّع، حيث شارك العميد الركن جميل كوسى، القاضي (شرف) فيصل حيدر، المدير العام السابق بوزارة الطاقة والمياه غسان بيضون، العميد (م) عدنان نعمان داود، العميد (م) محمد حسين عبدالله، مدير ثانوية الخيام الرسمية الدكتور محمد علي وهبه شكر، الدكتور لؤي علي نصرت عبدالله، نائب رئيس بلدية الخيام السابق المهندس محمد كامل سطام عبدالله، المهندس حسن محمد نعيم خليل عبدالله، المهندس حسن يوسف السيد علي، الحاج عماد يوسف عبدالله، ولفيف من أعضاء المجلس البلدي الحاليين والسابقين لمدينة الخيام وعدد من مختاري الخيام، وغيرهم الكثيرين.

وفي ضحى اليوم الثالث للوفاة والذي وافق يوم الثلاثاء (14 شباط 2023)، أقيم مجلس عزاء حسيني في منزل الفقيد في مدينة الخيام، حيث قرأ المصرع فضيلة الشيخ حسين عبدالله بحضور بعض الزملاء التربويين للفقيد يتقدمهم الأستاذ حسن محمد الحاج عبدالله، وجمع من الأهل والأقارب والأنسباء والأصهار.

ومن جانب أخر، فقد تقدم سعادة نائب مرجعيون حاصبيا "الحاج علي حسن خليل" جمهرة المعزين خلال إقامة مراسم تقبل واجبات العزاء والمواساة في جمعية التخصص والتوجيه العلمي في مدينة بيروت، وذلك يوم الأربعاء (15 شباط 2023) حيث كان في الاستقبال العقيد المهندس نادر فيصل عبدالله (نجل الفقيد)، والدكتور محمد عبدالله والحاج محمود عبدالله (شقيقي الفقيد)، وصهر الفقيد الدكتور عماد محمد كمال عبدالله، وبحضور البروفسور د. جهاد علي الحاج خليل عبدالله. وكان قد حضر معزياً المدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي اللواء (م) إبراهيم بصبوص، وقائد جهاز أمن السفارات والإدارات والمؤسسات العامة العميد الدكتور موسى كرنيب، العميد الركن جميل كوسى، الامين العام المساعد الاسبق لمجلس وزراء الداخلية العرب العميد البروفسور د. فضل حسن ضاهر، مؤسّس ورئيس «مؤسسة عامل الدولية» الدكتور كامل أسعد مهنا، القاضي (شرف) فيصل حيدر، وزوجته القاضي الهام محمد كمال عبدالله، المحامي العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضي رامي علي عبدالله، عضو المكتب السياسي لحركة أمل المحامي علي عبدالله (سرعين - البقاع)، السيد عدنان توفيق عبدالله التنوخي ونجله عباس عبدالله التنوخي، العميد (م) غالب حسين مهنا، الدكتور أسعد عبدعلي فاعور، الدكتور محمد أبو حمد، الدكتور محمد علي إبراهيم صادق، الفنان التشكيلي الدكتور يوسف حسن محمد غزاوي، المحامي د. سامر بعلبكي، الأستاذ عصام أسعد مهنا، المهندس نبيل حسين عبدالله، المهندس علي سلمان عبدالله، المهندس شادي حسين أسعد إسماعيل عبدالله، الحاج عماد يوسف عبدالله، رئيس المنظمة العربية لذوي الاعاقة وعضو الهيئة الوطنية لشؤون المعوقين في لبنان إبراهيم إسماعيل عبدالله، رئيس تحرير مجلة كواليس ومراسل تحقيقات مجلة الأمن الداخلي الإعلامي فؤاد رمضان، الإعلامي أحمد محمد سعيد حسان، والعضو المؤسس للجمعية اللبنانية للشئون العقارية سامر عصام عبدالله، المحامي فادي ضاهر سويد، كوكبة من كبار ضباط مختلف القطاعات العسكرية والأمنية، ثلة من رفاق وزملاء الفقيد التربويين يتقدمهم الأستاذ علي نعيم خريس، الأستاذ سهيل عبد علي يونس، الأستاذ حسن خليل محمد علي خليل عبدالله، والأستاذ حسن محمد الحاج عبدالله، جمع غفير من رجالات العائلة وفعالياتها، وحشد من أصدقاء وأصحاب وزملاء ذوّي الفقيد المقيمين في مدينة بيروت وضواحيها.


الحاج أحمد مالك عبدالله

الخيام: 16 شباط 2023

























































































































































































تعليقات: