المربي الراحل الأستاذ نايف علي مرعي (أبو فؤاد) وفي الأعلى صورة ابنه المهندس الشهيد مرعي
لا يمكننا المرور مرور الكرام أمام حدث وفاة الأستاذ الجميل نايف مرعي. فمنذ كنّا أطفالًا صغارًا ونحن نحفظ هذا الاسم في عقولنا وقلوبنا وأفئدتنا. وكلّما كبرنا في السنّ كبُر معنا هذا الحبّ لهذا الإنسان. أمّا السبب فهو الكاريزما التي تحلّى بها، والمنهجيّة التعليميّة التي رافقته، والمعاملة اللطيفة لتلامذته في المدرسة الرسميّة؛ فللمدرّس دور كبير في جعل المتعلّم محبًّا للمدرسة والبقاء فيها، أو التسرّب منها، كما حصل مع العديد من زملائنا أثناء وجودنا في المدرسة في البلدة، والسبب الرئيس هو كيفيّة تعامل بعض المدرّسين مع تلامذتهم، وكيفيّة إيصال المعلومة بطريقة محبّبة أو منفرة، وما تتركه من انعكاسات على المتعلّمين ومستقبلهم. لقد ذكرتُ سابقًا في كتاباتي أحد المدرّسين الذين لا علاقة لهم برسالة التعليم وروحها، فكان أسلوبه ساخرًا استهزائيًّا إرهابيًّا مقيتًا زرع في نفوسنا بعض العقد حينها، وكانت له نتائج سلبيّة بامتياز.. أذكر هذا الشيء لأشير إلى دور الأستاذ نايف في جعلنا نستمرّ في التعلّم والمتابعة. كان الأستاذ نايف استثنائيًّا في حصوله على هذا التكتّل الكبير والدائم من المحبّين عبر السنوات والأجيال التي مرّت على المدرسة.
لن أتحدّث عن مسيرته التعليميّة ومحطاته، بل عن معرفتنا به عن كثب كتلامذة، أوّلًا، ثمّ كأصدقاء لأولاده، وله، فيما بعد..
ماذا عسانا نقول عنه؟ ومهما قلنا نبقى مقصّرين، ولا نفيه حقّه..
كان إنسانًا عزيزًا، كبير النفس والخلق والعطاء والانتماء والدماثة، يندر وجوده في زمن وبلد الفساد والتدهور الأخلاقيّ والثقافيّ.. نذكره مديرًا ومدرّسًا استثنائيًّا، أنتج وأخرج أجيالًا من المدرّسين الذين خرّجوا، بدورهم، أجيالًا من المتعلّمين..
نايف مرعي إسم وإنسان لا يتكرّر، ووالد محبّ، وصديق لكلّ الأجيال، كم كنّا نأنس لحديثه ودماثته وقلبه الكبير. تسنّى لي التعرّف إليه عن كثب، ليس فقط في المدرسة الرسميّة عن طريق المعلّم والمتعلّم، بل أيضًا في منزله العائليّ كوالد محبّ ناجح وربّ منزل، حيث ابنه الدكتور نهاد زميل صفّي وصديق طفولتي ولهوي، وكذلك الأخ الدكتور فؤاد والأستاذ حسن..
عندما نذكر التعليم في الخيام يتبادر إلى ذهننا اسمان بارزان: المرحوم أبو عبدو، المعلّم الأوّل ما قبل التعليم الرسميّ. هذا الأبو عبدو جسّدته في جداريّة الخيام المرسومة والملوّنة على أحد الجدران الظاهرة في ساحة الخيام التي تتحدّى في هذه الأوقات الحقد والتدمير الصهيونيّ..
أمّا الإسم الآخر فهو "الأستاذ نايف مرعي" في مرحلة التعليم الرسميّ المدرسيّ في الخيام. هو بالطبع ليس الوحيد في مجال التعليم حينها، بل هو الوحيد في كبر قلبه ومحبّته وإخلاصه وطيبته ودماثته. أستاذ الأستاذة (تخرّج معظم أستاذة الخيام على يده) ومدير المدرسة البشوش والطيّب والناجح بأسلوبه وإدارته حيث حصد محبّة الجميع واحترامهم. حافظ على عطائه وتواصله الاجتماعيّ مع الآخر حتى الرمق الأخير قبل أن تخونه حواسه في التواصل والتعبير؛ فبالرغم من تسعينيّاته كان صديقًا friend ناشطًا على الفيسبوك، يتابع الأحداث ويعلّق بخفّة روح، وجمال نفس، وأناقة كلمات. ثمّ مرّ وقت طويل، وغاب معه التواصل. عرفنا أنّ السنوات والجسد المتعب تخون هذا القلب. لقد ملّ الانتظار في هذه الحياة القاسية، وقرّر أخيرًا الالتحاق برفيقة دربه، قرينته المرحومة الحاجة زينب فاعور، وبأولاده الشهداء المهندس مرعي والشهيدة مريم وزوجها، والمرحوم الدكتور نهاد والمرحومة جمال الخلوقة الطيّبة.. عائلة مرموقة مفعمة بالعلم والعطاء والشهادة. تخيّلوا مدى الخسارة التي عاناها قلبه بفقدان فلذات قلبه على مدى السنوات الطوال الثقال! أقول بالرغم من ثقل ووجع هذه الخسارة بدا متماسكًا كبيرًا متفهّمًا لقساوة الحياة وخذلانها..
أستاذ نايف مرعي جزء هام من تاريخ الخيام، لن يُنسى مهما مرّ الزمن..
السلام لروحك أبا فؤاد..
تعليقات: