اسماعيل حيدر حيدر.. مؤسس أول فريق كرة قدم في الخيام
تحدثنا في الحلقات السابقة عن تاريخ نشأة الرياضة والتدريب الرياضي في الخيام منذ بداياتها الأولى في النصف الأول من القرن الماضي والتي كان مصدرها بلاد الإغتراب التي قصدها الخياميون في القارة الأميركية وفي بعض دول الخليج كما بينا تفصيل نشأة رياضة كرة الطائرة في المدارس الرسمية نظرا لوجود أساتذة رياضة من خريجي دار معلمي الرياضة واستعرضنا أهم الإنجازات الرياضية التي حققها فريق كرة الطائرة بين العام 1960 والعام 1977 تقريبا ورأينا أنه من المناسب أن نبدأ في هذه الحلقة بتسليط الضوء على نشوء فريق كرة القدم الخيامية بعيد نشوء فريق كرة الطائرة مع عرضٍ لظروف النشأة وأهم المحطات والإنجازات التي مرَّ بها فيق كرة القدم الذي لم يكن أقل أهمية من فريق كرة الطائرة وكان له إنجازاته وآثاره القيمة في تنشيط الحياة الشبابية وتعزيز دور الخيام في محيطها.
وبعد الإنتهاء من عرض الحلقات الخاصة بكرة القدم الخيامية حتى العام 1977 سنسلط الضوء بإذن الله على أدوار الرياضيين الخياميين الذين تابعوا نشاطهم الرياضي خارج الخيام في فترة التهجير جراء إحتلال العدو الصهيوني وعملائه للخيام من العام 1988 حتى العام 2000 .
مصر رائدة النشاط الرياضي العربي في فترة حكم الرئيس جمال عبد الناصر.
في خمسينيات وستينيات القرن الماضي كانت مصر هي زعيمة العالم العربي والنموذج العربي الأكثر حيوية وتقدما في المجال الرياضي وقد إشتهرت فيها لعبة سميت كرة الشراب التي خرَّجت كبار اللاعبين المصريين لاحقا وكانت الأندية المصرية تصنع كراتها من القماش من شدة الفقر حيث كانت الفرق المصرية تتألف من فتية يحولون شوارع قراهم ومدنهم الإسفلتية إلى ملاعب كرة قدم وكان هذا النوع من الرياضة يستقطب حشودا جماهيرية ضخمة . وتأثرا بهذا الواقع كان فتية لبنان يقلدون فتية مصر فيصنعون كراتهم من القماش ويلعبون في الشوارع وحيث يتوفر لهم أمكنة قابلة للإستصلاح وكان الناس يتحمسون كثيرا لهذا النوع من الرياضة خاصة أنه لم يكن يتوفر وسائل إعلام أو وسائل تسلية تشغل الناس وتملأ وقتهم يومها.
إنتقال تجربة بيروت الرياضية إلى الخيام.
كان حيدر إسماعيل جنديا في الجيش اللبناني، وكانت خدمته في إحدى ثكنات بيروت الأمر الذي ألزمه أن يسكن مع عائلته في شارع البدوي في إحدى ضواحي بيروت ذات الأغلبية الأرمنية ،وفي هذا الحي تَشَكَّل نادي الهومنمن الذي كان كثيرا ما يفوز ببطولة لبنان في تلك الأيام ، وكان محمد حيدر(1948)هو الإبن البكر لحيدر إسماعيل ذو ميول كروية منذ سنوات طفولته الأولى، وقد أثرت ميوله هذه على بقية إخوته الذين إنتقل سكنهم لاحقا إلى منطقة صربا شمال بيروت حيث كان يوجد هناك نشاط رياضي مهم نتيجة وجود فريق الأهلي صربا، في تلك المنطقة قام محمد حيدر بتشكيل فريق من أبناء الحي، وكان أخوه إسماعيل(1953) أحد أعضاء الفريق النشطين، وكان الفتية يومها يلعبون ويتدربون على لعب كرة القدم كلما سمحت لهم الفرصة، خاصة في فصل الصيف حيث العطل المدرسية.
عام 1966 إنتقلت خدمة حيدر إسماعيل إلى ثكنة مرجعيون فعاد مع أسرته إلى الخيام حيث بدأ الفتى إسماعيل يسمع من زملائه أن في الخيام فريق كرة طائرة فيه لاعبين محترفين وبدأ يسمع أن سهيل عبدالله لاعب كرة طائرة خيامي بارز وكان يلعب مع فريق بعبدات الذي كان يعد أحد المنتخبات المهمة في لبنان يومها .
إسماعيل حيدر أيقونة كرة القدم الخيامية.
في العام الأول لعودته إلى الخيام درس إسماعيل حيدر في مدرسة العناية التي كان يديرها الأستاذ حسن يوسف مخزوم حيث كانت دائرة علاقاته لا تزال ضيقة نسبيا ولكن في السنة التالية إنتقل إلى المدرسة التكميلية في الجلاحية وهناك إتسعت دائرة علاقاته ومعارفه حيث تعرف على (كامل زعرور - خليل زعرور - شبيب عبدالله - حسن زهرا - - عزت كامل رشيدي - علي سلمان عبدالله - أحمد العجوز - (خليل طويل - ناجي زعرور - حسين علي عطوي الذين كانوا من حراس المرمى المشهورين)).وبعد فترة من التعارف وإكتشاف الشباب لمستوى المهارات في كرة القدم التي حملها معه إسماعيل حيدر من ضواحي بيروت أعجبوا به وإقترحوا تأسيس فريق كرة قدم بإدارته وإشرافه وهكذا بدأت رحلة فريق الخيام نحو التألق الرياضي في كرة القدم بقيادة الكابتن إسماعيل حيدر.
الإنطلاقة الأولى وصعوباتها.
* كان الملعب الأول عبارة عن أرض يقال لها البيدر الذي يَرْجُدُ (يَنْقُلُ) إليه المزارعون محاصيلهم من الحبوب على ضهور الجمال بعد حصادها،وعلى أرض البيدر يقومون بدرسها وتذريتها في الهواء لِفَصلِ حبِّها عن تِبْنِها وكانت أرض البيدر تحوي نتوءآت وحُفر وجذوع أشجار تحتاج إلى تسوية وإستصلاح لتصبح صالحة للعب كرة القدم .وكانت التدريبات الأولى على هذا الملعب قبل إستصلاحه غالباً ما يخرج منها اللاعب مجروح القدم أو مفكوشها وربما تكون الإصابة للقدمين معاً ويساعد على ذلك الأحذية الرديئة التي كانت تشتريها للاعبين أمهاتهم من سوق
أمهاتهم من سوق الخميس وغالبا ما تكون هذه الأحذية من البالية ومصنوعة من مواد صلبة قابلة لتحمل الصدمات والخشونة لِتُعَمِّر أطول مدة ممكنة ولكنها خشنة ومؤذية لبشرة الأقدام.
* من الملاعب التي إعتمدت أيضا قلعة الحاج يوسف حسين قرب حاووز المياه (ومصطلح قلعة كان معتمدا للإشارة إلى قطعة أرض تقع عند أطراف الخيام مثل قلاعي سلوم أو قلعة فلان ) وكان هذا الملعب يشرف على سهل الوطى وجبل الشيخ وإذا شاط أحد أعضاء الفريق الطابة بقوة شرقاً كان من الممكن أن تظل الطابة تتدحرج حتى تصل إلى سهل الوطى ورغم تلك الخطورة كان الشباب يستمرون باللعب والتدريب ويلحقون بالطابة ويمسكوها قبل النزول إلى أسفل السفح.
* إعتُمِد ملعبٌ ثالثٌ لكرة الطائرة فوق سقف ملاجىء المدرسة التكميلية ولا زال الشباب يذكرون أداء علي عبود شديد الحماس في إستصلاح أرض هذا الملعب الأمر الذي يذكرهم بحماس عمار إبن ياسر في بناء أول مسجد في الإسلام (مسجد قباء في المدينة المنورة).
* بعد إكتمال بناء مدرسة البركة تم إعتماد ملعبها الذي كانت أرضه مفروشة نحاتة بداية كملعب لكرة القدم حينا واحيانا ملعب لكرة الطائرة ولاحقا تم صب أرض الملعب بالباطون.
* كان أعضاء الفريق يشتركون لشراء طابة وملابس رياضية وخيطان مصيص لصناعة شبك وكانت مساهمة كل عضو تتراوح بين فرنك وعشرة قروش.وهذا الوضع كان قائما قبل تأسيس نادي المكتبة.
* كان اعضاء الفريق يصنعون المرمى من عارضات خشبية ويصنعون الشباك من خيطان المصيص التي يتم شراؤها من محل حسين علي عواضة أو محمد عواضة (أبو أحمد).
* يذكر إسماعيل حيدر أن أول طابة إشترتها إدارة المدرسة للفريق كان حجمها ثلاثة أضعاف الكرة المعتمدة بشكل رسمي والمتعارف عليها دولياً. وكانت من نوع (براني جواني) التي يتم نفخها بالفم ويطعج الأنبوب الذي يدخل منه الهواء ويحشر تحت البراني وإذا فخت الجواني لا قدر الله يتم تلحيمه عند السكاف أو البنشرجي.
متابعة أخبار الرياضة العالمية.
قبل العام 1968 كان عدد أجهزة التلفاز في الخيام محدود جداً.وكان في محل عبدالله حيدر في الساحة أعحد هذه الأجهزة التي كان صاحب المحل يُلزِمُ من يريد حضور المباريات في محله من الشباب المتحمسين على جهاز التلفاز الأسود والأبيض الموجود عنده بشراء البوظة التي كان يحافظ على برودتها قبل دخول الكهرباء إلى الخيام بواسطة كميات من الثلج يأتي بها المكارية يوميا من تلال ومرتفعات شبعا في أعالي جبل الشيخ وكان الثلج يحمل بواسطة أكياس جنفيص على ضهور البغال ويوضع داخل برادات خشبية معزولة.ومن ليس لديه المال لشراء البوظة لا يحق له حضور المباريات ولا حتى إستراق النظر من الخارج.
بعد العام 1968 إنتشر التلفزيون في بيوت الخياميين وتمكن الشباب المتحمسون للرياضة من متابعة أخبارها العربية والدولية ومن حضور مباريات الفرق المصرية على قناة تلفزيون لبنان القناة (7) التي كان مركزها في تلة الخياط ولاحقا تم فتح القناة (11) التي كان مركزها في برج رزق في الأشرفية.
في تلك الفترة إنتشر في لبنان بيع الأدوات الكهربائية بالتقسيط خاصة لفئة الموظفين الحكوميين خاصة الأساتذة والعاملين في سلك الجيش والأمن العام لأن هؤلاء يعتبرون أصحاب مداخيل مضمونة كل آخر شهر الأمر الذي يشعر التجار بالطمأنينة أن أموالهم من الصعب أن تضيع.
بما أن والد إسماعيل حيدر كان عسكريا فقد كان من أوائل الذين إشتوا جهاز تلفاز في الخيام وكان جيرانهم في الحي يتوافدون صغارا وكبارا إلى منزلهم لحضور برامج التلفزيون مثل أبو ملحم وأبو سليم وفارس ونجود وجوال وأخوث شناي وكان الشباب يتابعون مباراة الدوري الألماني المسجلة والتي كانت تعرض أيام الآحاد وقد إستمرت على هذا الحال مدة طويلة من الزمن.
أما موضوع هوائي التلفزيونات فكان عبارة عن قسطل يعلوه شبك مكون من مادة الألمنيوم ويوجه إلى محطات التلفزيون الأرضية فيدار أحيانا بإتجاه عمان عاصمة الأردن وأخرى بإتجاه دمشق وثالثة بإتجاه بيروت حسب الرغبة وتغيير إتجاه الهوائي فوق السطح في فصل الشتاء امر دونه ما دونه نظرا للمطر وشدة الصقيع في بلد كالخيام خاصة في الليل حيث يدار الهوائي ويبدأ الصراخ من فوق السطح ليرد الحاضرون داخل المنزل إن كان قد نجح توجيه الهوائي أم لا وقد يضطر الأمر وجود منسق بين مشاهدي التلفزيون في الداخل وموجه الهوائي الواقفةعلى السطح ويقف المنسق في الدار وينقل الرسائل الصوتية بين الفريقين. ولا حقا تم اعتماد طريقة الهوائي المتحرك بواسطة موتور كهربائي فكفى الله المؤمنين شر القتال.
في بداية سبعينات القرن الماضي بدأ اللبنانيون يشاهدون مباريات عالمية مباشرة على شاشة التلفزيون وكان نجم اللاعب البرازيلي بيلة متألقا بشكل أسطوري كما كان إسم اللاعب الهولندي (creuyve) . ومن الفرق المصرية المشهورة يومها كان الزمالك والأهلي والنادي الإسماعيلي الذي تم الإستفادة من إسمه نظراً لوجود تناغم بينه وبين إسم إسماعيل حيدر حيث سمي فريق الراضيين الخياميين الصغار (الفريق الإسماعيلي) التي يمكن فهمها على وجهين الأول نسبة لمدينة الإسماعيلية المصرية والثاني نسبة إلى إسماعيل حيدر كابتن الفريق وقد كتب هذا الإسم على كنزات الرياضيين يومها.وكان الخياميون يفتخرون برياضييهم ويطلقون خاصة على المميزين الهدافين منهم أمثال إسماعيل حيدر إسم بيلة الخيام.
أول مباراة كرة قدم لفريق .الخيام خارج الخيام.
كانت خبرة فريق الخيام منحصرة بداية على ملعب البيادر الذي سبق ذكره حتى تلقى الدعوة الخارجية الأولى له والتي وجهت إليه من فريق مرجعيون في كرة القدم،وقد جرت هذه المباراة على ملعب الجيش قرب ثكنة مرجعيون وفاز فريق الخيام في هذه المباراة المتكافئة بنتيجة واحد صفر وقد سجل الهدف الكابتن إسماعيل حيدر،الأمر الذي دفع الحكم إلى الإفتراء على فريق الخيام برتسجيله ركلة جزاء فاكفهرت الوجوه وخطفت الأنفاس ولكن المفاجأة التي حصلت أن اللاعب المرجعيوني الذي شاط الطابة أخطأ المرمى وفاز فريق الخيام بالكأس.ولا زال يذكر إسماعيل حيدر أن عزت رشيدي أسرع نحوه بعد فشل اللاعب المرجعيوني بالتسديد وهمس في أذنه أنه كان يعرف سلفاً أن ركلة الجزاء ستفشل.عندها سأله إسماعيل حيدر "كيف عرفت ذلك؟" فأجابه "لأن الحذاء الذي ينتعله اللاعب الذي ركل الطابة كان بوزه معكوف" ولاحقاً علَّق أحد الظرفاء على هذا التحليل والإستنتاج بالتالي " العرافون يتوقعون ويعرفون الطالع من خلال شكل الكف أما أعضاء فريق الخيام فإنهم يعرفون نتيجة المباراة سلفاً من خلال شكل بوز الصباط".
المصادر:
1- إسماعيل حيدر.
2- كامل زعرور.
الى اللقاء مع حلقة أخرى من تاريخ الخيام. على أمل أن نقوم بإغنائها بكل إضافة يمكن أن تقدم لنا من أهل الخيام الطيبين والذين لديهم معلومات تفيد.
* المهندس عدنان إبراهيم سمور، هاتف & واتس: 03/209981
باحث عن الحقيقة
10/12/2021
مقالات الكاتب المهندس عدنان سمور
مواضيع ذات صلة:
عدنان سمور: تاريخ الرياضة في الخيام (ج 1)
من تاريخ الرياضة في الخيام (ج 2).. الكرة الطائرة
من تاريخ الرياضة في الخيام (ج 3).. المكتبة العامة
من تاريخ الرياضة في الخيام (ج 4)..
من تاريخ الرياضة في الخيام (ج 5) كرة القدم..
اسماعيل حيدر حيدر
تعليقات: