كان التوجه نحو القنيطرة جزءاً من خطوة استراتيجية أكبر، ففي الرابع عشر من حزيران، تم دمج معظم القوات العاملة في منطقة مرجعيون تحت قيادة المقدم موناغان، وهذه القوات عبارة عن الكتيبة (2/33)، وسلاح الخيالة الأسترالي السادس، وفوج المدفعية الميدانية العاشر، ومفارز المدفعية المضادة للدبابات، وفوج الهندسة التي كانت جميعها حتى ذلك الحين تحت أمرته الفعلية، وأضيف إليها وحدتي قتال كانتا متواجدتان في المنطقة تحت قيادة الجنرال لافاراك، وهما قوات الاسكتلنديين التي كانت منتشرة حول مرجعيون وكان على رأسها العقيد تود، والأخرى الرواد 2/2 (بايونيرز) التي كانت متموضعة بالقرب من جسر الليطاني مع بعض القوات الأخرى العاملة في نفس المكان.
أوردت مذكرات الحرب الخاصة بالفرقة 7 على أنه في الرابع عشر من حزيران، قام القائد العام للقوات المسلحة بزيارة الى اللفتنانت كولونيل موناغان وأعطاه الإذن للقيام بهجوم محدود على حصن كريستوفيني الموجود شرق حاصبيا (قرية شويا – قلعة غابريال) كتمهيد للاستيلاء على مدينة حاصبيا ذاتها التي كانت تشكل" شوكة في خاصرتنا" وفق تعبير موناغان.
كما أبلغ القائد العام للقوات المسلحة الى المقدم موناغان بأن مهمته الرئيسية هي حماية الجناح الأيمن للجبهة ومؤخرة الرتل المتقدم نحو الشمال، وأنه لا ينبغي لدوره أن يكون دفاعياً سلبيا فقط، بل عليه أن ينتهز أي فرصة سانحة لمضايقة العدو.
وعليه قرر موناغان في ذلك اليوم ترك سرية واحدة فقط من كتيبته في بلدة الخيام للدفاع عنها، والمبادرة الى تحريك باقي القوات للقيام بتقدم واسع نحو سفوح جبل حرمون ومنها إلى حاصبيا بحركة التفافية تهدف الى قطع خطوط الامداد الخلفية للعدو، معتبراً ان هذا العمل سيشكل دفعاً قوياً لما كان قد بدأ به بعض من قواته في اليوم الأول من الغزو، وبناء عليه بدأ في ليل الرابع عشر والخامس عشر من حزيران بالزحف عبر التلال نحو قرية الفرديس، ثم قرية الهبارية، ومنها الى حصن كريستوفيني، لم يكن لدى تلك القوات أي مرشدين أو خرائط مفصلة سوى قصاصة ورقة بحجم طابع بريد كبير موضح عليها فقط مواقع قرية إبل السقي ومدينة حاصبيا.
تقدمت سرية بينيت القوات كونها قد ألِفَت هذه الأراضي بعد المشاركة في استكشافها في الأيام الأولى من الحملة، كان القرويون ودودي التعامل معهم ومتعاونين بعد أن ألفوا وجودهم، وقد أعلموهم، أثناء مرورهم في راشيا الفخار، بأن عدد من الجنود الفرنسيين يرابطون حالياً في حصن كريستوفيني.
وفي صباح يوم الخامس عشر من حزيران، ثبَّت بينيت وبغاله الستة موقعاً لهم قرب قرية الهبارية، بعدها أرسل دوريات استكشافية نحو الحصن، فأعلمهم السكان أن بعض الخيالة الفرنسيبن يرابطون داخل الحصن، وأن مجموعات منهم لا يتجاوز عددها الخمسين جندياً يدأبون على دخوله او مغادرته، حينها قرر بينيت إرسال من يتسلل ليلاً الى جوار الحصن، على ان يقوم بمهاجمته في السادس عشر من حزيران (توقع أن يغادره الفرنسيون بعد قصفه بالمدفعية في وقت مبكر من صباح يوم الخامس عشر من حزيران).
كان دخول الهبارية من مهمة الرائد بوتروز الذي تحرك نحوها مصطحباً معه حميره المثقلة بالأسلحة الثقيلة والذخائر، لكن وعورة تلك النواحي وتضاريسها المنحدرة بشدة حالت دون تمكن الحمير من الاستمرار بمهمتهم، لذلك تطوع الجنود لحمل الأسلحة بأنفسهم تاركين حميرهم يسيرون خلفهم.
وفي راشيا الفخار، أرشد أحد العرب الذي سبق له ان عاش في أمريكا الجنود الى كيفية تجاوزهم حافة جرف حاد اعترض طريقهم ومكنهم من عبوره نحو الهبارية حيث بلوغها حوالي الساعة الحادية عشر والنصف صباحاً واتخذوا موقعاً لهم فوقها تماماً، لكن هذا العربي الودود عاد أخبرهم حوالي الساعة الثالثة بأن موقعهم بات معلوماً من الفرنسيين، وعلى الفور، كإجراء احترازي ثبتت حكمته حين بدأت القذائف بالتساقط على موقعهم السابق المهجور، نقل بوتروز جنوده إلى موقع جديد أسفل القرية.
لم يتح لبورترز، من موقعه الجديد، التواصل لاسلكيا مع موناغان ، لكنه بقي على تواصل مع الكابتن كوتون الذي سبق له ودخل الفرديس حوالي الساعة الواحدة ظهراً بعد انضمامه الى دورية من سلاح الخيالة السادس دون أي مقاومة.
استمر الهدوء في هذه النواحي الى حدود الساعة الثالثة بعد الظهر حينما بدأت فصيلة فرنسية تهاجمهم بشكل منظم من ناحية حاصبيا، في نفس الوقت فتحت مدفعيتهم النيران على المواقع البريطانية شمال مرجعيون، أي الى بعد خمسة أميال إلى الغرب أكثر أو أقل.
تجدر الإشارة إلى أنه يوجد شمال مرجعيون مباشرة طريق ضيق ذو منعطف طويل يتجه جنوباً، هذا الطريق ما يلبث ان يتخذ مساراً تصاعدياً نحو هضبة بلاط، بعدها ينعطف مجددا نحو الشمال حيث يتفرع منه طريقين أطلقت القوات الأسترالية عليهما تسمية المسار "A" والمسار "B"، وهما المسارين الذي كانت تلك القوات قد قررت سلوكهما في تحركها نحو الشمال.
حين فتحت المدفعية الفرنسية النار، كانت القوة الوحيدة المتمركزة على المسار "A" هي 2/33 وهي التي سبق وثبتت مواقعها عليه في مكان يطلق عليه مجازاً اسم "مجرى الهواء" أو "ركن الرياح".
كانت تلك القوة بأمرة الرائد أونسلو من سلاح الخيالة السادس، وهذا الرائد كان يتولى يقود فصيلتين في نفس المنطقة، الأولى وضعها تحت أمرة الملازم كلارك وطلب منها ان ترابط بين هذا الطريق وإبل السقي وكانت مزودة بمدافع رشاشة ومدفعين مضادين للدبابات وعشر بطاريات مدفعية ميدان، على ان تكون مهمتها أيضاً مراقبة المنحدرات المطلة على "ركن الرياح" من ناحية الجنوب بعد أن أنيطت بالكابتن براون تولي هذه المهمة.
اما الفصيلة الثانية فكانت بأمره الكابتن هودج الذي أنيط به مهمة مراقبة المسار "B" من موقع تم استحداثه على الطرف الجنوبي من هضبة بلاط، كذلك مسؤولية دعم كتيبة الرماديين "The Greys" الذين انتشروا على طول الطريق شمالاً.
بعد مرور حوالي نصف ساعة من بدأ تساقط القذائف بشكل كثيف على هضبة بلاط وجوارها، ظهر فجأة على المسار "B" عشر دبابات فرنسية وحوالي خمسون جندياً من الخيالة انتشروا على الفور في أنحاء الوادي، كما تجمع ما بدا أنه سريتان من المشاة على الطرف الشمالي من هضبة بلاط حيث نصبوا بعض المدافع الرشاشة هناك.
وحوالي الساعة الرابعة والنصف عصراً، بدأت تلك الدبابات هجومهما على طول المسارين، ثم ما ان اقتربوا من "ركن الرياح"، حتى تبادلوا القصف الشديد مع المدفعية المضادة للدبابات والمدافع الرشاشة التي تصدت لهم من ناحية منحدرات أبل السقي حيث تمكن المدافعون من اعطاب طليعة الدبابات المهاجمة، واثنتين أخريين قرب المنعطف، ثم امطرت القوات المهاجمة بسيل غزير من الرشقات من مدافع رشاشة.
في هذا الوقت، صبَّت القوات الفرنسية النار من مواقعها الكائنة على التلال الشمالية المشرفة على المسار "A" والتي تبعد حوالي ألف ومائتي ياردة عنه، على مواقع المدافعين تحتها خصوصاً الفصيلة 2/5 200 التي أُمطرَت بوابل من قذائف الهاون وزخات الرصاص ذات العيار الثقيل.
كذلك هاجم الفرنسيين على المسار "B" بشدة مستعينين بدعم مكثّف من المدفعية وقذائف الهاون والمدافع الرشاشة، ما بالنهاية اضطر الرماديين للانسحاب عن هذه الطريق.
كان عدد الدبابات الفرنسية المهاجمة إحدى عشرة دبابة، وفي تتابع سريع للأحداث، اعطبت أربعة منها، ما اضطر باقي الدبابات للانسحاب والاختباء خلف المنعطف، بينما استمر المشاة في تقدمهم بثبات.
وإثر تدمير مدفعين مضادين للدبابات على المسار "A"، اندلعت مجدداً على المسار "B" مواجهات قاسية مع دبابات العدو، اضطر بعدها الأستراليون لسحب مدافعهم، في هذا الوقت قطعت بالنيران الطريق المؤدية إلى مواقع المراقبة الخاصة بهودج، فأرسل أحد جنوده لاستطلاع الموقف، وما لبث هذا الجندي بان عاد بأنباء تفيد بأن الرماديين ينسحبون، عندها اعطى هو بدوره أوامره بالانسحاب.
بدأت الانسحابات تتوالى على طول خط الجبهة، كذلك وقعت بعض الدبابات تحت الحصار، ما اضطر موناغان لاعطاء أوامره لأونسلو بتنسيق تراجع القوات بعد ان بدا له أن الوضع يتدهور بشكل خطير، بعدها توجه نحو تود وأوعز إليه بأن يحث الرماديين على المحافظة على مواقعهم على الهضاب الكائنة شمال بلدة مرجعيون، على ان يثبت هو في مواقعه التي انشأها في بلدة الخيام تمهيداً لإعداده لهجوم مضاد من ناحية راشيا الفخار.
إثر تلك التعليمات، اتحدت قوات تود مع سرية الملازم مايبيري التي انضمت اليه مؤخرا من أصل وحدات الكتيبة 2/5 المكونة من فصيلتين، إحداهما كانت تتخذ لها مواقع في مرجعيون، والأخرى في النبطية التحتا.
في الساعة الرابعة والنصف عصراً، أمر تود مايبيري بالتقدم واتخاذ مواقع دفاعية على هضبة بلاط، لكنه ما لبث ان عدل عن رأيه في الساعة الخامسة وأرسل يبلغه بوقف التقدم الذي كان باشر به لانتفاء الحاجة اليه بعد ان بلغه ان فصيل من قوات ستافوردشاير يومانري الملحقة بالرماديين ترابط هناك، وعليه أوعز إليه للتوجه نحو تلال غرب بلاط عبر دبين وذلك في محاولة لتخفيف الضغط عن سلاح الخيالة الأسترالي المرابط هناك، لكنه صادف خلال سعيه لتنفيذ التعليمات الجديدة الموجهة اليه، فلول من الجنود المنسحبين باتجاه جنوب دبين ما دفعه لوقف تحركه وتثبيت مواقع دفاعية له شمال تلك القرية.
في هذا الوقت واصل الفرنسيون ضغطهم الشديد، ففي حوالي الساعة السابعة والربع مساءً، تمكنت سريتان من مشاتهم بغطاء كثيف من نيران المدفعية والرشاشات، من طرد كافة القوات المرابطة على هضبة بلاط ودفعتهم الى الانسحاب نحو مرجعيون.
وفي الثامنة، اتخذ مايبيري، الذي كان مرابطاً على مسافة سبعمائة ياردة شمال طلائع قوات العدو وغير معرض عملياً لاي ضغوط منها، قراراً بالانسحاب إلى مرجعيون وهناك تلقى أوامر للانضمام على الفور إلى الرماديين الذين كانوا مدعَّمين بمدفعين مضادين للدبابات، وطلب من تلك القوات مجتمعة قطع طريق المدينة والصمود في مواقعها هناك حتى الساعة الثالثة والربع من صباح السادس عشر من حزيران كي يتسنى للقوات المنسحبة تنظيم خطوطها الدفاعية الجاري اعدادها في قرية القليعة، لكن ظهراً بدأ الهلع يدب بين صفوف الجنود المنتشرين خلف خطوط القتال الأمامية بعدما وصلتهم أنباء تفيد بأن دبابات العدو تمكنت من اختراق الخطوط الدفاعية سيطرت بشكل تام على مرجعيون وان تلك القوات في طريقها حالياً نحو إبل السقي.
وقد نقل أحد ضباط المدفعية الأستراليين أن الرماديين حين همُّوا بركوب مركباتهم، وجدوها قد اختفت، فانهارت معنوياتهم تماماً وانتشرت حالة من الذعر بين صفوفهم وخرجت الأمور عن السيطرة.
أدى الارتباك الحاصل الى تراجع أربع شاحنات مليئة بالذخائر تابعة لفوج المدفعية الميداني 2/5 مجدداً باتجاه المطلة، لم تكن تلك الاليات قد تلقت بعد أي أوامر معاكسة من قيادتها، ما اضطرها للعودة وإفساح الطريق، وما أن وصلت إلى روش بينا، حتى سبقتها انباء تتحدث عن صدور أوامر للدبابات للانسحاب نحو المطلة والثبات هناك، أخيرا، وبعد تجول تلك الشاحنات لحوالي يومين في الناصرة والرَّامة، تلقت أوامر جديدة للعودة وسلوك الطريق شمالاً للالتحاق بفوج المدفعية.
وفي الساعة الخامسة الا ربع، وبعد ان صدرت الأوامر لسحب مدفعية الميدان إلى تقاطع طريق القليعة، تقدت إحدى دبابات العدو عبر مرجعيون إلى موقع قريب من القليعة واشتبكت مع المدافعين، ما دفع سائقي الشاحنات، للجوء الى مركز شرطة قريب مهجور، هؤلاء السائقين لم ينقلوا الذخائر فقط، بل أيضاً صناديق البيرة والسجائر.
وحوالي الساعة الخامسة والربع، تقدم رتل من الدبابات الفرنسية على طول المسار "A” مطلقاً قذائفه وزخات الرصاص، مستعيناً أيضاً بإسناد من بعض القوات الأخرى المرابطة قرب المنحدرات الشمالية الشرقية لإبل السقي.
كان لدى القوات الأسترالية المرابطة هناك أربع بطاريات مدفعية، وما ان بدأ هذا الهجوم حتى فرَّ جنود المشاة مذعورين وهم يصيحون:" الدبابات قادمة، الدبابات قادمة...".
انتقلت تلك الانباء على الفور، بواسطة أحد السائقين، إلى الرائد هامبلي المسؤول عن بطاريات المدفعية المرابطة قرب إبل السقي، فاتخذ بدوره على الفور قراراً بسحب مدافعه عبر الوادي جنوباً باتجاه بلدة الخيام، في نفس الوقت طلب من الكابتن إيفانز استطلاع افضل الطرق للانسحاب، لكن قبل تمكن هذا الأخير من انجاز مهمته، وردت اليهم أنباء بأن القوات الفرنسية باتت على وشك بلوغ مواقعهم، فأمر على الفور بمباشرة سحب المدفعية ونقل الجنود جنوباً، وقبل ان يتسنى لجنوده تنفيذ هذا الامر، انهمرت عليهم من ناحية إبل السقي قذائف المدفعية وزخات الرصاص، فحصلت بلبلة أدت الى اتخاذ الانسحاب شكلاً فوضوياً نتج عنه حصول عدة حوادث اصطدام بين الشاحنات ومركبات قطر المدفعية ما أدى، إضافة الى وعورة الطريق، الى تعطل ثلاث شاحنات، وأبعد من ذلك، حين حاول أحد سائقي الشاحنات الذي كان تسير في طليعة القوات المنسحبة تجنب المضي في هذه الطريق الصعبة الوعرة واتخاذ طريق أخرى التفافية، وجد نفسه يجر الرتل بأكمله نحو أرض مجللة مشكَّلة من ثلاث مصاطب حجرية متتالية، ما اضطر الجنود لبذل جهدي بشري كبير لتمهيدها مستخدمين المعاول والمجارف والبنادق، بعدها تمكنوا بشق الانفس من تجاوز تلك التضاريس التي اتخذت لاحقاً مساراً يتجه صعوداً نحو ربوة تقع شمال بلدة الخيام.
نتيجة لهذا الانسحاب المتعثر والتأخير الحاصل فيه، اندفع الملازم جيلهولي نحو مؤخرة الرتل حاملاً بندقيته وتبادل إطلاق النار مع القوات الفرنسية التي كانت تلاحقهم، وما لبث ان تلقى دعماً من العقيد كولز الذي كان يرابط عند أطراف ربوة بلدة الخيام ويشرف على المشهد بأكمله.
ولسوء الحظ، وبينما كانت الشاحنات والمدفعية التي تقطرها تصارع لتجاوز المصطبة الثانية البالغ عرضها حوالي ثلاثين ياردة، ظهرت قاذفة فرنسية على ارتفاع مائتي قدم، وانقضت بسرعة على الرتل لتقصفه، ففتح عليها العقيد كولز النيران من مرابض مدفعيته البريطانية من طراز Bofors التي كان قد نصبها على الربوة على مسافة تبعد حوالي خمسمائة ياردة لناحية الغرب، وبعد عدة غارات نفذتها تلك القاذفة وتبادل للرشقات النارية مع تلك المدافع، أصيبت الطائرة، ثم هوت وتحطمت، ونتج عن انفجار قنابلها دوي صوت عظيم ترددت اصدائه في الاودية والقرى المجاورة، عندها أوقفت اطقم المدافع اطلاق نيرانها واخذ الجنود يقفزون صائحين بثلاث هتافات تعبيراً عن النصر، ثم ما لبثوا ان عادوا لمتابعة وظيفتهم المتمثلة في الدفاع عن الرتل الذي كان لا يزال يغالب لتخطي آخر مصطبة.
أخيرا، وبعد معاناة لا تنتهي، أفلحت القوات المنسحبة في إيصال بطارات المدفعية إلى تقاطع الخيام-بانياس، وهناك أخبر أونسلو الرائد هامبلي أن مدافع Bofors لا زالت في مواقعها المتقدمة شمال الخيام، فأمر بإبقاء مدفع واحد منها هناك وسحب الباقي مع اطقمها الى القليعة، وعند الغسق كان سحب كافة المدافع الميدانية نحو القليعة قد اكتمل ومنها تم نقلها إلى المطلة.
في هذه الأثناء، في مرجعيون، وحوالي الساعة السابعة والنصف مساء، أكد أحد الضباط من الرماديين للكابتن هودج خلو التلال الشمالية الامامية من أي قوات بريطانية، وعليه انسحب الرماديون بسرعة عبر مرجعيون.
ملاحظة: أطلق السكان المحليين في حينه على المعركة التي دارت رحاها شمال البلدة اسم "معركة الجلاحية"، وقيل إن معظم القوات الفيشية المهاجمة للرتل المنسحب كانت من الجنود المغاربة.
كما كتب الملازم ناجيل في يوميات الفوج الميداني 2/5 يصف بعض مما حدث في مرجعيون قائلاً:" تقدمت سيرا على الأقدام، فوجدت القوات البريطانية والأسترالية تنسحب جنوباً عبر مدينة مرجعيون، كان واضحاً ان أياً من المنسحبين لا يملك فكرة عما يجري، بالتأكيد باستثناء فرنسي فيشي.
سعى القادة إلى حشد قواتهم وأخبروا المنسحبين أن الدعم المدفعي في طريقه إليهم وان هناك خطة محكمة للاحتفاظ بالجانب الشرقي من مرجعيون، لكن بدا ان غالبية الجنود غير مصدقين وغير مقتنعين ويرغبون بالانسحاب.
حين وصلت إلى الطرف الجنوبي من المدينة، صادفت جنديا يهرول لائذاً بالفرار وهو يحمل بندقية "برن"، أمرته بالبقاء أو التخلي عن بندقيته، فرمى لي على الفور بندقيته بدون أي تردد ...".
في كثير من الأحيان، حينما ينتشر إنذار عن حصول اختراق من العدو للخطوط الامامية للجبهة، تكون بعض القوات المرابطة في المواقع لأمامية غير مدركة لما يجري خلفها، وهذا حصل تماماً في مرجعيون، حيث غاب ما يجري تماماً عن مايبيري وجنوده، كذلك عن فوج الخيالة السادس وبطاريات المدافع المضادة للدبابات التابعة للرائد ريكارد من الفوج 2/2، والتي كانت جميعها لا تزال مرابطة في خطوطها الامامية شمال المدينة.
وعليه، وفي الساعة الثانية والنصف صباحا"، أرسل مايبيري دورية لاستكشاف ما يجري من حوله، تقدمت تلك الدورية حوالي خمسمائة ياردة دون أن تصادف أي علامة على وجود عدو، وفي الساعة الثالثة وخمسة واربعون دقيقة، اتخذ قراره بالتراجع نحو مرجعيون ومنها نحو القليعة، وأثناء تحركه، اكتشف ان الطريق محاطة بسرية من ستافوردشاير يومانري عن يمينها، وسرية من الرماديين عن يسارها، اما في وسط الطريق فرابط فيه الفيكتوريون.
كان الهجوم الفرنسي قد توقف عند الغسق لعدم تمكن الدبابات من الاستمرار في التحرك في الظلام الدامس، ولم تعاود طلائع تلك الدبابات بالظهور الا حوالي الساعة العاشرة والنصف من صباح يوم السادس عشر من حزيران، وقد كان عدد تلك الدبابات المتقدمة اثنتان فقط، فتمت مواجهتهما بالمدافع المضادة للدبابات، ما أدى الى إعطاب الأولى وانسحاب الثانية.
في هذه الأثناء، وكجزء من الانسحاب العام، تركت سرية الكابتن بيتش مواقعها قرب "ركن الرياح" واتجهت نحو بلدة الخيام حيث اعادت انتشارها في حصنها، كما ثبت سلاح الخيالة 6 مدفعيته غرب ذلك الحصن قرب تقاطع طريق بانياس- مرجعيون.
أدى هذا الهجوم المضاد المزدوج الى تهديد اتصالات جميع القوات الغازية وتغيير الموقف برمته في شرق لبنان، وبما انه لم يكن يتوفر الا عدد قليل من القوات الاحتياطية لتعزيز ودعم المنهزمين، أوعز الجنرال ويلسون للفرقة الأسترالية 7 لتقديم مدفعيتها المضادة للدبابات والذخيرة التي لديها للمساعدة في الدفاع عن القنيطرة، وأمر بإرسال كتيبة الاستطلاع 2/الملكية، من اللواء البريطاني 16، إلى درعا.
تألفت احتياطيات الفرقة 7 من قوات الدفاع عن المقر الرئيسي، وسريتين من كتيبة المدافع الرشاشة 2/3، وبطارية واحدة من الفوج 2/2 المضاد للدبابات التي كانت متواجدة في الرامة، بالإضافة إلى ذلك، كانت كتيبة الرواد 2/2، التي يمكن استخدامها كمشاة، تقوم بأعمال هندسية متفرقة في منطقة الفرقة 7، حيث كانت سرية منها تعمل على الطريق المؤدي إلى صور، وواحدة تعمل مع اللواء 25، واثنتان تعملان على الطريق المؤدي الى جزين.
كان لافاراك مسؤولا، بواسطة لوائيه، عن جبهة يبلغ عرضها حوالي سبعة وثلاثون ميلاً، وهي المسافة التي تمتد ما بين جناحي الهجوم الذي بدأوه على كل من سوريا ولبنان، وقد شكَّل الهجوم المضاد الذي شنه العدو عليهم في كل من عزرا والقنيطرة ومرجعيون تهديدا قوياً لجناحه الأيمن لما حققه من نجاح في قطع اتصاله بالقوة التي كانت تستعد لمهاجمة دمشق، وقد خشي ان يتطور هذا الهجوم المضاد الى مهاجمة بانياس أو روش بينا، لذلك أرسل كتيبة المدافع الرشاشة 2/3 التي كادت ان تستنفد قواها، إضافة الى بطارية المدفعية المضادة للدبابات المتبقية لديه، الى جسر بنات يعقوب الذي يعبر نحو الأردن، وأرسل بعض المدافع الرشاشة المضادة للدبابات وبعض الرشاشات شمالا نحو المطلة، وأصدر أوامره للرواد 2/2 لحماية الجسر الذي قاموا ببنائه على نهر الليطاني غرب مرجعيون، كذلك أمر باعداده للتفجير اذا دعت الحاجة.
بعد هذه القرارات لم يعد لدى لافاراك أي قوات احتياطية يدفع بها لحماية جبهة مرجعيون الواقعة تحت الضغط الشديد للعدو سوى بنقل وحدات مما لديه في جزين أو على الساحل، وعليه أمر بنقل الكتيبة 2/25 والفوج الميداني 2/5 (الذي كانت إحدى بطارياته بالفعل مع موناغان) وفرقة من الكتيبة 2/6 من جزين إلى قطاع المرجعيون.
تركت هذه الاجراءات كتيبة 2/31 من لواء كوكس 25 وحدها في جزين، بينما أخذ يتجمع في قطاع مرجعيون قوة أكبر من ذلك بكثير.
أصدر الجنرال لافاراك أيضاً تعليماته إلى العميد بيريمان، قائد مدفعيته والأكثر خبرة من بين عمدائه الثلاثة، بتولي قيادة جميع القوات في قطاع مرجعيون وغرب الليطاني، وطلب منه تنظيم الدفاعات المواجهة للشرق وتغطية الجناح الخلفي الأيمن للواء 25.
وصلت الأوامر الى سرايا الكتيبة الرواد 2/2 المشتتة للتمركز عند جسر الليطاني في وقت متأخر من ليلة الخامس عشر – السادس عشر من حزيران، وقد بدأ تحرك تلك القوات بالفعل حوالي الساعة الحادي عشر مساءً عبر إرسال إحدى السرايا سيراً على الأقدام، هذه السرية كانت في حينه تقوم بإصلاح الطريق بالقرب من الجرمق، وقد تمكنت من بلوغه فجراً، اما باقي السرايا فتم التقاطهم ونقلهم بواسطة الشاحنات، وفي الصباح كان قد غلب على كافة الجنود الإرهاق الشديد.
في الساعة السادسة والنصف مساء من يوم الخامس عشر من حزيران وصل أمر حراسة معبر الأردن إلى المقدم بلاكبيرن من فوج المدفع الرشاشة 2/3، فأسرع إليه من الرامة لاستطلاعه حيث قاد مركبته بأسرع ما يمكن دون إضاءة انوارها على طريق متعرج مزدحم بالمركبات، وعندما نزل إلى وادي الأردن، كان الضباب الكثيف يلف الطريق والنهر.
وصل بلاكبيرن إلى الجسر حوالي منتصف الليل، فوجد عنده بعض جنود الحراسة من سلاح الخيالة البريطاني، وبعد نصف ساعة وصل ضابط من مقر قيادة لافاراك مع أوامر بأن يرسل بلاكبيرن سرية لاحتلال موقع دفاعي على أحدى الطريقين الرئيسيين المؤديين إلى فلسطين، فقاد بلاكبيرن مركبته على طول الوادي للبحث عنه الى ان عثر عليه، فراقبه حتى بزوغ النهار بعدها عاد إلى الجسر، وخلال الليل وصلت اليه سريتان من الفوج 2/2 المضاد للدبابات وبدأتا على الفور باتخاذ كافة الاحتياطات للدفاع عن الجسر، بينما انشغلت مجموعة صغيرة منها بتفخيخه واعداده للتفجير.
تلقى العميد بيريمان أوامره حين كان في جزين حوالي منتصف ليل الخامس عشر من حزيران، فأرسل المقدم أوبراين من الفوج 2/5 الميداني إلى قطاع مرجعيون لاستكشاف الوضع هناك، ثم غادر هو نفسه جزين في الساعة الواحدة من ظهر يوم السادس عشر، وفي الساعة السادسة والنصف صباحا، التقى المقدم ويلينغتون من الرواد 2/2 عند معبر الليطاني.
وعلى الرغم من أن مسؤولية بريمان كانت مقصورة على السيطرة على المنطقة الواقعة غرب الليطاني، الا انه بادر الى إصدار أوامره لويلينجتون للانتقال الى التل الواقع الى الشرق من طريق مرجعيون- القليعة حيث كان للرماديين موقعاً عليه وأمرهم بالثبات هناك.
***
ترقبوا: الفصل التاسع – كر وفر على الجبهة السورية
الفصول السابقة:
الفصل الأول: خلفية الصراع على لبنان وسوريا
الفصل الثالث: اليوم الأول من الغزو
الفصل الرابع: محاولة عبور الليطاني
الفصل الخامس.. الإندفاع نحو صيدا
الفصل السادس.. الإندفاع نحو مرجعيون وجزين
الفصل الثامن.. الهجوم الفرنسي المضاد، الانسحاب من مرجعيون ومعركة الجلاحية
تعليقات: