خريطة توضح مسارات تقدم اللواء الاسترالي الواحد و العشرون في الثامن من حزيران 1941 على الجبهة الساحلية
اليوم الأول
في ليل 5 و 6 و 7 حزيران تقدمت القوات المهاجمة نحو مواقع قريبة من الحدود السورية , حيث رابطت طوال النهار متخفية , و قد كانت هذه المرة الأولى بتاريخ القوات البريطانية الذي تختبئ فيه , على الطريقة الألمانية , قرب حدود آمنة و متهيئة للانقضاض المفاجئ على الأعداء .
و قد روى لاحقا احد الجنود المشاركين في الحملة قائلا :
صادف موقع مرابطة وحدتنا بين كتيبتين احداهما من المشاة و الأخرى من الأسلحة المضادة للدبابات , و كان يقع خلفنا مباشرة جدار تصوينة كان يستخدمه بعض التجار المحليين لعرض بضائعهم التي كانت تتنوع من البيض المسلوق إلى زجاجات النبيذ , و كان يحيط بالمكان بعض أشجار الزيتون على مسافات كانت كافية للسماح بمرور الآليات العسكرية بينها , و كانت تلك الأشجار قليلة الارتفاع نسبيا , لكن إلى حد كاف لحجب هياكل السيارات المتخفية خلفها و التي دأبنا على إخفاء آثار مرورها و حصر عبورها عبر بعض الممرات الترابية المستحدثة بينها .
و قد عسكر جنود الحملة قرب قرية " الراما " الفلسطينية , حيث استلقى بعضنا قبل بدء العمليات بحالة استرخاء تام على الأرض ذات التربة الحمراء , و قد تناثر الجنود فرادى أو على شكل مجموعات تحت الأشجار أو في ضلال الآليات كل مجموعة في منطقة تجمعها, و كان هواء الليل منعشا و لطيفا بحيث كانت البطانيات كافية للاستدفاء , و قد تلقى الجمع تعليمات صارمة بالتلاعب بشكل القبعات بطريقة تجعل منها غير معروفة و مخالفة للنموذج الاسترالي المعتاد , و هو ما أحدث موجة من الضحك و المزاح بيننا ناتج عن الأشكال المثيرة للسخرية التي نتجت عن تلك العملية , إلا أن ذلك لم يمنع إحساسنا الضمني بالكآبة الناتج عن اضطرارنا القسري لإخفاء هويتنا الاسترالية .
و قد كان يوم السابع من حزيران يوم استراحة لمعظمنا حيث كنا قد أنجزنا كافة استعداداتنا الشخصية للمعركة , و عليه فقد حاول معظمنا إخفاء توتره و قتل الوقت عن طريق ممارسة بعض النشاطات كلعب الورق أو الداما , أو القراءة و الكتابة , و بادر بعضنا لعقد حلقات ثرثرة و حوار , و البعض الآخر ارتدى سراويل قصيرة و قمصان قطنية و راح يتجول في المكان أو انطلق لزيارة أصدقائه و استطلاع أحوالهم , كما عقد البعض مراسم صلاة كنسية بسيطة .
و مع حلول الظلام , بادر جمع منا ممن عجزوا عن النوم لعقد اجتماع في احد القاطرات العسكرية حيث تدارسنا على طريقتنا سيناريوهات المعركة المنتظرة , فأطلق كل منا العنان لتنبؤاته العسكرية , و بينما عبر بعضنا عن اشمئزازه من الدوافع الاستعمارية للحرب , حاول البعض الآخر رفع معنوياتنا قائلا : " يكفي غدا أن نلوح بقبعاتنا ثم نرميها على أولئك الضفادع , لنحقق النصر ".
كان جنود الحملة مليئين الثقة بأنفسهم , و كان هاجسهم الوحيد إثبات أنهم , كزملائهم في الجيش الاسترالي , قادرين على القيام بواجبهم العسكري على أكمل وجه , و قد روى احد المؤرخين من اللواء السادس عشر قائلا : " كان لدى الجنود رغبة شديدة بتحقيق سجل عسكري مشرّف كأسلافهم من نفس اللواء ذوي السمعة المجيدة " .
و في صباح 7 حزيران عقد الجنرال ستيفنس اجتماع أخير لقادة وحداته العسكرية , حيث أعلمهم باستحالة مشاركة لواء الكومندوس بالعمليات في 8 حزيران لسوء الأحوال الجوية .
و في الساعة 9:30 مساء , و قبل أربع ساعات و نصف من الساعة صفر , عبرت وحدتي دراجات صغيرتين الحدود , واحدة من الكتيبة الرابعة عشر و الأخرى من الكتيبة السادسة الميدانية , و قد تولت مجموعة منها قطع أسلاك الهاتف قرب راس الناقورة حيث يوجد احد المخافر الفرنسية قرب الاسكندرون , بينما قامت المجموعة الثانية بمهاجمة جنود الموقع و نزعت حشوات ألغام الطريق التي كانت معدة للتفجير .
و قد قاد بعض الفلسطينيين و اليهود الجنود الاستراليين إلى مزرعة حانيتا اليهودية , حيث تناولوا الطعام ثم عبروا الحدود من ناحية وعرة غير محروسة مستغلين الضباب و الطقس غائم و الظلام دامس , بعدها انفصلت مجموعة منهم بقيادة النقيب غولان و توجهت إلى شمال راس الناقورة , بينما توجهت مجموعة ثانية مؤلفة من الملازم كيفن و الملازم آلن و الملازم كودري و خمسة عشر جندي و ثلاثة مرشدين من اليهود و عربي واحد نحو راس البياضة التي تبعد حوالي خمسة عشر ميلا عن الحدود بهدف نزع العبوات التي أعلموا بوجودها هناك حيث وصلوها حوالي الساعة الثالثة و النصف , و قد أبقى الملازم كيفن العريف واردلي و ثلاثة جنود آخرين هناك لإعاقة أي تقدم للعربات من ناحية الشمال ثم قاد بقية القوة جنوبا حيث قام خلسة بتفقد عدد من الجسور و العبارات للتأكد من خلوها من الألغام , ثم ترك كيفن مجددا الملازم آلن و ثلاث جنود عند احد تلك الجسور و مضى مع باقي القوة جنوبا لمتابعة عمليات الاستكشاف .
و حوالي الخامسة صباحا , و حين وصل إلى شمال الاسكندرون تعرض كيفن و من معه لإطلاق نار من احد المواقع الحصينة المبنية من الحجر الصخري , فقام بمهاجمته و سيطر عليه و اسر بعض جنوده في الوقت الذي وافاه فيه آلن مع عناصره للمساندة بعد سماعهم أصوات إطلاق الرصاص , بعدها اندلع قتال شرس مع القوات الفرنسية التي أخذت تتقاطر نحو المكان الواحدة بعد الأخرى , فهاجم كيفن أولا موقعا لمدفع رشاش كان متخفيا في احد البساتين فأسكته بواسطة قنبلة يدوية ألقاها الجندي هندرسن , و استولى في تلك المواجهة على مدفع هاون و على رشاش " هوتشكس " , ثم تبادل النيران مع قوة فرنسية كانت قادمة على الطريق لمواجهة القوة الغازية , فأعطب لهم بعض الآليات , من بينها عربة مصفحة قصفها بواسطة مدفع الهاون الذي استولى عليه سابقا , فقتل سائقها و استسلم باقي العناصر , و أصيب للاستراليين في هذه المواجهات كلا المرشدين اليهوديين , بعدها قدم اثنا عشر خيال , لكن ما لبثوا أن ابتعدوا نحن التلال ما أن أطلق النار عليهم , و كان واردلي مرابطا مع ثلاث من معاونيه , اثنان منهم فلسطينيين , في مكان ما شمال المخفر و حوله لدعم الجنود هناك , بينما كانت باقي القوة منشغلة بمعالجة الموقع بين البساتين .
و حوالي الساعة السابعة صباحا , سمع دوي انفجار كبير لناحية الجنوب على الطريق الساحلي , و قد استنتجت كلا مجموعتي كيفن و واردلي , أن مسلك الطريق قد نسف و دمر في مكان ما عند الهضبة المحاذية لرأس الناقورة , و أن ما كان يسعون لتفاديه قد حصل فعلا .
في هذا الوقت , و بعد انفصالها عن كوفن , تابعت فصيلة النقيب غولن سيرها مستعينة بأربعة مرشدين من العرب الفلسطينيين حتى وصلت حوالي الساعة الواحدة صباحا إلى مسافة تبعد ميل واحد تقريبا من شمال الناقورة , حيث عثر بعض أفرادها على تمديدات لأسلاك هاتفية إلى جانب الطريق فبادروا إلى قطعها فورا , ثم أعاقوا السير على الطريق بواسطة بعض الصخور و الحجار , و في الساعة الرابعة و النصف و اثر وصول كتيبتهم إلى مشارف القرية تناهى لأسماعهم أصوات إطلاق رصاص, و بعدها بدقائق تمكن احد الجنود من اسر رجل فرنسي اعترف بأنه أرسل , بعد انقطاع الاتصالات الهاتفية , لنقل تحذيرا سريعا لقيادته بتعرضهم للهجوم , تلا ذلك محاصرة القوة لبعض رجال الجمارك الفرنسيين و خيال إفريقي قدموا جميعهم من الجنوب , بعدها تمكن رجال غولن من اعتقال خمسة و ستون رجلا و سيارة واحدة أرسل بواسطتها الرقيب دريد و ثلاثة جنود نحو الاسكندرونة , فتعرضوا لإطلاق النار ما أدى إلى إصابة دريد و الجندي كونستابل , و قد تزامن تحركهم ذلك مع تفجير الطريق العام و قطعه من قبل الفرنسيين , و كان مرد هذه الانتكاسة لمعلومات خاطئة نقلت لكوفن بأن الطريق ملغّم في موقع شمال الاسكندرون و ليس جنوبها .
بعدها أمر كوفن قواته بالتحرك نحو الشمال حيث تمكنت من تنظيف قسم من الطريق و أسر ثلاثون شخصا , كما تمكنت من السيطرة على كمية من البنادق و الأسلحة و ستة آليات بينهم سيارة مدرعة , إضافة إلى ثلاثون جوادا شاردا , ولم يقتل خلال تلك العمليات سوى جندي واحد هو العريف بكلر الذي أصيب خلال أعمال التمشيط في البساتين .
و حوالي الساعة الثانية صباحا بدأ التقدم الفعلي للجيوش المهاجمة و الذي كان يهدف بمراحله الأولى للسيطرة على المراكز الحدودية ثم الالتفاف غربا لتشكيل راس جسر يلتقي مع قوات النقيب مونتن التي ستتقدم بدورها على الخط الساحلي بدأ من الساعة الثالثة صباحا انطلاقا من مراكز الجمارك البريطانية الحدودية الكائنة جنوب الناقورة .
و بعد تقدم القوات المهاجمة لمسافة ميل واحد تقريبا , تصادم عنصرين منها , هما الجنديين ويلسن و كرسن , بخفيرين من الجنود الفرنسيين فقتلوهما , و حوالي الساعة الخامسة صباحا و على مسافة ميلين تقريبا من الناقورة تعرضت القوة مجددا لإطلاق نار من احد المراكز الفرنسية هناك , ما دفع بالملازم أيتون إلى نشر جنوده يمينا و يسارا و أبقى قوة منهم في وسط الطريق , و بعد تبادله النيران مع حامية الموقع الفرنسي التي بدا أنها تتسلح بمدفعين رشاشين و حوالي اثنا عشر بندقية , فقصفهم ببضع قنابل هاون , بعدها تمكنت المجموعة المرابطة في الوسط من التقدم و دحر عناصر الموقع إلى خارج القرية بعد قتل خمسة منهم و اسر اثنا عشر آخرين , كما تم طرد مجموعة من الفرسان السباهيين ( جنود السلطان ) الذين تعرضوا بالنار للقوات الاسترالية .
أما ستيفنس , الذي اخذ يتحرك بواسطة عربة عسكرية من موقع إلى آخر دون توقف أو راحة , فقد أمر فصيلة من جنوده بمواصلة التقدم و تفحص حالة الطريق , و حوالي الساعة السادسة و النصف , عبر الملازم رود , المكلف بهذه المهمة مدعما بستة مصفحات و مدفعين مضادين للدبابات و عددا من المهندسين , الناقورة بعد اشتباكه مع قوة من العدو كانت تتولى حماية الطريق , و بعد قصفهم بقذائف الهاون من مرابض ثبتت على عجل في محيط الشاطئ , تقدمت بضع مصفحات عن يمين الطريق إلى مسافات ثلاثمائة ياردة من العدو حيث تبادلت معهم إطلاق النيران الرشاشة و دار قتال عنيف تمكنت بعده القوات المهاجمة من دحر العدو الذي تقهقر اثر مقتل خمسة منه و جرح اثنين .
أما على الهضبة الشرقية فقد كانت الأوضاع اشد تعقيدا حين تاه الدليل اليهودي المرافق لفصيلة الملازم فارمر ما أدى إلى تأخر وصولها إلى اللبونة حتى الساعة الخامسة و النصف صباحا , أي بتأخر ثلاث ساعات تقريبا عن الموعد المحدد , و قد تصادمت الفصيلة لحظة وصولها مع دورية للعدو مؤلفة من ستة رجال , فتبادلت معها إطلاق النيران و حصل اشتباك بالسلاح الأبيض أدى إلى مقتل احد جنود العدو , ما دفع بباقي العناصر إلى الانسحاب , و بعد هذه الحادثة تمت السيطرة على اللبونة بدون أي مقاومة تذكر .
و في نفس الوقت اندلعت قرب قرية علما الشعب معركة حامية بين سرية النقيب نونان و حامية احد المخافر , صرع فيها للقوات المهاجمة جندي هو الرقيب لولي , و جرح آخر , إلا انه بحلول الساعة السابعة صباحا تسنى للقوة المهاجمة السيطرة بشكل تام على المراكز الثلاثة المتبقية للعدو في محيط القرية.
أما في القطاع الأوسط على بعد عشرون ميل تقريبا من الحدود , و بهدف حماية رأس الجسر الجاري تشكيله , أرسل العقيد ماكدونالد سريتين من مشاته لتطويق بنت جبيل , واحدة بقيادة الرائد كارو للسيطرة على عيترون , و الثانية بقيادة النقيب هورلي للسيطرة على يارون و عين ابل , و في نفس الوقت , كانت قوة مؤلفة من سرب من فوج المشاة السادس الاسترالي , و سيارتين مصفحتين من السلاح الملكي , و فصيلة من اللواء السادس عشر , و وحدة من سلاح المدفعية و المهندسين بقيادة الرائد بوت ,, تنتظر قرب المالكية انتهاء تحقق فريق استكشاف من قابلية سلوك الآليات من عيترون نحو صور و منها عبر الساحل نحو بيروت .
و بعد تأمين الطريق و إعطاء إشارة الانطلاق , نجح كارو سريعا بالسيطرة على عيترون بعد أسره أربعة رجال تم أخذهم على حين غرة في احد مراكز الشرطة , ثم واصل زحفه اتجاه بنت جبيل حيث حاصر مخفرا فرنسيا مجهزا بمدفع رشاش و سيطر عليه بعد استبسال العريف هولمز و خسارة جندي و جرح آخر .
و بوصول كارو إلى بنت جبيل , كان هورلي قد أكمل سيطرته على مخافر يارون و اتجه نحو بنت جبيل حيث نشبت معركة طاحنة تمكن بنتيجتها من قتل سبعة مقاتلين للعدو , سيطر بعدها على عين ابل التي وجدها خالية تماما من جنود العدو , و بذلك يكون قد تحقق أول اتصال فعلي لقوات الاستطلاع على الطريق التي تربط فلسطين عبر المالكية مع سوريا .
و في الساعة الرابعة صباحا , تقدمت قوة استطلاع تابعة لقوات بوت من عيترون و عبرت الحدود , و في السادسة و النصف تمكن الملازم مل من سلاح الفرسان الاسترالي , مدعما بثلاثة عشر آلية و فصيلة جند , من شق طريق رأس حربة من بنت جبيل نحو تبنين , وهي قرية رائعة الجمال فيها حصن تركي قديم , حيث تمكن هناك من القضاء على باقي قوات السباهي الذين نجوا من هورلي في بنت جبيل , و بعد أخذه فترة استراحة اتاح خلالها لرئيس البلدية إجراء اتصالات كانت ايجابية بزميله في صور بقصد تسهيل دخول القوات إلى المدينة , واصل تقدمه رغم بعض المناوشات التي اعترضته بين تبنين و الساحل , إلى أن وصلت طلائع قواته إلى ساحل صور حوالي الساعة الثانية , حيث شاهد قوات البحرية البريطانية ترابط خارج المرفأ و الطائرات الفرنسية تتولى قصفه .
و كانت القوات البحرية قد دنت من الشاطئ حوالي الساعة السابعة إلا ربع و شاهدت تدفق القوات و الشاحنات دون التمكن من تمييز هويتها , كما شاهدت تدمير طريق الاسكندرون حوالي الساعة السابعة صباحا , و بعد قصف المدمرة كمبرلي المواقع الفرنسية الساحلية قرب الليطاني لمدة تناهز النصف ساعة تقريبا , باشرت القوات البرية تحركها شمالا حيث تواجهت مع بعض قوات السباهي فأسرت بعضهم و فر البعض الآخر نحو التلال , ثم تواصل التقدم إلى أن توقف على الطريق المقطوع قرب مجرى الليطاني , و حين حاول بعض الجنود الترجل من آلياتهم لفتح الطريق تعرضوا لإطلاق نيران مدفعي كثيف من المواقع الفرنسية المرابطة على الضفة الشمالية للنهر , ما دفع بالقوات الملكية للتراجع تاركين خلفهم سيارتين معطوبتين .
بعدها وقعت سرية الملازم دانتز أيضا , التي كانت تتبع الآليات الملكية , تحت النيران , ما دفع أفرادها للجوء إلى واد قريب للاحتماء من القصف الذي تواصل عليهم , و قد تولى مدفعين عائدين للكتيبة الثانية من اللواء الرابع من مدفعية الميدان الرد على مصادر النيران من موقع قرب قرية البرغلية , و قد أدى القصف في النهاية إلى تعطيل كافة الآليات , ما دفع بدانتز لإرسال سائقه جوب لطلب النجدة , ثم ما لبث أن تبعه بنفسه تاركا العريف بريتن و ثلاثة رجال قرب آليتهم المعطلة , و قد تداور هؤلاء على حراسة موقعهم طوال الليل , و في المساء تقدمت دورية استطلاع إلى مسافة ثمانمائة ياردة من النهر حيث توصلت بعدها إلى خلو الضفة الجنوبية من أية قوات فرنسية .
و حين كانت القوات المهاجمة تضغط بقيادة ماكدونالد باتجاه الليطاني حيث الخطوط الدفاعية الرئيسية للعدو , كان القلق و الترقب يسيطر على ستيفنز بانتظار معرفته ما إذا كان الطريق نحو اسكندرون تم الإمساك به و تأمينه , و مع مرور الوقت دون اتصال أو أية معلومات , أعطى الأوامر لقواته بالتقدم و السيطرة على المخافر الحدودية للعدو دون تحريك القوات الآلية و المدرعة تحاشيا لإعاقة الطريق في حال تبين له أنها قد دمرت , و في الصباح الباكر أعطيت الأوامر للدبابات بالتقدم حيث قادها مسافة ميل واحد عبر الهضاب إلى الحفرة التي أحدثها الفرنسيين في الطريق و التي بلغ طولها مئة قدم و عمقها ثلاثون , و حوالي الساعة العاشرة إلا ربع صباحا وصل ستيفنس بسيارته إلى موقع تلك الحفرة , و ظهرا تم تأمين جر و سحب مدفع مضاد للدبابات بواسطة مجموعة من الرجال و شاحنة , بعدها تولى الملازم هابر من الفصيلة الميدانية مهمة ردم الحفرة بواسطة بعض مخلفات الصخور الناتجة عن تفجير الهضبة المجاورة , و لم يتسنى ردم الحفرة و فتح الطريق لسلوكها من قبل الآليات إلا بحلول الساعة الخامسة من بعد ظهر التاسع من حزيران بالتزامن مع عبورها من قبل فصيلة من المشاة سيرا على الأقدام .
أما على الهضبة الشرقية فقد تمكنت القوات الرئيسية التابعة لماكدونالد من الالتفاف و اللحاق بقوات بوت عبر بنت جبيل بعد حصول بعض التأخير جنوب تبنين بسبب قطع الطريق و وجود بعض حقول الألغام استغرقت من المهندسين أربعة ساعات لإزالتها , بعدها تمكنت القوات الاستطلاعية من تامين عبور الآليات و الوصول إلى ساحل صور حوالي الساعة الخامسة بعد الظهر حيث التحقت بالكتيبة الثانية .
و قد تزامن دخول القوات إلى صور مع وصول ستيفنس إليها سيرا على الأقدام حيث تم الاحتفاء بالغزاة جماهيريا , في الوقت الذي كانت قوات أخرى تتقدم يبطئ نحو الأراضي الوعرة الكائنة بين تبنين و كفرصير .
و هكذا و بحلول نهاية اليوم الأول تكون القوات المهاجمة قد أتمت السيطرة على صور و حققت أول احتكاك مع خطوط العدو المتهيئ للقتال عند نهر الليطاني , ما يعني أن احتلال بيروت و القضاء على المقاومة فيها لن يكون بتلك السهولة التي كانت متوقعة .
أما على صعيد الجبهة الداخلية فكان من المقرر أن تنقسم قوات اللواء كوكس إلى تشكيلين قتاليين اثنين , الأول عليه التقدم مباشرة نحو رياق بعد أن يسلك ما أطلق عليه ترميزا باسم المسار " أ " , و الآخر بقيادة موناغان و يقع على عاتقه مهمة قطع طريق القنيطرة لمنع أي تقدم محتمل للعدو من ذلك المحور , ثم السيطرة على محاور حاصبيا و الخيام .
و إلى جانب كوكس كانت كتيبة المقدم بورتر المدعمة بسرية من الكتيبة " سي " و ستة بطاريات مدفعية من الفوج الميداني و أربعة مدفعية هاون و مدفعين مضادين للدروع و ثلاث مصفحات و ستة بطاريات مدفعية مقطورة , و كانت مهمتها السيطرة على الخط الممتد من مرجعيون إلى النبطية التحتا , على أن يشكل هذا الخط قاعدة انطلاق لما أطلق عليه اسم المسار " ب " الهادف للسيطرة على طريق بيروت دمشق .
كما تم تكليف قوة خاصة بالسيطرة على خط الحدود الممتد من عديسة حتى بليدا ثم نزولا حتى الجسر الرئيسي على الليطاني جنوب شرق مرجعيون ( الخردلي ) , على أن يلي ذلك محاولة تركيز قوة من الكتيبة الواحدة و العشرون على تلال حبوش .
و في الساعة الثانية صباحا , و تحت جنح الظلام , بدأ تحريك قوات المشاة التابعة لموناغان بعد تزويدها بمؤن تكفي ليومين و قبعات فولاذية و سراويل قصيرة .
و في حين كانت توقعات القادة أن تسارع القوات الفرنسية للاستسلام حين ترى قبعات فرنسية مقابلة, فان أوامر موناغان كانت تنص بعدم ارتداء تلك القبعات إلا عند الضرورة , كما قضت أوامره بان تعبر فصيلة بنيت الحدود و تتسلل عبر الهضاب و الأودية تحت جنح الظلام وصولا إلى قرية الفرديس و احتلالها , ثم قطع الطريق المحاذية لها لناحية الغرب , بعدها الالتفاف من خلف القوات العدوة المدافعة و المرابطة على مسافة اثنا عشر ميلا إلى الشمال من خط الحدود الكائن قرب قرية مستيتا , علما أن نجاح بينت و جهوده المبذولة لن تكون ذات فائدة محسوسة إلا في مرحلة لاحقة من المعركة .
أما على الجبهة السورية , و بعد ساعات من انطلاق العمليات , تمكن الرائد رايت سريعا من إنجاز مهمته القاضية باحتلال المراكز الحدودية من بانياس إلى المغر , و تفجير الجسر الكائن إلى جنوب شرق بانياس كإجراء احتياطي لمنع أي تقدم محتمل للقوات الفرنسية من القنيطرة , كما تمكن من السيطرة صباحا على بانياس .
أما مهمة السيطرة على المراكز الحدودية المنتشرة بين الغجر و عرب اللويزة فكانت من نصيب النقيب كوتن الذي تحرك حوالي الساعة الثانية صباحا من مواقعه في آبل القمح ليعبر بعد مسيرة نصف ساعة الحدود دون مواجهة أي مقاومة , إلى أن تصادم حوالي الساعة الثالثة صباحا مع حامية احد المخافر الفرنسية فخرّ له جندي صريع , بينما جرح للعدو ثلاثة و اسر منهم حوالي اثنان و عشرون جنديا من السنيغاليين .
و كانت الأوامر قد أعطيت أيضا لفصيلة الملازم كونور للسيطرة على جسر أبو زبلة , وهو الجسر الذي يصل طريق مرجعيون ببانياس عبر الحاصباني , كذلك استكشاف غيرها من النقاط الحساسة الأخرى , و قد قسم كونور فصيلته إلى أربع دوريات كلف كل منها بمهمة محددة , و أبقى على عاتقه مهمة السيطرة على الجسر و المحافظة عليه , و قد تمكن كونور من الوصول إلى الجسر حوالي الساعة الرابعة صباحا حيث قهر حاميته المؤلفة من اثنا عشر جنديا فرنسيا و سيطر عليه سليما , بعدها تحرك نحو الخيام حيث وجد بعض العوائق على الطريق , و حين أشار للنقيب فرغسون بالالتفاف و سلوك طريق الوادي غربا , تعرض هذا الأخير لوابل من الرصاص كان مصدره كل من الخيام و قرية الماري المحاذية مما أرغمه على التوقف و عدم متابعة المسير .
و في الحادية عشر و النصف صباحا , أصدر موناغان أوامره الصارمة لكوتون بالسيطرة على ثكنة الخيام التي تقع على هضبة عالية جنوب القرية , و بعد انطلاق الهجوم ظهرا , تمنّع الفرنسيين أولا عن إطلاق النيران لحين وصول المهاجمين إلى مسافة لا تزيد عن ثلاثمائة ياردة حين أصلوهم دفعة واحدة بكافة أنواع الأسلحة المتوفرة من مدافع ميدان و هاون و أسلحة الخفيفة ما أدى إلى تشتتهم و تبعثرهم لبعض الوقت بعد سقوط جريح منهم , ثم عاودت مجموعات كوتون التقدم إلى أن وصلت إلى مسافة لا تتعدى الخمسون ياردة من مربع مبنى الثكنة التي شاهدوا مثيلها مرارا في الأفلام الأمريكية , بعدها فتح الاستراليون النيران بشدة على مرابض المدفعية و الأسلحة المعادية إلى أن تمكنوا من إسكات نيران احد أبراجها , فانقض كونور عليه قاطعا الأسلاك الشائكة حوله بالغا جدار البرج حيث وافاه خمسة جنود تسلقوا جميعا الجدار , بعدها دخل كونور ركضا احد الغرف مطلقا النيران على شاغليها من سلاحه الرشاش , لكنه تعرض لرمايات رشاشة من احد المرابض الموجودة في زاوية مقابلة من الثكنة ما دفعه للاحتماء خلف احد الجدران حيث انضم إليه ثلاثة جنود هم الرقيب سويت ابل و العريف كمبل و الجندي وايت , الذي تبعه من فوق الجدار , و عاجلا انضم للمجموعة المستنزفة الذخيرة , موظف فرنسي مدني و ثلاثة من مرؤوسيه انشقوا جميعا عن رفاقهم طالبين الانضمام للديغوليين , في هذا الوقت كان القلق مخيما على كوتون الذي فقد الاتصال بكونور و لم يعد يعلم ما يجري داخل الثكنة إلى أن تناهى له صوته مناديا مصحوبا بأزيز الرصاص من خلال احد الفتحات , ليتم بعدها التعاون بينه و بين بعض الرجال في الخارج على إحداث ثغرة في احد لجدران سمحت بتسلله عائدا مع صحبه بعد قضائه حوالي خمسة ساعات داخله , بعدها قرر كوتون المهاجمة من خلال تلك الثغرة بعد توسيعها عن طريق قصفها بمدافع الميدان , إلا أن الفرنسيين البالغ عددهم حوالي المائة جندي شنوا هجوما ضاريا من كافة أنحاء الثكنة ما دفع به لسحب رجاله و وقف هجومه و تأجيله إلى صباح اليوم التالي .
في هذا الوقت كان على الكتيبة الثانية من اللواء الواحد و الثلاثون أن تتحرك مصحوبة بثلاث سرايا من المشاة نحو قرية الخربة و منها نحو كفر تبنيت عبر جسر الليطاني ( قضت الخطة أيضا أن تحاول دورية بامرة الرقيب دايفس أن تعبر الحدود في الليلة السابقة و تحاول منع تفجير أو تدمير الجسر ) , و كانت المواقع العسكرية الفرنسية في كل من الخربة و قلعة الشقيف ( شاتو بوفور ) تتمتع بتفوق واضح من الناحية الدفاعية في مقابل صعوبات جمة تعاني منها القوات المهاجمة التي كانت محكومة بالتحرك أما على منحدرات قاسية أو على أراض جرداء و مكشوفة تماما .
و حوالي الثانية صباحا عبرت مجموعة متقدمة من الجيش الاسترالي بقيادة النقيب هيوستن الأسلاك الحدودية الكائنة شمال قرية المطلة , و أسرت في احد مراكز الشرطة الحدودية جنديا نائما , بعدها تحركت في الظلمة على طول المرتفع المؤدي نحو الخربة , و هناك حاول احد ضباط الارتباط الفرنسيين المرافقين للحملة التقدم نحو القرية رافعا علما ابيضا عارضا الاستسلام على المدافعين من أبناء جلدته الفرنسيين إلا أن عرضه لقي الرفض ما دفعه للقفول عائدا , لكن قبل بلوغه خطوط الجيش الاسترالي أطلقت عليه النيران من خطوط العدو فسقط جريحا , تبع ذلك إطلاق نار كثيف من مدافع الميدان و الهاون و الأسلحة الخفيفة المتنوعة على القوات الاسترالية التي اندفعت مهاجمة , و قد استمر تقدم المهاجمين على رغم قصفهم بوابل من القذائف إلى أن بلغوا مسافة لا تتعدى مائتي ياردة من التحصينات التحت أرضية العسكرية الفرنسية , و قد جرح للاستراليين خلال هذا الهجوم الضابط ليونغتن نائب هيوستن , كما قتل الملازم كللي خلال محاولته عبور الأسلاك الشائكة المحيطة ببعض مواقع العدو , و مع حلول الفجر كان قد سقط لهم أيضا ثمانية إصابات جديدة بين قتيل و جريح , و قد ظهر جليا بنتيجة ذلك أن الاستمرار بالهجوم دون تأمين الغطاء الكاف للجنود سيؤدي حتما إلى إصابات كارثية في صفوفهم .
و على الجانب الغربي , تقدمت مجموعات النقيب برني دون أي مصاعب حتى الساعة الرابعة و النصف صباحا حين تمت إعاقتها و صدها من قبل القوات المدافعة , تلا ذلك إصابة ما يزيد عن ثلاثة عشر جنديا دون تحقيق أي تقدم إضافي , كما تعرض للإصابة النقيب براون الذي سلك بقواته طريق دير ميماس , فتم صده و إيقاع إصابات متتالية في صفوف قواته لتحركها على ارض مكشوفة , و قد حاولت بطاريات المدفعية الاسترالية التدخل لتامين انسحاب القوات المهاجمة إلى مواقع أكثر ملائمة دون أن يوقف ذلك تساقط القذائف عليهم .
و على مسافة ليست ببعيدة من الحدود , و مع انبلاج الفجر , كانت قوة من الجنود الفيشيين تامة الاستعداد و التجهيز و متخفية في احد الملاجئ المموّهة جيدا , تباغت مجموعة من القوات الاسترالية لحظة وصولها إلى موقعهم , و توقع في صفوفهم خسائر فادحة , و قد أعاقت هذه المفاجأة مخطط بورتر لاستخدام هذه المجموعة كعنصر دعم في هجوم مرتقب بالمدفعية ينطلق ابتداء من الساعة العاشرة صباحا .
و في العاشرة و النصف صباحا , حاولت ثلاث سيارات مصفحة تابعة لسلاح الفرسان السادس بقيادة الملازم لابثورن دعم قوات بورتر المتقدمة على الجبهة , لكنها بعد أن دكّت ثلاث تحصينات للعدو , استقطبت نيران كافة مراكزه الأخرى , ما أدى إلى إصابة آلية لابثورن إصابة مباشرة فقتل فيها على الفور مع كافة مساعديه , كما أصيبت الآلية الثانية و جرح فيها العريف هيكس جروحا خطيرة , أما المصفحة الثالثة , فقد قفلت منسحبة بعد أن تمكن الرقيب غروف من إنقاذ بعض الجنود الجرحى الذين سقطوا نتيجة لهذه المعركة .
بعدها , و اثر تعرضها لقصف مدفعي شديد , أرغمت قوات برني المتقدمة نحو واد الليطاني على التقهقر أربعمائة ياردة إلى الوراء , كما لم يتسنى لهيوستون الفرار من مواقعه التي تقدم إليها صباحا إلا بحلول الظلام.
و عليه , فان محصلة اليوم الأول من الغزو تكون الإخفاق في تحقيق أي مكاسب تذكر على الأرض باستثناء إدراكهم بان ما هم على وشك اختباره من قوة العدو لن يكون نزهة أبدا .
أما على الجبهة السورية , و في الساعة الثانية بعد منتصف الليل , تحرك لواء البريغادير لي لويد المؤلف من أربعة تشكيلات هجومية آلية سيارة , و قد عبر التشكيل الأول المؤلف من سلاح الرماة الملكي و بعض مدفعية الميدان و غيرهم من المجموعات المساندة حدود شرق الأردن تمام الساعة الرابعة فجرا ليبلغ بعدها قرية كفر نفخ حوالي الساعة الخامسة , ثم تقدمت هذه القوة سيرا على الأقدام باتجاه القنيطرة , و بعد مسير ساعة , تعرضت هذه القوة لإطلاق نار من تل أبو الندى الكائن على بعد ميلين جنوب غرب المدينة , فأرسل قائد القوة المهاجمة مفاوضين اثنين , بريطاني و فرنسي , للتباحث مع القوة المدافعة في وقف إطلاق النار و الاستسلام , و قد تكوّن لدى المفاوضين انطباع بان قائد القوة المدافعة , على عكس جنوده , لن يتوانى عن مقاومتهم , أو عن العودة للجنرال دانتز لاتخاذ أي قرار قد يخالف ذلك .
بعدها سعى المفاوضين لعقد هدنة ظاهرها السماح للمدنين بالخروج من المدينة , و باطنها كسب الوقت لتعزيز القوات المهاجمة و تثبيت مواقعها و نصب مدفعيتها .
و خلال ذلك , تجمع لدى المستطلعين معلومات تفيد بان حامية العدو تتكون من كتيبة من الجند السنغاليين و ستة آليات عسكرية مجهزة بمدافع رشاشة خفيفة , بعدها جاءهم نذير من ضابط فرنسي مفاده بان الأعمال العدائية ستبدأ ظهرا , و هذا ما تم بالفعل , و كان بنتيجتها أن تفوقت القوات المهاجمة على العدو و أحكمت سيطرتها على التل , و في صباح اليوم التالي اكتشفت هذه القوات أن العدو قد انسحب ليلا من المدينة , و أن قوة بريطانية سيطرت عليها و أسرت ستة مجموعات من القوات الفرنسية من " ذوي البشرة البيضاء " .
و قد أعطيت الأوامر لفصيلة من القناصة الهنود بقيادة النقيب آدم موري لمنع تدمير جسر شهاب للسكة الحديد ( حاول لورنس العرب عام 1918 تدمير هذا الجسر خلال الحرب العالمية الأولى أثناء حملة الجنرال أللنبي دون أن يتكلل مسعاه بالنجاح ) , و قد تمكن موري و احد مساعديه هافيلدر من الزحف تحت جنح الظلام إلى مركز الحراسة و صرع عناصره في حين تمكن البقية من الإطباق على حراس الجسر و السيطرة عليه سالما بعد تمكنهم من تعطيل العبوات التي جهز بها لنسفه .
في هذه الأثناء كانت السيطرة على " فيق " قد أنجزت دون أي مقاومة تذكر , كما تمكن تشكيلين عسكريين آخرين من تطويق درعا و باشرا مفاوضة المدافعين عنها على الاستسلام , و بعد أن تعرض بعض المفاوضين لإطلاق نار و فشل مساعيهم التفاوضية , اندفعت القوات مهاجمة حيث تمكنت بعد تمهيد مدفعي شديد, من دخول المدينة و السيطرة عليها .
توجه بعد ذلك احد التشكيلين لهنديين , مدعما ببعض المدفعية إلى " الشيخ مسكين " لاحتلالها , و بعد مقاومة ضعيفة و التعرض للقصف بالقنابل من إحدى الطائرات , نشبت معركة قاسية على أطراف المدينة استخدم فيها الأسلحة الرشاشة و المدفعية الثقيلة سيطرة بعدها القوات المهاجمة على مرتفع يشرف على المدينة من الناحية الغربية , ثم بحلول صباح التاسع من حزيران تحقق لهذه القوات السيطرة التامة على شيخ مسكين و عزرا التي أخلاها العدو خلال الليل , و في العاشرة صباحا عبرت قوات فرنسا الحرة هذه المواقع باتجاه دمشق تاركة القوات الهندية خلفها بعد أن أدت هذه الأخيرة مهمتها على أكمل وجه و أسرها لثلاثون ضابطا و ثلاثمائة جندي .
و ما أن بدا الهجوم على سوريا و لبنان , حتى أذاع كل من الجنرال كاترو و السفير البريطاني في مصر السير ميلز لمبسون إعلانين منفردين توجها بهما لكل من الشعبين السوري و اللبناني , حيث تحدث كاترو باسم ديغول معلنا التزام فرنسا إنهاء زمن الانتداب و إعلان استقلال هذين البلدين مع الاستعداد لإبرام اتفاقيات تضمن ذلك , في حين أعلن لمبسون أن بريطانيا تضمن حصول لبنان و سوريا على استقلالهما فقط في حال انضمامهما إلى معسكر الحلفاء , حيث ستبادر فورا , في حال حصول ذلك , إلى رفع الحصار المضروب عليهما , و ستدخلهما في نطاق وحدة دول الكومنولث بما سيتيح لهما التمتع بميزات تجارية عديدة .
بذلك يكون اليوم الأول من الغزو قد انتهى عكس ما هو مأمول و مرتجى , فقد أتضح للمخططين العسكريين أن سوريا لن تسقط بسهولة , و أن الفيشيين الذين أتموا استعداداتهم لهذه المواجهة قد حشدوا جيشا طائلا مكونا من ثمانية عشر كتيبة قتالية عالية الاستعداد و التجهيز , بينما دخل الحلفاء المعركة بقوة لا تتجاوز تسعة كتائب استرالية و هندية و بريطانية , إضافة إلى ستة كتائب ديغولية مشكوك بكفاءتها , و بذلك تكون نظرية تشرشل " بالإخضاع عبر التلويح بالاجتياح العسكري " قد انقلبت عليه و تحولت إلى الانغماس بحرب ضارية غير مضمونة النتائج .
الفصول السابقة:
الفصل الأول: خلفية الصراع على لبنان وسوريا
الفصل الثالث: اليوم الأول من الغزو
الفصل الرابع: محاولة عبور الليطاني
الفصل الخامس.. الإندفاع نحو صيدا
الفصل السادس.. الإندفاع نحو مرجعيون وجزين
الفصل الثامن.. الهجوم الفرنسي المضاد، الانسحاب من مرجعيون ومعركة الجلاحية
خريطة توضح مواقع انطلاق و خطط تحرك الجيوش المهاجمة و الدفاعات المقابلة لها في جبهتي مرجعيون و بانياس
خريطة توضح مسار تقدم القوات الهندية على الجبهة السورية
مواقع تموضع القوات المهاجمة الهندية و الاسترالية على جبهتي سوريا و لبنان بعد انقضاء اليوم الأول من الغزو
تعليقات: