الفصل الثاني: الإعداد للغزو

إنزال قوات الحلفاء المنسحبة من كريت في ميناء الإسكندرية في حزيران 1941
إنزال قوات الحلفاء المنسحبة من كريت في ميناء الإسكندرية في حزيران 1941


الإعداد لخطة الغزو

عند إعداده لخطة الغزو , قام الجنرال ويفل بدراسة و تحليل مسرح العمليات الحربية بما فيها من معطيات جغرافية و بشرية و عسكرية , حيث تبين انه سيتعامل مع الحقائق التالية :

* 1. أن رقعة المواجهات المفترضة ستمتد على مساحة ثلاثمائة ميل تقريبا , بدأ من الحدود الجنوبية المحاذية لشمال فلسطين , و صولا إلى خطوط السكك الحديد في سهل البقاع شمالا , و من بيروت غربا , حيث مقر المندوب السامي الفرنسي , صعودا حيث مطار رياق الحيوي , وصولا إلى دمشق العاصمة الحقيقية لسوريا شرقا , و هذه المساحة تتميز بجغرافيتها الجبلية الوعرة و منخفضاتها السحيقة و صحاريها الشاسعة , و قد علق احد الجغرافيين العسكريين في معرض شرحه للصعوبات التي قد تواجه الحملة بان الراغب بمهاجمة جبال لبنان من شمال فلسطين سيواجه نفس مصاعب مهاجمة جبال أفغانستان من الهند , مع الأخذ بالاعتبار فارق الحجم طبعا.

* 2. أن العبور من فلسطين إلى لبنان و جنوب غرب سوريا محكوم بسلوك ثلاث مسارات رئيسية فقط , الأول هو الطريق الساحلي المار على أفاريز صخرية و ممرات ضيقة و وعرة يليها العبور خلال بساتين من الزيتون و التوت و الموز, و الثاني يمتد من بانياس في شمال فلسطين عبر الأودية الواقعة بين مرتفعات جبل حرمون من الشرق و جبل لبنان من الغرب , و يجري في هذه الأودية نهر الليطاني الذي ينعطف غربا قرب الحدود الشمالية لفلسطين ليصب في البحر بين مدينتي صيدا و صور , و معظم الأراضي المحيطة بهذا المسار جرداء باستثناء بعض التلال و السفوح المجللة و المزروعة بالقمح و الكرمة , أما الطريق الثالث فيمر ناحية الشرق بين مرتفعات جبل الدروز و سلسلة من الهضاب البركانية , ثم يعبر مساحات واسعة من الصحارى القاحلة التي يتخللها بين موقع و أخر بعض الواحات أو سهول الحنطة , و منها وصولا إلى دوحة دمشق , علما أن هذه المحاور الثلاثة محصنة و محمية جيدا من قبل قوات فيشية كبيرة كاملة الإعداد و التجهيز.

* 3. أن هذه المساحة تحتوي على نصف عدد السكان المحليين تقريبا , و على اثنين من المدن الرئيسية الثلاث.

أما من حيث موازين القوى العسكرية , فقد كانت التشكيلات الدفاعية العاملة بامرة حكومة فيشي تتألف من ستة أفواج من الجنود النظاميين , بما فيها فيلق أجنبي واحد , و آخر خليط من جنود المستعمرات و المواطنين , و أربعة من الأفارقة , و تسعة آلاف جندي من سلاح الفرسان , و بعض وحدات الخيالة منها ما هو مدعم ببعض قطع الدبابات أو المدرعات , و تسعون مدفع ميدان و سلاح متوسط , و عشرة آلاف من جنود المشاة المشرقيين العديمي الخبرة تقريبا , و مدمرتين زنة 3000 طن و ثلاث غواصات , إضافة إلى جيش المشرق المؤلف من فرقتي مشاة تقريبا و نصف فرقة من الدبابات و السيارات المصفحة و الفرسان , و 35000 جندي نظامي بما في ذلك 8000 جندي فرنسي.

و كانت هذه القوات بإمرة الجنرال دانتيز القائد العام للقوات الفيشية , الذي كان يعمل تحت لواءه ثلاث قادة مناطق وهم الجنرال دلهوم في دمشق , كولونيل بوكلر في بيروت , كولونيل روتييه في حلب , إضافة إلى الجنرال جننكين في قيادة سلاح الجو.

أما التشكيلات الهجومية لقوات الحلفاء فكانت تتألف من الفرقة السابعة الاسترالية التي لم تكن قد دخلت في أي عملية اشتباك مع قوات العدو منذ إنشائها في نيسان و أيار 1940 و لكنها كانت قوة جيدة الإعداد و التدريب , و اللواء الهندي الخامس المشكل من محاربين متمرسين منسحبين حديثا من سيناء , و ستة كتائب من قوات من المغاوير التابعين لقيادة القوات الفرنسية الحرة , و سريتي دعم لوجستي و إطفاء مزود كل منها بآلية واحدة , و فصيلة من سلاح الفرسان بقيادة الكولونيل كوليت.

أما القوات الجوية فكانت مؤلفة من سربين و نصف من المقاتلات , و قاذفتي قنابل و سرب من طائرات الدعم , وهي بامرة ماريشال الجو تيدر و مكلفة بتأمين الدعم الجوي للغزو , إضافة إلى قوات أخرى بأمرة الكومودور الجوي براون وهي مجهزة بحوالي 70 طائرة هجومية , و حوالي مئة طائرة فرنسية , منها 60 مقاتلة , مهمتها قصف المطارات السورية بشكل متواصل خلال فترة الإعداد للغزو.

أما في البحر فقد خصص الأدميرال كننغهام في البداية طرادين و أربعة مدمرات وضعها بامرة نائب الأدميرال كينغ من السرب الخامس عشر , و كانت مهمتها دعم التقدم البري على الساحل و حمايته من أي تدخل أو إعاقة من جانب القوات البحرية الفيشية , كما تم تخصيص قوة بحرية إضافية ثانية مؤلفة من حاملة الطائرات غلين جيل , و الطراد كوفنتري و مدمرتين مهمتها تنفيذ عمليات إنزال جنود على الشاطئ السوري في حال دعت الحاجة.

التقى الجنرال لافاراك خلال وجوده في القاهرة لتلقي التعليمات , الجنرال بليمي حيث ناقش معه مسألة تجهيز و تدعيم الفرقة السابعة الاسترالية المرابطة في مرسى مطروح بوحدات من الفرقة السادسة و قد اتخذ بنتيجة ذلك الاجتماع قرارا بوضع كتيبتين من تلك الفرقة بأمرته.

و حين التقى الجنرال لافاراك الجنرال ويلسون في الصرفند في فلسطين بتاريخ 22 أيار , اعلمه هذا الأخير انه و الجنرال ويفل قررا تركيز الجهد الرئيسي للحملة باتجاه بيروت عبر الساحل , على أن يتم بالتزامن تحريك قوات أخرى انطلاقا من المطلة شمال فلسطين , و أعطيت التعليمات للجنرال لافاراك بضرورة احاطة كافة الخطط و التحركات التمهيدية بالسرية التامة و التكتم الشديد , و عليه يطلق من تاريخه اسم " فرقة الصادرات الاسترالية " على الفرقة السابعة , و تفسر تحركات الجنود باتجاه شمال فلسطين على أنها للتبديل مع وحدات الفرقة السادسة هناك , كما طلب منع كافة المأذونيات و زيارات الضباط ذوي الرتب الصغيرة إلى القدس أو حيفا , كما طلب أن يرتدي جنود الاستكشاف الاستراليين الذين قد يقعون في نطاق رؤية جنود العدو الفرنسيين , قبعات القوات الهندية و ليس الاسترالية.

بعدها بيومين , عقد اجتماع ثان في الصرفند شدد فيه ويلسن على ضرورة إظهار اكبر قدر ممكن من استعراض القوة خلال الهجوم , كما أكد على رأيه بان التركيز الرئيسي للهجوم يجب أن يكون على طريق الساحل , و حين خالفه لافاراك الرأي مشيرا إلى أن التقدم من الداخل قد يكون أوفر حظا , أصر على رأيه مشددا انه و الجنرال ويلسن مجمعان على ضرورة التركيز لناحية الساحل , ثم اقترح بان يكون تاريخ انطلاق العمليات ليل 31 أيار.

و في الاجتماع اللاحق المنعقد بتاريخ 26 أيار تم التوافق نهائيا على أن الهجوم عن طريق الساحل قد يحقق تقدما أسرع , كما تقرر تأخير موعد بدء العمليات أسبوعا إضافيا بالنظر لتأخر وصول الفرقة السابعة و قيادتها الميدانية من مرسى مطروح , و تأخر البت بالتفاصيل النهائية للتشكيلات العسكرية المطلوب مشاركتها في الهجوم.

و قدّر لافاراك , بعد إطلاعه على خطة الغزو الموضوعة من قبل هيئة التخطيط التابعة للجنرال ويفل , بأنها مفرطة بالتفاؤل لاعتمادها على فرضيتي ضعف المقاومة المتوقعة و سرعة انصياع الجنود الفرنسيين للغزو , و لاقتناع المخططين بان الفرنسيين سينسحبون تلقائيا فور بدء الهجوم إلى لبنان تاركين خلفهم باقي البلاد لتقع تحت رحمة القوات المهاجمة , و هو ما يتناقض , برأيه , مع جاء في الخطة من إعطاء أولوية لتحريك سريع للقوات المؤللة على طريق الساحل باتجاه بيروت بهدف السيطرة قبل الغروب على نقاط تحكم بالطرق و غيرها من المراكز الحكومية الرئيسية.

و إلى حين انعقاد الاجتماع اللاحق بتاريخ 28 أيار , لم يكن الجنرال ويلسن قد توصل بعد لتحديد نهائي لحجم و طبيعة القوات التي قد تشارك بالعملية , كما أن المعلومات المستقاة من أجهزة الاستخبارات عن الطرق و المدن و السكان في سوريا و عن القوات المدافعة عنها كانت محدودة جدا , و الخرائط الوحيدة المتوفرة كانت بمقياس 1/200,000 , و لم يكن يوجد أي خريطة بمقياس 1/25,000 أو 1/50,000 وهي المفضلة للاسترشاد بها في أي بلاد ذات تضاريس متنوعة و صعبة كالتي سيدخلونها.

و قد اطلع ويلسن الجنرال لافاراك خلال نفس الاجتماع انه لن يكون من الممكن توفير أية دبابات ثقيلة أو مدافع مضادة للطائرات قبل منتصف حزيران , و استوضحه عن موعد جهوزيته لبدء الهجوم بغض النظر عن توفر تلك الآليات و المعدات , فأجابه طالبا تأمين بطارية واحدة مضادة للطائرات على الأقل , و أن اقرب موعد ممكن للهجوم قد يكون الثالث من حزيران , فطلب منه تأخير الموعد يومين إضافيين لحين جهوز باقي الوحدات المشاركة في العملية , و لكن ما أقلق المجتمعين هو ما وصلهم من أنباء عن تسرب معلومات للعدو عن التحضيرات الجارية للهجوم.

و لاحقا تم التعميم على القادة العسكريين الميدانيين انه سيتم إلحاق ضابط فرنسي بكل كتيبة من مهمته الاقتراب من مواقع العدو حاملا علما ابيضا و مكبرا للصوت يتوجه بواسطته إلى الجنود الفرنسيين طالبا منهم الاستسلام و الالتحاق بالقوات الديغولية , إلا أن هذا الاقتراح أزعج القادة الاستراليين ولم يؤخذ منهم على محمل الجد.

و يوما بعد يوم بدأ العملاء الإنكليز , و معظمهم من اليهود , يوردون معلومات عن أعمال تدعيم جارية لمراكز العدو الحدودية , و قد شاهد الضباط البريطانيين , الذين عبروا الحدود بمهمات استطلاعية , أعمال حفر خنادق و تركيز بطاريات مدفعية جارية في محيط مرجعيون , و قبل أيام قليلة من بدء العمليات , بدأ يرد معلومات عن تعزيزات عسكرية فرنسية كثيفة للمراكز الحدودية علم منها تموضع خمس كتائب و أربعة سرايا من الفرسان على طريق الساحل , و ثلاث كتائب و بعض الدبابات في الوسط , و كتيبتين و بعض الفرسان و سرايا دراجين في جبهة الصحراء , ما دفع بالقادة العسكريين الكبار لعقد اجتماع في 4 حزيران تم فيه التباحث بآخر التطورات و تبني خطة نهائية للغزو جرى إبلاغها للقادة الميدانيين , و قد كتب ويلسن لاحقا : لقد كان هدفنا الرئيسي بيروت , و اقصر مسار كان عبر الساحل , و لكن لخشيتنا من قابلية الطريق للقطع بسهولة , قررنا المبادرة بالهجوم على ثلاث محاور لتشكيل جبهة واسعة ".

كانت المرحلة الأولى من الخطة الموضوعة تقضي بتنظيم هجوم كبير على عدة محاور للسيطرة على خط دمشق - رياق - بيروت , أي اكبر مدينتين محليتين و المطار الرئيسي الذي يربط بينهما , أما المرحلة الثانية فكانت تهدف للسيطرة على مدن طرطوس و حمص و طرابلس.

كما قضت الخطة بأن تتولى الفرقة السابعة الاسترالية مهمة التعامل مع جبهتي الساحل و الوسط , و تترك الجبهة الداخلية على عاتق اللواء الهندي و بعض المجموعات العسكرية التابعة لقوات فرنسا الحرة, و تقرر أن تتقدم القوات الاسترالية على الساحل بأسرع ما يمكن لاحتلال بيروت , أما في الوسط فيكون التقدم من المطلة و مرجعيون نحو مطار رياق , أما تقدم اللواء الهندي فيكون نحو حوران ثم عبر المرتفعات المطلة على بحيرة طبريا و مرتفعات الأردن ليتم الاندفاع بعدها نحو درعا و شيخ مسكين و عزرا ثم تعزل " فيق " و " العال " , ثم يتم الالتفاف يسارا نحو القنيطرة , و هو ما سيؤمن رأس جسر للجنرال ليجنتلهوم من لواء فرنسا الحرة للتقدم عبر " كيزوي " نحو دمشق , في حين سيتاح لفرسان كولونيل كوليت ( 300 الأشداء ) متابعة مسيرهم لاحتلال القنيطرة , ولم يعطى أي دور للفيلق العربي المرابط في الأردن و ذلك لعدم إثارة ذعر غلوب باشا.

حدد لافاراك لقواته ثلاثة أهداف : الأول التقدم من مرجعيون نحو صيدا , و الثاني الربط بين راشيا و مشغرة و جزين و صيدا , و الثالث الاستيلاء على طريق رياق - بيروت , على أمل أن يحقق بنهاية هذه المرحلة السيطرة على بيروت بواسطة اللواء الواحد و العشرون, و على مطار رياق بواسطة اللواء الخامس و العشرون.

و كانت الخطة الموضوعة تقضي بتقدم اللواء الخامس و العشرين سيرا على الأقدام للاستيلاء على مرجعيون ثم التحرك السريع بواسطة الآليات من اتجاهين للسيطرة على رياق , على أن تتولى الكتيبتين المنتدبتين من الفرقة السادسة مهمة تولي أمر الأسرى من جنود العدو و المخافر العائدة للشرطة المحلية , و على أن تتزامن تلك العمليات مع تحرشات و أعمال الهاء تقوم بها القوات البريطانية المرابطة في العراق بالحدود الشرقية السورية.

و في 5 حزيران تلقى الجنرال لافاراك أوامر محددة تقضي بتوليه مسؤولية قيادة الجيش الاسترالي و إدارة كافة العمليات العسكرية فور إنجازه المرحلة الأولى من الهجوم و السيطرة على طريق بيروت-رياق-دمشق , على أن يخلفه في قيادة الفرقة السابعة البريغادير آلن من اللواء السادس عشر , و قد جاءت هذه التزكية من الجنرال بليمي بصفته مندوب الجيش الاسترالي في رئاسة هيئة الأركان العامة في الشرق الأوسط الذي كان يؤمن بأنه لا بد من إدارة العمليات منذ انطلاقها من قبل قيادة ميدانية , و قد لقي هذا الاقتراح في البدء رفضا من قبل القيادة لتخوفها من وقوع مشاكل قد تنتج عن النقص اللوجستي الموجود في وسائل النقل و الاتصال , و لكن بعد نقل مركز القيادة من القدس إلى الناصرة , و استعارة بعض وسائل النقل من الشرطة الفلسطينية , جرى إرسال بعض ضباط الارتباط و مسؤولي خدمات إلى الفرقة السابعة لتسهيل مهمة انتقال السلطة في الوقت المناسب.

ترتب على قيادة القوات المهاجمة مسؤولية المحافظة على ترابط صفوف القوات المهاجمة العاملة على جبهة واسعة ممتدة من الساحل اللبناني إلى الداخل السوري , لذا تم تعيين عدد من الضباط المجربين لقيادة تلك التشكيلات الهجومية , فكلف الجنرال ستيفنس للتعامل مع الجبهة الساحلية , و هذا الجنرال تدرج من ضابط ميليشيا سابق قليل الخبرة خدم في فرنسا ضمن سلاح الإشارة خلال الحرب العالمية الأولى , إلى قائد كتيبة عام 1935 , ثم انتدب لتشكيل سلاح الإشارة التابع للفرقة السادسة , و بعدها عام1940 لتشكيل و قيادة اللواء الواحد و العشرون التابع للفرقة السابعة بأمر من الجنرال لافاراك ليصبح بذلك اصغر ضابط يتولى قيادة لواء في الجيش الاسترالي.

و الضابط الثاني الذي تولى الجبهة الوسطى فكان الجنرال باكستر كوكس من اللواء الخامس و العشرون , و هذا اللواء كان في الأصل مهندسا معماريا خدم بصفة ملازم أول في فرنسا خلال الحرب العالمية الأولى , ثم أدى خدمته العسكرية بين الحربين متنقلا بين قطاعات الهندسة و المشاة , ثم انتقل عام 1940 إلى صفوف الميليشيا في غرب استراليا ليولى أخيرا مهمة تشكيل و قيادة الكتيبة السادسة عشر.

أما الضابط الثالث فكان الجنرال الهندي لي لويد من الفرقة الخامسة المكلفة التعامل مع الجبهة السورية , و هذا الضابط متمرس و ذو خبرة واسعة في القتال اكتسبها خلال خدمته في جبهتي الصحراء الغربية و سيناء مما هيئه جيدا للتعامل مع أي مواجهات عنيفة محتملة خلال هذا الهجوم.

و كان أكثر ما يخشاه الجنرال ستيفنس حين تقدمه على جبهة الساحل هو مبادرة القوات المعادية إلى تدمير الجسر الكائن على بعد بضعة أميال من رأس الناقورة حيث تمر الطريق على جرف صخري شاهق , كذلك تخوفه من تدمير الجسر القائم على نهر الليطاني على بعد 17 ميلا من الحدود , ما دفعه , تفاديا لقطع الطريق , لاتخاذ قرار استباقي بإرسال قوة من المشاة و المهندسين إلى الحيد البحري في الاسكندرون قرب الناقورة للعمل على منع تدمير الجسر , كذلك إنزال قوة من الكتيبة البريطانية بقيادة الكولونيل بيدر للمرابطة مع بزوغ فجر على الضفة المقابلة لجسر الليطاني و حمايته من التدمير.

و قد وجد الجنرال ستيفنس خلال دراسته لقطاعه من الجبهة انه مضطر حكما لسلوك طريق رئيسي واحد صالح لتحرك الآليات السريع هو الخط الساحلي , إضافة إلى طريقين آخرين جانبيين , احدهما شمال الحدود و آخر جنوبها يتقاربان إلى مسافة ألف ياردة قرب قرية المالكية على بعد عشرون ميلا من الساحل , و عليه استنتج انه إذا تمكن من الوصول و السيطرة على هذه البقعة , فسيتاح له التقدم و الالتفاف عبر بنت جبيل و تبنين إلى مدينة صور الكائنة شمال الاسكندرون متجاوزا الموقع المحتمل لقطع الطريق الساحلي , و مع معرفة ستيفنس أن الفيشيين قد أقاموا تحصينات على طول الخط الممتد من غور الأردن إلى الشاطئ , مرورا بعيترون و بنت جبيل و عين ابل و يارون و رميش و عيتا الشعب و راميه و الجرين و علما الشعب و اللبونة , فقد قرر السيطرة أولا على تلك المواقع ليتسنى له عند الحاجة تأمين الوصول من معبر ثاني إلى خط الساحل ليتابع بعدها تقدمه نحو بيروت , و عليه فقد قسّم قواته إلى قسمين , قوة أولى و هي الأقوى بقيادة المقدم ماكدونالد و مؤلفة من الكتيبة السادسة عشر و سريتين من المصفحات و سرب من ناقلات الجند من فرقة الفرسان ( أ ) التابعة للفرقة السادسة و ما يوازي نصف قوات المدفعية و المهندسين العاملين لديه , و يقع على عاتق هذه القوة التحرك عبر الأراضي الداخلية الوعرة نحو صور مرورا ببنت جبيل و تبنين , و قوة ثانية مؤلفة من الكتيبة الرابعة عشر العاملة بقيادة المقدم موتن وهي مدعمة أيضا بسلاح المصفحات و بعض القطع المدفعية و المهندسين و مهمتها السيطرة على المراكز الحدودية الساحلية و تفادي قطع الطريق الساحلي عند جسر الناقورة , و إذا تعذر ذلك توجب عليها القيام بحركة التفاف سريعة إلى تبنين و منها ثانية إلى الساحل متجاوزة مواقع قطع الطريق , إضافة إلى القوتين السابقتين تم تشكيل قوة من لخيالة القي على عاتقها مهمة التقدم عبر تبنين و صريفا إلى كفر صير على نهر الليطاني و السيطرة عليها و المرابطة على ضفتي النهر هناك , أخيرا كلف الأسطول البحري البريطاني تقديم الدعم للهجوم البري على طريق الساحل.

أما بالنسبة للمنطقة الوسطى , فقد كان هدف اللواء الخامس و العشرين العامل بقيادة الجنرال كوكس التقدم نحو قرية المطلة من ناحية بحيرة حولا , و نحو الحدود السورية من " روشبينا " , على أن تتم كافة التحركات بعيدا عن أعين مراكز العدو الحدودية , و عليه تقرر تجميع القوات على الطريق المؤدية إلى " دفنة " , بانتظار ساعة الصفر و انطلاق العمليات على أن تتم السيطرة أولا على المرتفعات المطلة على فلسطين الممتدة من شبعا إلى حاصبيا و مرجعيون وصولا إلى النبطية التحتا , ثم تقسم القوات المهاجمة إلى قسمين , قوة مؤلفة من كتيبة و بعض الآليات و المدفعية و الفرسان و المشاة , مهمتها سلوك ما سيعرف لاحقا باسم الطريق " أ " عبر بلدة حاصبيا , و قوة ثانية تسلك الطريق المسمى " ب " المار على ضفاف نهر الليطاني الشرقية وصولا إلى القرعون حيث تعبر النهر ثم تتوجه نحو زحلة للسيطرة عليها , علما أن هذه الطريق كانت ملغمة و محمية جيدا في محيط بلدة يحمر. و كانت الخطة الموضوعة تقضي أيضا بتقدم بعض القوات المدرعة نحو كفرمشكي لتطويق قوات العدو و السيطرة على معبر الطريق هناك , لتبدأ بعدها مباشرة المرحلة الثانية من الهجوم التي تقضي بمهاجمة طريق الشام و قطعها ثم الزحف لاحتلال مطار رياق.

و قد اعتمدت المرحلة الأولى من الهجوم على هذه الجبهة على تحرك القوات تحت جنح الظلام لاستغلال عنصر المفاجأة , و كان رهان قادة الهجوم أن تنهار و تتلاشى مقاومة العدو ما أن تتعرض مواقعهم للقصف , ليتسنى بعدها تلقائيا لقوات المقدم موناغان من الكتيبة الثالثة و الثلاثون المدعمة ببطارية مدفعية ميدان و مدفعية مضادة لدروع و بعض المهندسين السيطرة على الجبهة الممتدة من بلدة شبعا إلى الخيام بأقل خسائر ممكنة , و يتسنى للمقدم بورتر قائد الكتيبة الواحد و الثلاثون و المدعمة بقوات مدفعية مشابهة , السيطرة على الجبهة الممتدة من مرجعيون إلى النبطية التحتا , على أن يترك أمر السيطرة على الجبهة الممتدة من عديسة إلى بليدا وصولا للاتصال بالكتيبة الواحدة و العشرون لقوات من الشركس.

أما على الجبهة السورية الداخلية , فكانت المرحلة الأولى تقضي بان تتولى الفرقة الهندية الخامسة المحافظة أولا على خط سكة حديد الحجاز , ثم بعدها تتحرك لتشكيل خط دفاعي يمتد من درعا إلى الشيخ مسكين و عزرا لحماية التقدم المنتظر للقوات الفرنسية الحرة نحو دمشق , كما كانت الخطة تقضي بحماية القوات الجوية للقوات المهاجمة , و الانقضاض على مطارات العدو و محطات وقوده و قواته المتقدمة , علما أن تشكيلات القوات المدافعة لم تكن تقل عددا أو جهوزية عن القوات المهاجمة عدديا , مع أفضلية للقوات الفيشية المدربة جيدا و المجهزة بأفضل العتاد الحربي و المدعمة بقوات مدرعة قوية و حديثة يصعب مواجهتها , و عليه فان رهان قوات الجنرال ويلسن الهجومية المجزئة إلى ثلاث قوى متعادلة كان على أن يظهر المدافعون ضعفا و ترددا , و إلا فان كامل الهجوم سيكون معرضا للإخفاق.

مجموعة من الجنود الاستراليين الفارين من كريت على متن احد القوارب وصولا إلى مصر
مجموعة من الجنود الاستراليين الفارين من كريت على متن احد القوارب وصولا إلى مصر


نتوء صخري في موقع رأس الناقورة على الحدود بين لبنان و فلسطين
نتوء صخري في موقع رأس الناقورة على الحدود بين لبنان و فلسطين


صورة تجمع قائد سلاح الجو الجنرال براون و المايجور جنرال لافاراك و اللوتانت جنرال مايتلند ويلسون و الجنرال الفرنسي كاترو
صورة تجمع قائد سلاح الجو الجنرال براون و المايجور جنرال لافاراك و اللوتانت جنرال مايتلند ويلسون و الجنرال الفرنسي كاترو


جنود يعلمون على تسوية الفجوة التي أحدثت في الطريق قرب الاسكندرون – جنوب لبنان
جنود يعلمون على تسوية الفجوة التي أحدثت في الطريق قرب الاسكندرون – جنوب لبنان


صورة تظهر جسر مستحدث على نهر الليطاني –الخردلي أقيم في شهر حزيران 1941 <br>لعبور الآليات بعد نسف قوات المحور للجسر القديم الذي يظهر في خلفية
صورة تظهر جسر مستحدث على نهر الليطاني –الخردلي أقيم في شهر حزيران 1941
لعبور الآليات بعد نسف قوات المحور للجسر القديم الذي يظهر في خلفية


مجموعة من الجنود الاستراليين خارج ثكنة الخيام في التاسع من حزيران 1941,<br> و هم من اليسار إلى اليمين , العريف كامبل و الرقيب سويت بل و الملازم
مجموعة من الجنود الاستراليين خارج ثكنة الخيام في التاسع من حزيران 1941,
و هم من اليسار إلى اليمين , العريف كامبل و الرقيب سويت بل و الملازم


المايجور جنرال ألن و البريغادير بري مان و البريغادير كوكس أثناء استراحتهم في شمال فلسطين
المايجور جنرال ألن و البريغادير بري مان و البريغادير كوكس أثناء استراحتهم في شمال فلسطين


تعليقات: